أصدر الرئيس محمود عباس، إعلاناً دستورياً، قضى بموجبه، “أنه في حال شغور مركز رئيس السلطة الفلسطينية، يتولى مهامه رئيس المجلس الوطني الفلسطيني مؤقتاً لحين اجراء الانتخابات الرئاسية وفق قانون الانتخابات الفلسطيني”.
ابتداءً، يمكن القول، بإن الإعلانات الدستورية من أهم الأدوات الدستورية التي يتم استخدامها من قبل أي نظام سياسي، لتحديد مسار دستوري معين. وعادة ما يتم اللجوء لهذه الإعلانات لبناء كل أو جزء من أحكام النظام الدستوري في الظروف الاستثنائية. فلا يكون من خِيار لدى النظام السياسي سوى إصدار إعلان دستوري والعمل بمقتضاه لتخطي هذه الظروف. وفي هذا الصدد، يمكن تعريف الإعلان الدستوري بأنه وثيقة دستورية تتضمن رسم مسار دستوري لمسألة محددة يصدرها النظام السياسي القائم.
وتُعد هذه الوثيقة مؤقتة، وتنتهي بانتهاء الظروف الاستثنائية التي استوجبت اصدارها، بهدف الحفاظ على وحدة النظام السياسي واستقراره. وبذلك، فالإعلان الدستوري لا يُعتبر تعديلًا للدستور، لأنه مؤقتًا ومرهونًا بأسبابه، في حين تعديل الدستور يتصف بالديمومة ويصبح جزءً من الدستور الدائم.
إن الإعلان الدستوري الذي أصدره الرئيس محمود عباس، يُعتبر صحيحًا من الناحية الدستورية، ومبررًا كذلك من الناحية السياسية، فالرئيس الفلسطيني يملك حق إصدار الإعلانات الدستورية لأنه يمثل السلطة الوحيدة الموجودة المنتخبة من الشعب الفلسطيني، بعد أن تم حل المجلس التشريعي الفلسطيني بقرار قضائي من المحكمة الدستورية العليا في ديسمبر 2018.
ويجب قراءة مدى مشروعية الإعلان الدستوري لرئيس السلطة الوطنية الفلسطينية، ضمن قراءة تكاملية لنصوص القانون الأساسي للسلطة الوطنية الفلسطينية. فاختيار رئيس المجلس الوطني الفلسطيني للقيام بمهام رئيس السلطة في حالة شغور المركز، ليس أمرًا منفصلًا تمامًا عن القانون الأساسي (كما اعتقد البعض)، فقد نصت المادة (35) من القانون الأساسي على أن: “يؤدى الرئيس قبل مباشرة مهام منصبه اليمين التالية أمام المجلس التشريعي بحضور رئيس المجلس الوطني ورئيس المحكمة العليا..” وهذا مؤشر واضح على وجود دور دستوري لرئيس المجلس الوطني الفلسطيني في إتمام شرعية رئيس السلطة الفلسطينية عند أداء القسم بحضور رئيس المجلس الوطني الفلسطيني.
ثم أن مقدمة القانون الأساسي الفلسطيني، قد اعتبرت أن “القانون الأساسي ينطلق من حقيقة أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب العربي الفلسطيني”. ووفقًا لذلك، فإن المجلس الوطني الفلسطيني، يُعد هو الهيئة التمثيلية التشريعية العليا للشعب الفلسطيني، فاختيار رئيسه ليكون قائمًا بمهام رئيس السلطة الفلسطينية في حال الشغور، هو تبيان لحقيقة الارتباط العضوي بين السلطة الوطنية الفلسطينية، ومنظمة التحرير الفلسطينية، كارتباط الأصل بالفرع، فالمنظمة هي الأصل، والسلطة هي فرعًا أساسًا فيه.
اقرأ أيضا| لجنة إسناد أم تشكيل جديد يعمّق الانقسام؟
وعلى هذا، فالإعلان الدستوري للرئيس الفلسطيني، لم يضف عنصرًا جديدًا من خارج القانون الأساسي، بل هو مستمد من القانون الأساسي مما جعله ملائمًا ومتوافقًا معه بالضرورة، وفقًا لمنطوق المادة (35)، ومتسقًا مع مبادئ مقدمة القانون الأساسي الفلسطيني. كما إن الإعلان الدستوري للرئيس الفلسطيني، اقتصر فقط، على إنشاء معيار قانوني جديد ينطبق على تنظيم حدث مستقبلي متمثل بحالة الشغور في مركز الرئيس، وذلك لحماية التوقعات الراسخة، بشأن مستقبل وديمومة النظام السياسي الفلسطيني في ظروف شديدة التعقيد أشارت لها مقدمة الإعلان الدستوري.
علاوة على ذلك، فإن السوابق العُرفية في السياق الدستوري في كثير من دول العالم، تؤكد على ضرورة ملء الفراغ في المراكز الدستورية الأساسية التي لا ينتظم النظام السياسي إلاّ من خلالها، وذلك في حال لم تسعف النصوص الدستورية القائمة أو في حالة الظروف الاستثنائية، وهي ما تنطبق على الحالة في النظام السياسي الفلسطيني في الوضع الراهن.
فالدساتير لا تُقدم حلولًا لجميع مشاكل الحُكم، فتظهر قضايا خارج الدستور يمكن معالجتها بواسطة آليات تنظيمية أخرى خارج مجال النص الدستوري القائم، وذلك عبر اللجوء للإعلان الدستوري لسد الفجوة ومواجهة المخاطر الذي تواجه النظام السياسي، وهو ما قامت به القيادة الفلسطينية في إعلانها الدستوري. بوصفه مخرجًا ملائمًا لمواجهة مشكلة قد تطرأ في أي لحظة. كما إن الإعلان الدستوري، مؤقت لمواجهة مرحلة استثنائية، وينتهي العمل به بمجرد إجراء الانتخابات. وبالتالي، لا يتضمن الإعلان أي تغييرات في مبادئ الحكم الذي نص عليها القانون الأساسي الفلسطيني.