في وقت مضى، كان يُعتقد أنّ الصراع الإسرائيلي- الفلسطيني مجرد نزاع إقليمي محلي، لكننا نعرف الآن أن الأمر أعمق بكثير. العالم يشهد اليوم مذبحة، وتطهيرًا عرقيًا واحتلالًا، في ظل عجز المنظمات الدولية عن وقف إبادة جماعية تُرتكب بحق شعب، ومعظم ضحاياه من الأطفال.
تاريخ المنطقة مليء بالعنف وتبادل السيطرة، لكن الصراع تجاوز الآن حدود المنطقة، ليصبح ساحة معركة جيوسياسية أوسع، حيث باتت الروايات الإعلامية لا تقل أهمية عن الصواريخ.
خلف أعمال إسرائيل في غزة والضفة الغربية، وامتدادها إلى الأراضي المجاورة مثل لبنان وسوريا، تكمن آلة دعائية قوية تعيد صياغة العدوان على أنه دفاع عن النفس، والتوسع الإقليمي كضرورة أمنية، وهذه الآلة الدعائية تعززها وسائل الإعلام الغربية، وتؤدي هذه السيطرة على الروايات إلى حماية إسرائيل من المساءلة وتهميش المعاناة الإنسانية.
اقرأ أيضا.. المياه المنهوبة.. كيف أحكمت إسرائيل قبضتها على نهر اليرموك؟
في عالم يشكّل السرد فيه الحروب، أصبحت الدعاية الإعلامية واستخدام إسرائيل للتحكم في تأطير العنف واحدة من أقوى أسلحتها.
يُظهر الخطاب الإعلامي الغربي تحيزًا واضحًا في استخدام اللغة؛ فعند الحديث عن القتلى الإسرائيليين، يُستخدم الصوت النشط مثل “حماس تقتل إسرائيليين”، ما يعزز التعاطف مع الجانب الإسرائيلي
التأطير الإعلامي للعدوان
منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، قتلت الغارات الجوية الإسرائيلية أكثر من 45.000 فلسطيني، معظمهم من المدنيين، بمن في ذلك عائلات بأكملها تحت الأنقاض، ونتج عنها مستشفيات ومدارس مدمرة، وبنية تحتية منهارة، لكن التغطية الإعلامية الغربية تركز بشكل كبير على تصوير أفعال إسرائيل كدفاع ضروري.
في المقابل، تم تجاهل التساؤلات حول استخدام الطائرات الحربية المتقدمة والذخائر الموجهة بدقة في أكثر المناطق كثافة سكانية، وبدلًا من ذلك ركزت العناوين على عدد الصواريخ التي أطلقتها حماس، ما حول الانتباه عن الكارثة الإنسانية إلى نقاش أمني مجرد.
ازدواجية السرد الإعلامي
يُظهر الخطاب الإعلامي الغربي تحيزًا واضحًا في استخدام اللغة؛ فعند الحديث عن القتلى الإسرائيليين، يُستخدم الصوت النشط مثل “حماس تقتل إسرائيليين”، ما يعزز التعاطف مع الجانب الإسرائيلي، بينما عند الحديث عن القتلى الفلسطينيين، تُستخدم عبارات سلبية مثل: “الفلسطينيون لقوا حتفهم”، ما يزيل مسؤولية إسرائيل عن هذه الوفيات.
الكلمات لها وزن كبير، ووصف حماس بـ “منظمة إرهابية” يوفر مبررًا أخلاقيًّا لأعمال إسرائيل التي تشكل، وفق القانون الدولي، عقوبات جماعية
إستراتيجية “الهسبراه”
تستخدم إسرائيل إستراتيجية دعائية تُعرف بـ”هسبراه” (Hasbara)، وتعني التوضيح، وهي أسلوب يتضمن تشويه الأحداث وتحريف الحقائق بشكل دقيق. تعتمد هذه الإستراتيجية على وكالات حكومية وتحالفات إعلامية وحملات رقمية، تهدف إلى تبرير أفعال إسرائيل أخلاقيًا ودفاعيًا.
التأثير الإعلامي العالمي
عندما تتبنى وسائل الإعلام الغربية هذه الروايات بشكل غير نقدي، يصبح التحيز البنيوي واضحًا. الكلمات لها وزن كبير، ووصف حماس بـ “منظمة إرهابية” يوفر مبررًا أخلاقيًّا لأعمال إسرائيل التي تشكل، وفق القانون الدولي، عقوبات جماعية.
على النقيض، الإعلام العربي يركز على المعاناة الإنسانية في غزة، مثل الفقر المدقع الناتج عن الحصار المستمر منذ 17 عامًا، والذي يترك أكثر من 64% من السكان تحت خط الفقر.
هل يمكن للعدالة أن تتحقق وسط هذا التلاعب الإعلامي؟ وهل يمكن للحقائق المخفية أن تجد صوتًا أعلى من الروايات المصطنعة التي تقمعها؟
الدعاية والهيمنة الإقليمية
يمتد دور الدعاية إلى الطموحات الإقليمية الأوسع لإسرائيل، مثل الغارات على لبنان وسوريا. الإعلام الغربي يبرر هذه الغارات كإجراءات دفاعية، بينما يتجاهل الضحايا المدنيين والبنية التحتية المدمرة.
المعركة الحقيقية ليست فقط في الأراضي المحتلة أو الغارات الجوية، ولكن أيضًا في السيطرة على الإدراك. يتم انتقاء اللغة بعناية، وتشكيل الواقع، وفرض السرديات التي تقرر شروط السلام والصراع.
السؤال الذي يبقى هو: هل يمكن للعدالة أن تتحقق وسط هذا التلاعب الإعلامي؟ وهل يمكن للحقائق المخفية أن تجد صوتًا أعلى من الروايات المصطنعة التي تقمعها؟