خلال ظهور نائب مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى ومسؤول الملف السوري، ايثان غولدريتش، أثناء لقاء تلفزيوني في واشنطن قبل أيام قليلة، أصر على مشاركة مجلس سوريا الديمقراطية في العملية السياسية لحل الأزمة السورية، وهو أمر بلا شك في غاية الأهمية.
فمنذ اندلاع الثورة السورية، يستمر الواقع المأساوي للسوريين منذ ثلاثة عشر عاماً ومطالبتهم بحرية الشعب السوري، الأمر الذي نتج عنه معارضات عديدة ما لبثت أن تحولت إلى فصائل مسلحة، وبالتالي ظهرت ملامح عسكرة للثورة ورافق ذلك تعقد في المشهد السياسي وتطورات أمنية ومشاكل اقتصادية وحقوقية.
وإلى جانب ذلك ايضا برز وجود تدخل من عدة جيوش أجنبية وميليشيات مسلحة، وبالتزامن مع هذه التغيرات الميدانية جرى ايضا احتلال أجزاء من الجغرافية السورية بما في ذلك احتلال الشمال السوري من قبل تركيا، كما هو حال مدينة عفرين وجرابلس وادلب والباب وتم تنصيب والي تركي عليها، يضاف الى ذلك الانتهاكات التركية في منطقة شرق الفرات نتيجة للعمليات البرية مثل نبع السلام، وجميع هذه التطورات المتسارعة تنذر بواقع تقسيم الدولة السورية وفق النفوذ المناطقي لكل قوة عسكرية.
في ظل هذه الاجواء المشحونة والمتأزمة أشار المبعوث الأممي الخاص بشأن التسوية في سوريا، غير بيدرسون، بشعوره العميق بالقلق نتيجة لعدم حدوث اي تقدم ملموس في الملف السوري على مدى سنوات الأزمة، واليوم وبعد هذه العقود الزمنية على الملف السوري فان هناك قضايا أخرى مهمة مثل ملف المعتقلين والمهجرين والمحتجزين والمفقودين، ناهيك عن استمرار الثورة وخروج المتظاهرين في ادلب والسويداء مطالبين بضرورة تحقيق مطالبهم.
وبالرغم من انعقاد المؤتمرات واللقاءات الخارجية هنا وهناك مثل مسار استانا واللجنة الرباعية وجنيف واللجنة الدستورية، إلا أنه ولغاية اليوم لم يتم تحقيق نجاح في صياغة واعتماد دستور للدولة السورية، وهذا الواقع ينطبق أيضاً على مباحثات المبادرات العربية ومنها مبادرة خطوة مقابل خطوة في الاجتماع الخماسي في الاردن، والتي لم تطبق أيضاً.
ان كل اللقاءات والمبادرات والمؤتمرات لحل الازمة السورية استثنت مجلس سوريا الديمقراطية.
إذ أن تركيبة قوات سوريا الديمقراطية لها خصوصيتها ورمزيتها الوطنية، حيث تشكّلت بعد احتلال “داعش” لشرق سوريا وإعلانها ما يسمى “عاصمة الخلافة الإسلامية” في مدينة الرقة، وهذه القوات تتميز بهويتها الجامعة والممثلة لكافة المكونات من العشائر العربية والأكراد والسريان والأرمن والتركمان، وهي في حقيقتها مكونات لشعوب وأهالي المنطقة التي حررت الرقة من “داعش” حيث حظيت قوات سوريا الديمقراطية بدعم من التحالف الدولي ، ولديها اليوم برنامج إدارة ذاتية يتطلع لإيجاد حلٍّ سياسي سوري بين مكونات الشعب السوري وليس حلٌّ يستند لقراراتٍ تتخذها مؤتمرات خارجية، بل حل سياسي يتضمن حكم ديمقراطي لا مركزي تعددي لسوريا موحدة بكامل أراضيها.
وللأسف فان المبادرات السابقة لم تنجح لأنها استثنت مكون اساسي من الداخل السوري والذي يسيطر على 30% من مساحة الاراضي السورية الغنية بالثروات المتعددة مثل النفط والغاز كما تضم عصب الأراضي الزراعية، والأهم تشمل جميع الاطياف والمكونات الاثنية العرقية السورية، اضافة الى كل هذا فان ما يميز مسد ان لها مشروع سياسي مميز ومتطور لحل الازمة السورية خصوصاً بعد فشل الحلول العسكرية على مدى ثلاثة عشر عاماً من الأزمة السورية.
وبالتالي لم ولن يكون هناك حل سياسي دون اشراك مسد الممثل السياسي لقوات سوريا الديمقراطية قسد.
مؤخراً عبرت الادارة الامريكية عن هذا الاتجاه السياسي المهم لحل الازمة في سوريا، حيث صرحت الادارة الامريكية الى ضرورة اشراك مناطق الادارة الذاتية الموجودة في شرق الفرات الواقعة تحت سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، والتي أصبحت اليوم في المعادلة السياسية السورية رقماً صعباً، ولا يمكن بأي حال من الأحوال تجاوزها خاصة انها عملت وعلى مدى الازمة السورية في مسارات مختلفة، من بينها مسار ستوكهولم برئاسة دولية دون أن يكون رسمياً، كما يوجد لها مكتب ممثلية في العاصمة الامريكية.
حيث تجري في مكتب الممثلية لقاءات دائمة بين مسد و الخارجية الامريكية ولقاءات مع البرلمان الاوروبي ودبلوماسيين فرنسيين وبريطانيين، بما في ذلك مناقشة برنامج مسد القائم على احترام التعددية وضمان المساواة و كفالة حقوق المرأة خاصة الجوانب المتصلة بمشاركتها المتساوية مع الرجل في المجلس، إلى جانب حقوقها السياسية والأخرى المتعلقة بالميراث، كذلك ينص برنامج مسد قضايا تتعلق بحرية المعتقد والقوانين الديمقراطية وتحديداً العقد الاجتماعي، وعلى سلم اولوياته ضمان عدم طمس المحتوى أو المكون الطائفي لمجموعة الاثنيات والقوميات الموجودة وهم الأكراد والعرب والسريان الأشوريين والأرمن والتركمان والشركس والشيشان والمسلمين والازيديين، وهناك مجلس الشعوب الديمقراطي الذي يمثل كافة الشعوب القاطنة في ظل الادارة الذاتية الديمقراطية .
ومن الأمور المهمة هو تغيير اسم (روج آفا) التي تعني غرب كردستان إلى اقليم شمال وشرق سوريا، أي انها تقسيم إداري إلى عدة أقاليم، بمعنى نظام لا مركزي يكون فيه كل اقليم متصل مع المركز (العاصمة دمشق)، بهدف إنشاء سوريا موحدة لا مركزية تعددية، كذلك يقوم العقد الاجتماعي على اعتبار اللغة العربية والسريانية والكردية لغة للدولة السورية يتم تعليمها وتدريسها في المدارس والجامعات.
وبالتالي يمكن القول أن هذا العقد الاجتماعي من شأنه بالتأكيد النجاح في مواجهة نفوذ الدول التي تطمع في احتلال سوريا وتقسيمها، الامر الذي جاء دافعاً قوياً لما يتردد اليوم من الدعوات الأمريكية والأوروبية لإشراك مسد في العملية السياسية لحل الازمة السورية، والعمل على تحقيق خارطة سياسية تكون منسجمة مع كل التوقعات والمقترحات الدولية خاصة القرارات الأممية وفي مقدمتها القرار (2254)، باعتبار كل هذا سبيل لحل هذه الازمة المعقدة والتي سيكون لمجلس سوريا الديمقراطية أهمية بالغة واساسية في حلها المستقبلي لضمان وحدتها الديمقراطية الآمنة والسالمة، وعدم الوقوع في خطر تقسيمها .
وهنا يبرز أمر مهم في سياق الحل للازمة السورية وهو ضرورة اشراك كامل الاطراف الفاعلة على الارض السورية والمعنية في نفس الوقت بالملف السوري، ليكون في النهاية الحل الاسلم وهو حل سوري داخلي أي من داخل الوطن السوري نفسه، هذه الشراكة الوطنية السورية يجب أن تكون بعيدة عن الاقصاء فلا يستثنى أحد من المباحثات الجديدة، واذا ما تحققت هذه الأرضية السياسية فإنها ستكون مواتية تماماً لحدوث انفراجة بمحادثات اولية بين جميع الفاعلين في الملف السوري سوف تؤدي حتماً الى تسوية شاملة تضم جميع المسارات دون تفرد طرف على غيره، وهذا النهج السياسي اذا تحقق فسيكون من شأنه تحقيق كافة تطلعات وطموحات الشعب السوري، وبالتالي فان مشاركة الجميع دون استثناء وتنفيذ قرارات الامم المتحدة ذات العلاقة بالازمة السورية واشراك الجميع بما فيها مناطق الادارة الذاتية ومجلس سوريا الديمقراطية، سينتج عنه حل عملي للأزمة السورية، وفق قاعدة واستحقاق سياسي هو سوريا جديدة موحدة لامركزية تعددية ديمقراطية.