مرة أخرى عاد إلى الواجهة ملف التعاون العسكري بين روسيا وإيران، ويثار الأمر حينما يمس التعاون بينهما الأمن الأوروبي. وتجلى ذلك مع بدايات الحرب الروسية – الأوكرانية التي أمدت فيها إيران روسيا بصواريخ باليستية بل أحياناً مستشارين عسكريين في القرم من أجل المسيّرات.
وعلى رغم خفوت هذا الملف منذ فترة إلا أنه عاد مرة أخرى إلى الواجهة مع استنكار أميركي وأوروبي دفعهما إلى فرض عقوبات على الطيران الجوي الإيراني، في توقيت تسعى إيران إلى التفاوض عبر حكومة إصلاحية.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن إن روسيا تلقت صواريخ باليستية قصيرة المدى من إيران ومن المتوقع أن تستخدمها في أوكرانيا، مضيفاً أن “الرئيس الإيراني الجديد ووزير خارجيته قالا مراراً وتكراراً إنهما يريدان استعادة المشاركة مع أوروبا ويريدان الحصول على تخفيف العقوبات، إن مثل هذه الإجراءات المزعزعة للاستقرار ستحقق العكس تماماً”.
وفرضت واشنطن عقوبات على أكثر من 12 شخصاً وكياناً مقرهم في إيران وروسيا لتورطهم في انتشار أنظمة الأسلحة الإيرانية داخل روسيا، ومن بين الأهداف تلك شركة الطيران الإيرانية “إيران إير” التي اتهمتها وزارة الخزانة في بيان صحافي بنقل الأسلحة، وضمن بيان مشترك أعلنت بريطانيا وفرنسا وألمانيا أنها ستعمل على فرض عقوبات على الخطوط الجوية الإيرانية، فضلاً عن اتخاذ خطوات فورية لإلغاء اتفاقات الخدمات الجوية الثنائية مع طهران.
وكالمعتاد نفت إيران نقل الصواريخ، وقالت بعثتها لدى الأمم المتحدة في بيان إنها لا تقدم دعماً عسكرياً لأي من الجانبين في الحرب بين روسيا وأوكرانيا.
إن تأثير التعاون الإيراني- الروسي في ميدان الحرب الأوكرانية إنما يمكّن روسيا من استخدام ترسانتها لأهداف بعيدة وقريبة المدى، بما يهدد أمن أوروبا. ولم تفرض واشنطن ودول الترويكا أي عقوبات جديدة على إيران حينما تعلق سلوكها بزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط، لكن امتداد تأثير سلوكها إلى أوروبا استلزم تحركاً غربياً.
وداخل إيران ينظر من قبل بعضهم إلى أن الاتهامات الأميركية والغربية في شأن نقل الصواريخ، إلى جانب العقوبات الغربية الجديدة ستؤدي إلى تعقيد الخطط المحتملة للحكومة المنتخبة لإعادة التواصل مع القوى الأوروبية من أجل الدعم الاقتصادي الذي تشتد الحاجة إليه، وأن طهران ستواجه مزيداً من القيود والعزلة نتيجة لإلغاء عقود الطيران ومن ثم عدم تمكن المواطنين من السفر إلى دول الاتحاد الأوروبي أو قد توقف تلك الدول رحلاتها إلى إيران بسبب العقوبات التي أعلنت من قبلها.
وتأتي أخبار نقل إيران الصواريخ قريبة المدى إلى روسيا في أعقاب انتخاب رئيس إيراني جديد خاض حملته الانتخابية على أساس مزيد من الانفتاح مع الغرب والتفاوض مباشرة مع الولايات المتحدة وأوروبا لرفع العقوبات بغية دعم الاقتصاد الإيراني، وفي ظل مطالبة وزير الخارجية أيضاً بعودة مفاوضات إحياء الاتفاق وحصول الحكومة على ضوء أخضر من المرشد الإيراني باستكمال المحادثات.
وفى حين يبدو التناقض في سلوك إيران الساعية وراء جولة جديدة من محادثات إحياء الاتفاق النووي مع واشنطن، لكن في الوقت ذاته تثير الحكومة الأميركية ودولاً أوروبية بالتعاون مع روسيا.
لكن يمكن تفسير السلوك الإيراني المتعلق بتقديم الدعم العسكري لروسيا في الميدان الأوكراني، خصوصاً أنه يعكس من جهة سياسة ورؤية المرشد الإيراني لأهمية التعاون والعلاقات مع روسيا التي يعتبرها شريكاً مهماً في محور مناهضة الغرب والهيمنة الأميركية، ومن جهة أخرى يعكس استمرار سيطرة الحرس الثوري الإيراني على ملفات السياسة الخارجية ومن ثم السير في اتجاه مغاير عن المعلن من الحكومة الإيرانية، ومع ذلك لا يمكن القول إن تلقي روسيا الصواريخ قريبة المدى من طهران حالياً هو مناقض لأهداف وأجندة حكومة مسعود بزشكيان الخاصة بالعودة للمفاوضات وإحياء الاتفاق النووي لأن المرشد الإيراني ومعه الحرس الثوري وحكومة بزشكيان ستعتبر أن دعم إيران لروسيا في أوكرانيا يضاعف من تأثيرها أمام الغرب ومن ثم سيدفع واشنطن إلى تقديم تنازلات لطهران مقابل التوقف عن التعاون العسكري مع روسيا في أوكرانيا.