حماس

إنسداد الآفاق .. وهذا هو الحل الوحيد لـ «حماس»

حماس تبحث عن المنقذ لها مما تمر به من مأزق سياسي عبر عدة صيغ مطروحة أمامها جرّبتها سابقاً كتشكيل جسم سياسي فلسطيني يظهر وكأنه ممثل للكل الفلسطيني.

شارف العدوان على غزة أن يطوي العام بالتمام والكمال وهي تتعرض على مدار الساعة لمجازر متتالية بلا توقف، تنهمر عليها الصواريخ بغزارة لم يسبق لها مثيل من الجو و البحر والبر، اجتياحات وتوغلات برية .. احتلال مناطق.

شهداء بعشرات الآلاف .. جرحى تجاوز عددهم ال 100 ألف .. تدمير شامل لكل مدن وقرى ومخيمات القطاع … نزوح وهجرة وفقدان للأمل وإحباط لم يسبق له مثيل … وخطة اسرائيلية ببعديها العسكري والسياسي لا يعلم معظم المحللين مداها .. لكن ملامحها بدأت تظهر في الأفق المنظور .. احتلال دائم باتباع نفس السياسة المتبعة بالضفّة الغربية.

تلك السياسة التي أطلقت عليها في مقال سابق (ضفضفة غزة)، احتلال مباشر، مواقع عسكرية ثابتة، يتم الانطلاق منها عند الحاجة الأمنية لدخول أي منطقة من مناطق القطاع.

هذا الواقع الجديد يفرض نفسه على مكونات العمل الوطني الفلسطيني، بالبحث عن الحل الممكن في ظل هذا الواقع المعقد ومآلات الحرب والعدوان السياسية على غزة للخروج من هذا المأزق و بأقل الأضرار، وبدون مكابرة سياسية.

جميعنا في مأزق كبير وأزمة محيّرة و الأكثر استشعاراً بهذا المأزق هي حركة حماس .. فالحرب عليها شعواء ورأسها بات مطلوباً للجميع عربياً ( رسمياً ) ودولياً بالمعنى السياسي والأمني .. دون التصريح بذلك علانيةً من البعض.

وهذا ما يجعل الضغط عليها أضعافاً مضاعفة، حتى بات ملحاً عليها البحث عن أية حلول تمكنها من الحفاظ على ديمومة حضورها السياسي في المشهد الفلسطيني وهو الأمر الذي لطالما كان يحاول الشهيد إسماعيل هنية التأكيد عليه في معظم خطاباته السياسية على مدار الأشهر التي سبقت استشهاده أن (لا يتوهّم أحد أن هنالك يوم تالي بدون حماس).

وهو الأمر الذي كان يعكس على الدوام خشية حماس من غيابها من المشهد السياسي الفلسطيني الذي لطالما كانت حجر الزاوية فيه، وأحد أعمدته الرئيسية منذ فوزها بالانتخابات التشريعية يناير / 2006، وتلميحه الدائم لتفادي هذا الغياب باستعداد حركة حماس للإنخراط في المنظومة السياسية الرسمية الفلسطينية ضمن برنامج الحد الأدنى الوطني المشترك المتماهي مع قرارات الشرعية الدولية .

كل ذلك يعكس مدى الأزمة السياسية التي تعيشها حركة حماس والبحث عن حلول سياسية إبداعية تبعدها عن عين العاصفة ومهب الريح الذي يحيق بها من كل حدب وصوب .

حماس تبحث عن المنقذ لها مما تمر به من مأزق سياسي عبر عدة صيغ مطروحة أمامها جرّبتها سابقاً كتشكيل جسم سياسي فلسطيني يظهر وكأنه ممثل للكل الفلسطيني ، فيظل هذا الخيار مبتوراً لاصطدامه الدائم بجدار شرعية التمثيل أمام المحيط العربي والدولي.

اقرأ أيضا| أبطال من ورق.. والضحية شعب بأكمله

هنا وبحكمة الحكيم لن تجد حماس من خيارات أمامها ولا ملاذاً إلاّ البيت الفلسطيني الجامع – منظمة التحرير الفلسطينية – التي لطالما كانت على الدوام غطاءً سياسياً للكل الوطني رغم تناقض أضداده السياسيين كأوركسترا متناغمة في بعض الأحيان وغير منسجمة أحايين كثيرة في الكثير من المحطات السياسية والمنعطفات الحادة التي مرت بها المنظمة على مدار مسيرتها الكفاحية، مع التأكيد الدائم من كل مكوناتها التنظيمية والسياسية بالحفاظ عليها وعدم المساس بقدسية تمثيلها للشعب الفلسطيني في شتى أماكن تواجده رغم ما يعتريها من ضعف و وهن، حتى وصل الأمر لتشبيهها بالثوب البالِ الذي يستر الجميع من أن يكونوا عراة .

تقف حماس بعد السابع من أكتوبر أمام تحديات جسام تفرض عليها التراجع خطوتين للوراء لتتقدم بعد ذلك خطوة للأمام، من خلال عدم فرض اشتراطاتها المعهودة على قيادة منظمة التحرير الفلسطينية وأخذها بعين الاعتبار تصنيفها بعد السابع من أكتوبر من معظم دول العالم كمنظمة ارهابية قد يمس انضوائها تحت لواء منظمة التحرير بهذا التصنيف بمكانة المنظمة وشرعيتها التمثيلية على الصعيدين العربي والدولي.

وهذا ما يفرض عليها ضرورة خلق حلولاً إبداعية كاللجوء لمسمى جديد وبرامج سياسية جديدة على غرار وثيقة الدوحة 2017 وإعادة تفعيلها من جديد بما ينسجم مع المرحلة السياسية المعاشة ، وهذا ما لمّح له قبل عدة شهور حليف حماس الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

هذا الأمر بطبيعة الحال سيؤسس لإشراك الكل الوطني في إطار اتفاق وطني فلسطيني جمعي للخروج من المأزق السياسي ونقل ملف قطاع غزة برمته لمنظمة التحرير تكن حماس جزءاً أصيلاً منه والتفاوض كجسم سياسي واحد مع المحتل، بمساعدة المنظومة العربية والدولية حول كافة القضايا المطروحة الآنية بدءاً من ملف الأسرى وانسحاب قوات الاحتلال من قطاع غزة وحتى الحل السياسي الآني حول الجهة التي ستحكم قطاع غزة بعد أن تضع الحرب أوزارها، والحل السياسي الاستراتيجي للقضية الفلسطينية برمتها في إطار المشروع الفلسطيني الساعي لحل الدولتين المدعوم دولياً .

إن وافقت حماس على هذا المقترح المنقذ ، فإنها تنقل المسؤولية السياسية والأخلاقية عما نتج من آثار عدوان فادحة الخسائر للكل الوطني ، وتلقي عن كاهلها العبيء الكبير من الضغوطات الداخلية و تلبية حاجات الناس الذين كانوا هم الضحايا الرئيسيين لهذا العدوان وحل مشاكلهم بالإيواء والإغاثة والإعمار، والتحرر من قيود الضغوط الخارجية التي تعاني منها على مدار شهور العدوان من ابتزاز مواقف وملاحقات واغتيالات وتصنيفات لها على قوائم الإرهاب.

يبقى أمر واحد يعتمد على استعدادية قيادة منظمة التحرير بقبولها الدخول لهذة المغامرة المحفوفة بالمخاطر والتطبيق الفوري لمخرجات لقاء بكين الأخير ومن قبله لقاءات العلمين والجزائر وبيروت وموسكو .. مع الأخذ بعين الاعتبار المقتضيات الضرورية التي تسمح لمنظمة التحرير الفلسطينية لحمل هذا الملف برمته ، وعدم تصدر حماس وحدها لحمل هذه الملفات الشائكة والعصيبة .

إن فعلت حماس ذلك قد يساهم هذا الأمر بإنقاذ ما يمكن إنقاذه مما تبقى منها ومن الوطن، وان فعلت قيادة منظمة التحرير ذلك، فإنها ستستثمر فرصة تاريخيّة للملمة التشرذم الفلسطيني بل ستكون أكثر قوة في مواجهة كافة مخططات الاحتلال للقضاء على ما تبقى من الوطن .

 

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى