أفريقيا

إفريقيا منجم ثروات ومستودع ذخيرة

كلما تدهورت العلاقات بين القوى العظمى كلما زاد تنافسها على القارة الغنية بالموارد الطبيعية

منذ تنصيب المجالس العسكرية على خلفية الانقلابات التي شهدتها دول الساحل الأفريقي كان الروس متواجدين في أحسن رواق لملأ الفراغ بعد أن تم طرد للقوات الفرنسية والغربية تحت ضغط شعبي مرفوق ببروباغندا تعزف شعارات روسية الصنع، و بدأ الأمر بمالي، ثم بوركينا فاسو وانتقل مؤخرا الىً النيجر وأطلقت فاغنز تلك الشركة العسكرية الروسية سيئة السمعة صيغتها الأفريقية تحت مسمى “أفريكانسكي كوربوس” وكان من ضمن أنشطتها الرئيسية تقديم الحماية الأمنية الإنقلابيين الجدد من الثورة المضادة ومن الخطر التي تشكله المجموعات الجهادية التي لها ارتباطات خارجية.

تنشط مجموعة فاغنر حاليًا في ما يصل إلى اثنتي عشرة دولة أفريقية. ولكن في كثير من الأحيان فقط مع مجموعات صغيرة من المدربين. وهناك وحدات أكبر تضم عدة مئات من القوات في المقام الأول في جمهورية أفريقيا الوسطى وموزمبيق ومالي وليبيا و النيجر، وتستمر كذلك في تقديم خدماتها في غينيا الاستوائية وزيمبابوي والكونغو لضمان أمن المناجم أو الشركات الروسية، وتقوم المجموعات التابعة لفاغنر بتزويد الدول الأفريقية بمجموعة من المعدات العسكرية روسية الصنع كطائرات هليكوبتر هجومية أو طائرات بدون طيار أو أسلحة مضادة للدبابات، بالإضافة إلى التدريب على هذه المعدات الجديدة

الروس موجودون، لكنهم ليسوا وحدهم

على مدار السنوات الخمس عشرة الماضية اهتمت تركيا بتعزيز وجودها في أفريقيا، و ارتفع عدد السفارات التركية في القارة من 12 إلى 44، ورفعت رحلات الخطوط الجوية التركية من وتيرة رحلاتها نحو عواصم الدول الأفريقية حتى أصبح الوصول إلى إسطنبول من جميع العواصم الأفريقية ممكنا عبر رحلات مباشرة، وإلى جانب الإستثمارات في مشاريع للبنية التحتية كبيرة، تنشط العديد من الشركات التركية الصغيرة أيضًا في قطاعات متعددة وتنتشر المنتجات التركية من الأزياء إلى الأثاث في العديد من البلدان الأفريقية..

وتدخلت تركيا في الصراع الليبي ، حيث واجهت الجنرال خليفة حفتر في شرق البلاد بالنيابة عن الحكومة المدعومة من الأمم المتحدة في غرب البلاد، و لم تستخدم تركيا جنودها فحسب بل استأجرت مرتزقة من سوريا ينحذر الكثير من دوائر إسلامية متطرفة كانت قد استخدمتهم اثناء الحرب الأهلية السورية

وفي الصومال افتتحت تركيا”معسكر تركسوم” في سبتمبر 2017، وهو أكبر قاعدة عسكرية تركية خارج تركيا. وتقدر تكلفة بناء القاعدة بـ 50 مليون دولار وتبلغ مساحة المنشأة حوالي أربعة كيلومترات مربعة. والهدف منها تدريب ثلث القوات المسلحة الصومالية بالاضافة الى قوات النخبة.

بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقره بريطانيا انتشر ألف مقاتل من المرتزقة السوريين في النيجر تم تجنيدهم من المناطق الخاضعة للسيطرة التركية ومن الجماعات المسلحة السورية في شمال غرب سوريا، وقد تم استقدامهم من طرف شركة “سادات” العسكرية التركية الخاصة، ويتواجد هؤلاء المرتزقة في منطقة ليبتاكو-غورما، المعروفة أيضًا بمنطقة الحدود الثلاثية بين بوركينا فاسو ومالي والنيجر أين يلاحظ تنامي نشاط الجماعات المرتبطة بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية وتقوم مهمتهم على تأمين مشاريع بناء الطرق المسندة للشركات التركية و حراسة المناجم والمنشآت النفطية والقواعد العسكرية، وتشير التقارير إلى تورطهم في القتال ضد الجماعات الجهادية، مما أدى إلى سقوط ضحايا في صفوفهم.

منذ بداية عهد أردوغان الذي زار أكثر من 30 دولة افريقية، كان من المهم بالنسبة لتركيا إعادة بناء الإمبراطورية العثمانية خارج نطاق نفوذها التاريخي ومع ذلك لا تزال تركيا صغيرة نسبياً مقارنة باللاعبين الكبار في أفريقيا.

وتتخذ الصناعات العسكرية  التركية نهجا أكثر واقعية في أفريقيا وتتوسع بسرعة لسد الفجوات التي خلفها الأوروبيون وكان نموذج البيرقدار هو الأكثر مبيعًا منذ استخدامه في ليبيا عام 2019 واشترت مالي والنيجر وبوركينا فاسو المسيرات التركية ، مما ساعد الجيوش النظامية على تحقيق نجاحاته ضد الفصائل المتمردة.

و مثّل عام 2021 طفرة كبيرة في مبيعات الأسلحة التركية إلى أفريقيا، ووفقا لجمعية المصدرين الأتراك ارتفعت الصادرات العسكرية التركية نحو أفريقيا بنسبة 700 في المائة من 41 مليون دولار إلى 328 مليون دولار في الأشهر الـ 11 الأولى من العام.

الصين : تأمين المصالح الإقتصادية

حتى الآن، لا تمتلك الصين سوى قاعدة عسكرية أجنبية واحدة: في جيبوتي في القرن الأفريقي. ومع ذلك تعمل بكين باستمرار التحول الى عنصر فاعل في السياسة الأمنية في إفريقيا، وذلك من خلال توسيع قدراتها في مجال استعراض القوة العسكرية وبالإضافة إلى توفير المعدات للقوات المسلحة النظامية في عدة بلدان أفريقية، ارعى الصين برنامجا لتدريب الأفراد العسكريين الأفارقة على نطاق أوسع وتقوم بارسال قوات عسكرية للمشاركة في عمليات الأمم المتحدة مثلما حصل في مهمة مينوسما في منطقة الساحل.

لا تنتهج الصين مقاربة مشابهة لتلك التي يتخدها الروس والفرنسيون والأمريكيون في أفريقيا ولا تنغمس بشكل مباشر في عمليات قلب أنظمة الحكم و تحاول التأكيد دائما على أنها ترفض التدخل في السياسات الخارجية للدول لكن ومع وجود أزيد من 10 ألاف شركة و200 ألف موظف صيني فانها بحاجة الى دور شركات أمنية توفر الحماية اللازمة لمصالحها الإقتصادية في القارة.

بحسب مجلة Adf  المختصة في الشؤون الأفريقية تعمل الشركات الأمنية الصينية حالياً في 14 دولة إفريقية، وتتمركز في دول شرق وجنوب إفريقيا، وتنتشر شركات أخرى في جمهورية الكونغو الديمقراطية وليبيا ومالي. وبينما تفرض جنوب إفريقيا، قواعد صارمة لتنظيم أنشطتها تمنح بلدان أخرى، أمثال السودان وجنوب السودان، الصينيين قدراً أكبر من الحرية للتحرك فيها.

كلما تدهورت العلاقات بين القوى العظمى كلما زاد تنافسها على القارة الغنية بالموارد الطبيعية، وفي حين يكتفي القادة الأفارقة بالوقوف متفرجين على لعبة توسيع النفوذ تزداد مخاوف الشعوب الأفريقية من أن يتم توظيف النفوذ العسكري المتزايد في الصراعات السلطوية والعرقية لخدمة التنافس الإقتصادي، ومن هذا المنطلق يجب أن يؤخذ تنامي التواجد العسكري للشركات الأمنية والمرتزقة بعين الحذر خاصة وأنه ينذر بتحول أفريقيا الى مستودع ذخيرة في خدمة الأنظمة الاستبدادية التي ترفض الانتقال السلمي للسلطة و تعمل على مصالح الدول الخارجية على مصالح شعوبها .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى