تتوالى الهجمات تباعاً، بشكل منسق وضمن إطار ممنهج، على إقليم كوردستان. مجريات الأحداث بدأت منذ أن وضع الكورد ثقتهم في من أنيطت بهم مهمة حكم العراق الفيدرالي الجديد بحسب الشراكة (!) والتوازن (!) والتوافق (!)، ومن باب أن صديق الأمس لمواجهة العدو نفسه سيكون حليفنا اليوم لنمضي بالبناء وفق مبدأ الإنصاف وتوزيع الحقوق بشكل عادل.
تلك الدعوات الكوردية التي انطلقت من قيادة إقليم كوردستان، ومن قبل الزعيم مسعود بارزاني، لم تولد مع ولادة التشكيل الجديد للعراق الفيدرالي بحسب الدستور، بل سبقت ذلك بأعوام، وتحديداً عام 2002، حين عقد مؤتمر لندن للمعارضة العراقية الذي ثَبَت أسس التفاهمات لشراكة القادم المفترضة بعد حين.
السرد يطول في تتابع الأحداث بعد عام 2005، إلى حين تشكيل أول حكومة عراقية منتخبة وفق الدستور الديمقراطي والشراكة المفترضة أيضاً، ويبدو أنَّ الافتراض، مصطلحاً، يجيز شكلية الديمقراطية غير المطبقة تماماً والموجودة شكلاً.
تتابع الأحداث إلى بنود الدستور، ولا حديث عن المناطق المستقطعة من إقليم كوردستان، ومتاهة الإرهاب بعد أن اقتحم العراق تؤرق الجميع حتى موعد التحرير.
ومنها إلى الاستفتاء الكوردستاني، بعد أن عجز الآخرون عن القبول بمبدأ الشراكة، وراحت المركزية في القرار تعيد جذورها المتأصلة عند مقعد حكم السلطة في العراق القديم والجديد.
حصار يلي الاستفتاء في إقليم كوردستان، كمكافأة غير عادلة لما قدمه الكورد من تضحيات على مر التاريخ، ومشاركتهم في عمليات تحرير العراق الجديد من جهة واستقبال النازحين واللاجئين في الأخرى.
تُحاصر المطارات، وتُسد الطرقات، وتُوجه فوهات المدافع صوب أبناء الجبل… شريك نضال الأمس يتحول نداً!
يعود الكورد بعد الاستفتاء لطوي صفحة الامس بانتظار يوم التفاهمات المؤجل لتؤجله وتفسره وتحاصره قرارات أجازت لنفسها ان تلعب دور السلطات التشريعية والتنفيذية لا بل أجازت أن تكون الأمر الناهي في حكم العراق الديمقراطي الفيدرالي الجديد!
يتولى مسرور بارزاني الكابينة التاسعة لحكومة إقليم كوردستان عام 2019، ويفتح أبواب التفاهمات المغلقة مع بغداد… تقابل تلك الدعوات بحديث عن تقارب يجيز طرح الخلافات، يتبناها محمد شياع السوداني رئيس حكومة العراق الفيدرالي… يستمر الضغط الاقتصادي على شعب إقليم كوردستان، ولا حديث عن موازنات ورواتب الموظفين في كوردستان تدخل حيز التفاهمات السياسية! والحلول الترقيعية على شكل قروض تأتي أو لا تأتي بحسب الظروف.
تُوجه بعدها مدافع النيران لبيوتات المستثمرين الكورد. فبعد استهداف منزل الشيخ باز عام 2022، تعاود الذرائع حضورها عام 2024 باستهداف منزل المستثمر الكوردي الشهيد پيشرو وابنته الطفلة الشهيدة… لا تقف الأمور عند هذا الحد، لندخل ما بين الفترتين في حرائق تضرب عصب الاقتصاد مستهدفة أسواق أربيل!
تُقابل تلك الضغوطات بعزيمة كوردية تحول دون الاستسلام، وتستمر كابينة مسرور بارزاني التاسعة في إنجاز المشاريع وتعزيز البنى التحتية، فبعد إنشاء 18 سداً للحفاظ على المياه والزراعة لدعم الاقتصاد الداخلي، استمر العمل في بناء المساجد والكنائس ودور العبادة، وتم تطوير المستشفيات والشوارع في محافظات إقليم كوردستان ومدنها.
ما بين عدم رضوخ ولا انحناء لغير الله، والعزم على البناء، ومابين افتعال الأزمات من جهة وتضييق الحصار على إقليم كوردستان في الأخرى، تستمر التحديات ولا تتوقف الإنجازات أيضاً في إقليم كوردستان.