سلّطت زيارة الرئيس جو بايدن الأخيرة إلى أنغولا، وهي أول زيارة دولة يقوم بها رئيس أمريكي منذ تسع سنوات، الضوء على التزام الولايات المتحدة المتجدد تجاه إفريقيا. ولكنْ بينما يستعدّ دونالد ترامب لبدء فترة ولايته الثانية في منصبه، تُطرح أسئلة حول مستقبل العلاقات الأمريكية الإفريقية، واستدامة هذا الالتزام.
أكدت فترة ولاية ترامب الأولى في منصبه، بتركيزها على “أمريكا أولاً” وشؤونها الداخلية، على حاجة إفريقيا إلى إعادة تحديد إستراتيجياتها، لا سيما في ارتباطاتها الجيوسياسية والأمنية الرئيسية. وسيتأثر عدد من القضايا الثنائية والإقليمية والقارية الرئيسية بسياسات ولايته الثانية وأولويات دائرته الداخلية.
وتُتيح عودة ترامب للبلدان الإفريقية فرصة تطوير علاقات سياسية واقتصادية استباقية مع الولايات المتحدة وإستراتيجيات صامدة لتجنُّب الخضوع للسياسات الأمريكية المتغيرة.
ومن المُرجَّح أن تتغير العلاقات الثنائية الرئيسية، لا سيما بين الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا، مع معارضة الولايات المتحدة للتحرك الذي قامت به بريتوريا في محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل بشأن غزة، وعلاقاتها الوثيقة مع الصين وروسيا.
وسيكون موقف جنوب إفريقيا المحايد من الحرب الروسية الأوكرانية نقطة توتر في هذه الولاية الثانية. كما يرفض ترامب أيضًا الشراكة المتنامية بين جنوب إفريقيا والصين، والتي تضخَّمت بسبب جهود بكين لتحويل التجارة العالمية بعيدًا عن الولايات المتحدة، ومحاولة إلغاء الدولار من دول البريكس، وهي مبادرة انتقدها ترامب.
ضرورة إعادة إفريقيا تحديد إستراتيجياتها الجيوسياسية:
كما يمكن أن تؤثر الشخصيات البارزة في معسكر ترامب على العلاقات بين الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا. فقد أدان السيناتور ماركو روبيو، وهو وزير خارجية محتمل ومنتقد شديد للصين، قرار جنوب إفريقيا بخفض مستوى سفارة تايوان.
وشاركت إليز ستيفانيك، سفيرة ترامب المختارة لدى الأمم المتحدة، في عريضة تدين شكوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية، ووصفتها بأنها محاولة “لشيطنة” إسرائيل. وقد ترى مبادرة “مايكل والتز” لإعادة تقييم العلاقات بين الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا، التي رفضها بايدن في السابق، النور إذا ما تولى والتز منصب مستشار الأمن القومي الذي اقترحه ترامب.
وستستضيف جنوب إفريقيا -التي تقود مجموعة العشرين منذ 1 ديسمبر 2024م- قمة جوهانسبرغ في عام 2025م. وتواجه البلاد الآن تحديًا مزدوجًا؛ الحفاظ على حيادها والتعامل مع الانقسامات الجيوسياسية المتزايدة. ويجب أن تسعى إلى تحقيق توافق في الآراء بين أعضاء مجموعة العشرين ومجموعة البريكس الموسَّعة، بينما تتعامل مع الولايات المتحدة الأكثر انعزالية في عهد الرئيس ترامب.
ولدى بريتوريا فرصة لتسليط الضوء على الأولويات الإفريقية على الساحة العالمية، لا سيما مع الاتحاد الإفريقي (UA) ، الذي أصبح الآن عضوًا كامل العضوية في مجموعة العشرين. وستخلف الولايات المتحدة جنوب إفريقيا في الرئاسة، وقد يُمهّد هذا الانتقال الطريق لالتقاء سيريل رامافوزا وترامب، مما يتيح فرصة حاسمة للحوار وإعادة ضبط العلاقات.
في شرق إفريقيا، يمثل وضع كينيا الجديد كحليف رئيسي غير عضو في منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو) نقاط قوة تفاوضية لنيروبي في الفضاء الدولي. على الرغم من سياسة ترامب “أمريكا أولا” وآرائه السلبية حول حلف شمال الأطلسي، إلا أنه قد يُخفّف من نهجه من خلال تفضيل الشراكات الثنائية الإستراتيجية مع حلفاء من خارج “الناتو” مثل كينيا.
تطوَّر العلاقات الثنائية بين الولايات المتحدة وجنوب إفريقيا:
ومن المرجَّح أن تواصل الإدارة الأمريكية الجديدة علاقاتها الأمنية في شرق إفريقيا والقرن الإفريقي، مدفوعة إلى حد كبير بزيارة “روبيو” إلى كينيا والصومال في عام 2019م كجزء من مهمة إشرافية من الحزبين الجمهوري والديمقراطي للجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ.
وعلاوة على ذلك، وبالنظر إلى تراجع النفوذ الأمني الأمريكي في غرب إفريقيا، الناتج عن الانقلابات المتتالية وما تلاها من طرد القوات الأمريكية من النيجر، فإن الحفاظ على الشراكة الأمنية مع كينيا يجب أن يظل أولوية.
وبالنظر إلى بعثة الدعم الأمني متعددة الجنسيات التي تقودها كينيا في هايتي، فإن الالتزامات الثنائية بين الولايات المتحدة وكينيا يمكن أن تُعزّز التزام الولايات المتحدة بتمويل البعثة بما يزيد عن 300 مليون دولار. ولكنّ هذا يُمثّل تحديًا كبيرًا بالنظر إلى إحجام معسكر ترامب عن تمويل الأمم المتحدة، بما في ذلك عمليات حفظ السلام، على الرغم من أن الولايات المتحدة اقترحت قرار استبدال بعثة الدعم الأمني متعددة الجنسيات بقيادة كينيا ببعثة للأمم المتحدة.
إقرأ أيضا : هذا ما سيفعله ترامب في أول 100 ساعة من الرئاسة
ويفضل ترامب أن يتحمل الشركاء الإستراتيجيون مزيدًا من المسؤولية دون إنفاق الولايات المتحدة الكثير من الموارد، لذلك تحتاج كينيا إلى التماس الدعم خارج الولايات المتحدة.
وعلى الصعيد الإقليمي؛ قد يكون القرن الإفريقي أكثر المناطق إثارة للجدل؛ لا سيما أن وثيقة المقترحات المثيرة للجدل “مشروع 2025م”، التي أعدتها مؤسسة التراث التابعة لوزارة الخارجية الأمريكية، تتضمّن الاعتراف بأرض الصومال كحماية ضد النفوذ الصيني المتنامي في جيبوتي.
جدلية الاعتراف بأرض الصومال:
يتفق هذا الموقف مع موقف نائب وزير الخارجية السابق للشؤون الإفريقية، تيبور ناجي، الذي تولى منصبه خلال فترة ترامب الأولى، والذي دعا إلى الاعتراف بأرض الصومال. على الرغم من رفضه من قبل ترامب.
كما أن تصريحات وزير الدفاع البريطاني السابق غافن ويليامسون المتفائلة بشأن الاعتراف بأرض الصومال، بعد محادثات مع المسؤولين السياسيين في ترامب، تسير في الاتجاه نفسه.
وقد يُعقّد هذا الوضع علاقات الولايات المتحدة مع الصومال وإثيوبيا؛ لأنه سيزيد من حدة التوترات الناشئة حول اتفاق الوصول إلى البحر الأحمر الذي أبرمته إثيوبيا مع أرض الصومال، مما أثار استياء الصومال التي سعت إلى التحالف مع مصر وإريتريا للتصدي لهما. وسيتوقف نجاح جهود الوساطة التي يبذلها الاتحاد الإفريقي بين إثيوبيا والصومال على ما سيحدث بعد ذلك.
مقترحات إصلاح مجلس الأمن:
وعلى المستوى القاري، سيكون رد الولايات المتحدة على مقترحات إصلاح مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة مهمًّا بالنسبة لإفريقيا.
تقول السفيرة الحالية للأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد: إنها تؤيد حصول إفريقيا على مقعد دائم (ولكن بدون حق النقض) في مجلس الأمن. فهل ستواصل إدارة ترامب تحريك هذا الاتجاه؟
نظرًا لمحاولات ترامب وقف تمويل الأمم المتحدة خلال ولايته الأولى، وتفضيله للعلاقات الثنائية على العلاقات متعددة الأطراف، فمن غير المرجَّح أن تتكثف جهود إصلاح مجلس الأمن لصالح إفريقيا خلال ولايته الثانية. وعلى أيّ حال، يجب على الدول الإفريقية أن تتفق على تخصيص المقعدين المحددين في إجماع إزولويني.
كما تُشكّل مساهمة الولايات المتحدة في قرار مجلس الأمن رقم 2719، وهو آلية لتمويل عمليات دعم السلام التي يقودها الاتحاد الإفريقي، مجالاً بالغ الأهمية للعلاقات الأمريكية الإفريقية؛ حيث تُعتبر الولايات المتحدة أكبر مُساهم في أهداف الأمم المتحدة الإستراتيجية للأمن الغذائي؛ حيث تُساهم بنسبة 27% من ميزانية 2023-2024م، أو 6.1 مليار دولار. بعد بضعة أشهر من تولي ترامب منصبه، عملت الولايات المتحدة على خفض ميزانية حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بمقدار 600 مليون دولار، في حين كانت تهدف إلى خفض أولي قدره مليار دولار.
وحتى لو تم تأييد القرار، فإن منح التراخيص على أساس كل حالة على حدة يمكن أن يُشكّل تحديًا كبيرًا لإفريقيا. فعلى سبيل المثال، تثير مناقشات مجلس الأمن حول تنفيذ القرار 2719 في الصومال ردّ فِعْل سلبي من الولايات المتحدة.
وسوف يتوقف اهتمام ترامب بإفريقيا على التقارب بين الرهانات الأميركية والإفريقية، على الرغم من تنوعها، وعلى مدى استعداد واشنطن لمواجهة النفوذ المتنامي لروسيا والصين. وعلى كل حال، وبغضّ النظر عن المسار السياسي للولايات المتحدة؛ يجب أن تكون إفريقيا مستعدة.
بقلم: إيماكول أ لياغا و زينجي سيماكولويي