إسقاط صدام.. وفشل سيناريو «انقلاب القصر»
مع اقتراب الذكرى الـ 21 لحرب لسقوط العراق، تلقي الوثائق والمحاضر الرسمية الضوء على المراحل الأخيرة لقرار الرئيس جورج بوش إسقاط صدام بعد فشل سيناريو “انقلاب القصر” و”ركض” رئيس “الاتحاد الوطني الكردي” جلال طالباني إلى دمشق لإبلاغها قرار “وكالة الاستخبارات المركزية” (سي آي أي) السري بـ”التخلص من صدام” قبل سنة من غزو العراق في 2003، إضافة إلى محضر لقاء الرئيس جو بايدن (عندما كان قيادياً في الكونغرس نهاية 2002) مع الأسد عشية الغزو وقوله “إذا لم نسقط صدام، سيمتلك سلاحاً نووياً”.
كما تكشف في هذه الحلقات نصوص الاتفاقات السرية بين “المرشد” الإيراني علي خامنئي والرئيس السوري بشار الأسد لإفشال الأميركيين عبر “العمليات الانتحارية” وتحويل العراق إلى “فيتنام جديدة”، وقول رئيس “مجمع تشخيص مصلحة النظام” الإيراني هاشمي رفسنجاني لمسؤول سوري في اجتماع رسمي مغلق إن “كل جريح أو قتيل أميركي في العراق، هو قنبلة في أميركا”. إضافة إلى قائمة مطالب “الاستسلام”، التي سلمها باول للأسد في دمشق بعد سقوط صدام، وحث إيران للرئيس السوري على “عدم الخوف” من أميركا، وقول خامنئي إن بشار الأسد “حافظ الأسد شاباً”.
وتيرة التطبيع
خلال النصف الثاني من التسعينيات سرع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد من وتيرة التطبيع مع الرئيس العراقي صدام حسين، وجرى تبادل كثير من الرسائل السرية وفتح الحدود وتطوير العلاقات التجارية وتبادل النفط، فيما عرف وقتذاك بــ”حملة كسر الحصار” عن العراق.
كان هذا بعد سنوات من القطيعة وتبادل الاتهامات والمؤامرات ومحاولات التقارب، بما فيها فشل لقاء سري رعاه العاهل الأردني الراحل الملك حسين عام 1987 على رغم وقوف الأسد ضد صدام في الحرب الإيرانية – العراقية.
طوال هذه المسيرة القلقة بين جناحي حزب “البعث” الحاكم في دمشق وبغداد، تمسك الأسد بعلاقته مع طهران منذ انتصار “الثورة” فيها عام 1979 بما في ذلك الوقوف إلى جانبها في الحرب ضد العراق بين 1980 و1988 من جهة، وإلى جانب فصائل المعارضة العراقية التي تريد إسقاط نظام صدام حسين من جهة ثانية، ودول عربية متخاصمة مع إيران، خصوصاً وقوفه (الأسد) مع التحالف الدولي لإخراج قوات صدام من الكويت عام 1991 من جهة ثالثة.
قادة المعارضة
إلى حد كبير، استمر هذا الخط مع تسلم الرئيس بشار الأسد السلطة بعد وفاة والده في يونيو (حزيران) 2000، بالتوازي مع محاولات كثيرة للانفتاح على أميركا ودول غربية. وفي خضم انشغال دمشق بالانتقال الرئاسي، واصلت سوريا اتصالاتها مع قادة المعارضة العراقية التي كانت تريد تغيير نظام صدام، وخاب ظنها بعد حرب تحرير الكويت عام 1991 وعدم حصول هذه المعارضة على الدعم الكامل من الأميركيين، بل وتعرضها لخيانات أميركية في الجنوب والشمال، والاكتفاء بـ”الحصار” والحظر الجوي في الشمال.
في السياق، تكشف الوثائق الرسمية السورية عن كثير من الأسرار والمواقف لما كان يجري في الغرف المغلقة ضمن التحضير الأميركي والإقليمي لغزو العراق في 2003.
تتضمن الوثائق محاضر اجتماعات واتصالات بين مسؤولين سوريين ومعارضين عراقيين ومسؤولين عرب وإقليميين، نقلها نائب الرئيس السوري عبدالحليم خدام، إلى باريس قبل انشقاقه عام 2005.
التدخل الأميركي
اللافت هنا أن خدام الذي كان يعارض التدخل الأميركي في العراق عام 2003 ولم يكن مقتنعاً كثيراً به، عندما سمع من عراقيين عن قرار الرئيس الأميركي جورج بوش الحاسم بـ”إزاحة صدام”، كان هو نفسه أكثر المتحمسين للتدخل في سوريا، بعد انشقاقه عام 2005، عقب اغتيال رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري، وبدء الاحتجاجات والأزمة والحرب السورية في 2011.
كما تكشف هذه المحاضر والوثائق، التي تنشرها “المجلة” تباعاً، عن الخطوط المفتوحة التي تركتها دمشق مع خصومها وحلفائها المتحاربين، على رغم تصاعد العلاقة السياسية والاقتصادية مع بغداد- صدام.
من الأمور اللافتة في الوثائق والمحاضر أن أميركا أبلغت المعارضة العراقية قبل أحداث الـ11 من سبتمبر (أيلول) 2001 نيتها “تغيير النظام”، لكنها كانت تراهن على “انقلاب في قصر صدام” جراء الضغط الاقتصادي الداخلي والحصار.
إزاحة صدام
وبعد أحداث الـ11 من سبتمبر وحرب أميركا في أفغانستان انتقلت واشنطن إلى مرحلة جديدة، حين اتخذت إدارة الرئيس جورج بوش قراراً بـ”إزاحة صدام”، غير أنها لم تحدد في البداية الوسيلة، فقد بعثت واشنطن وفداً بشكل سري إلى كردستان العراق في فبراير (شباط) 2002 ثم استدعت رئيس “الاتحاد الوطني الكردي” جلال طالباني، ورئيس “الحزب الديمقراطي الكردي” مسعود بارزاني، في منتصف أبريل لإبلاغهما بقرارها والبحث معهما في كيفية تنفيذ الخطة الأميركية لإطاحة صدام.
وعلى عكس ما كان يعتقد، فإن طالباني أول من أبلغ دمشق نية واشنطن تغيير صدام، إذ “ركض” إلى العاصمة السورية لإبلاغ القيادة فيها بتفاصيل الزيارة السرية للوفد الأمني الأميركي إلى كردستان، وذلك قبل فترة طويلة من منافسه في الإقليم، زعيم “الحزب الديمقراطي الكردي” مسعود بارزاني.
المعارضة العراقية
اللافت هنا، أنه خلال المحادثات مع المعارضة العراقية ودول عدة، نجحت إيران في تمرير فكرة أساسية عبر قادة المعارضة العراقية الذين هم مقتنعون بالأساس بها، وهي عدم قبول سيناريو “كرزاي العراق”، في إشارة إلى احتمال العمل على استبدال قائد عسكري بصدام حسين يحل محله كما حصل عند “تعيين” حميد كرزاي في أفغانستان بعد إسقاط “طالبان”.
وقتذاك، جرى الحديث عن الفريق نزار الخزرجي، قائد الأركان العراقي السابق الذي كان موجوداً في المنفى، وترددت معلومات عن علاقته بـ”وكالة الاستخبارات المركزية” الأميركية، أو شخصيات قيادية أخرى داخل العراق.
بدء الغزو البري
وفي فجر الـ20 من مارس، أعلن بوش بدء الغزو البري، بهدف تنفيذ “مهمة واضحة”، هي “نزع أسلحة الدمار الشامل في العراق، وإنهاء دعم صدام حسين للإرهاب، وتحرير الشعب العراقي”.
وزعمت إدارة بوش حدوث انتهاك مادي لقرار مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الرقم 1441، الذي أعطى العراق فرصة أخيرة أواخر عام 2002 لنزع سلاحه، بناءً على نتائج إخراج قوات صدام من الكويت عام 1991.
الذريعة العلنية التي بدأت الحرب بسببها كانت أسلحة الدمار الشامل وعلاقة صدام بتنظيم “القاعدة” بعد أحداث الـ11 من سبتمبر.
في سبتمبر 2002 نشر رئيس الوزراء البريطاني الأسبق توني بلير ملفاً قال فيه إنه “أثبت بما لا يدع مجالاً للشك” أن العراق استمر في إنتاج أسلحة كيماوية وبيولوجية.
لكن سرعان ما تلاشت مبررات بوش وبلير أمام الوقائع، إذ إن الرئيس الأميركي نفسه أعلن نهاية 2003 نفي علاقة صدام بتنظيم “القاعدة”، فيما أفادت تقارير استخباراتية غربية بعدم وجود أسلحة دمار شامل.