لا تفوت حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من اليمين المتطرف والأكثر تطرفا إمكانية الاستفادة من «فرص» التطور في الإقليم، وترى في المخاطر والتهديدات، التي تواجه دول الجوار مساحة للحراك والتوسع باسم حماية الأمن، سواء أكان أمن الدولة أو أمن المستوطنات.
ظهر حديث «الفرصة» بشكل واضح بعد «طوفان الأقصى» في وقت وجد اليمين المتطرف والأكثر تطرفا في حكومة نتنياهو السادسة أنها «فرصة» من أجل إعادة احتلال قطاع غزة أو إعادة الاستيطان، باعتبار «الاستيطان طريق الأمن»، كما يقول وزراء مثل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريش. «فرصة» تتجاوز قطاع غزة وجوهر «خطة الجنرالات»، التي تطبق في شمال القطاع بشكل أو آخر، بعيدا عن الإعلان الرسمي عبر سياسات التجويع وجهود دفع السكان جنوبا، إلى الضفة الغربية والقدس الشرقية حيث الاستيطان، واعتداءات المستوطنين على القرى والمدن الفلسطينية، واقتحامات المسجد الأقصى ومحاولات تغيير الوضع التاريخي القائم، فيما يخصه وغيره من المقدسات الإسلامية، بهدف تنفيذ خطة الحسم وتصفية القضية.
ولا تتوقف جهود تحقيق الهدف النهائي الساعي إلى تصفية القضية عند حدود سياسة التجويع والتدمير المستمر، الذي يحول القطاع أو أجزاء كبيرة منه إلى مناطق غير صالحة للسكن، سواء بصفة عامة أو لفترات طويلة من شأنها إعاقة العودة إلى واقع ما قبل السابع من أكتوبر 2023، بما فيه حدود القطاع ووضع القوات الإسرائيلية، ولكنها تمتد إلى حديث التهجير، الذي لا يغيب عن المشهد عبر الدعوات المستمرة لتهجير أكبر عدد من سكان القطاع، والحفاظ على أقلية لا تعيق فكرة احتلاله والحفاظ على فكرة الدولة اليهودية.
في هذا السياق جاءت تصريحات بن غفير حول الاستفادة من فترة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، من أجل دعم خطة التهجير، وخطاب سموتريتش عن جعل عام 2025 عام ضم الضفة الغربية، والبدء في خطوات ذلك عبر حديث إغلاق «الإدارة المدنية» والعودة إلى صيغة الاحتلال المباشر، بكل ما له من انعكاسات على مستقبل الدولة الفلسطينية التي ترفضها حكومة نتنياهو، وتؤكد ضرورة إعاقة جهود التوصل لها بوصفها، وفقا لهم، عامل تهديد لدولة إسرائيل ومكافأة للإرهاب.
بدوره امتد حديث «الفرصة» إلى لبنان، وشهدنا عبر أشهر الحرب فيها كيف أصدرت تل أبيب أوامر إخلاء تجاوزت ربع مساحة لبنان، بعد أن وصلت في حالة غزة إلى 85% تقريبا، وفقا لبيانات الأمم المتحدة. وكما وجدت تل أبيب في حرب غزة الخامسة (2023) فرصة للسيطرة على المزيد من أراضي القطاع بهدف توسيع المنطقة العازلة، وجدت في حرب لبنان «فرصة» للحديث عن إقامة منطقة عازلة داخل الأراضي اللبنانية، من خلال أوامر الإخلاء والتحذيرات التي تشير إلى استهداف القرى والمدن التي تحتوي، وفقا للخطاب الإسرائيلي، على أسلحة ومقار تخص حزب الله، أو يمكن استخدامها في تهديد أمن إسرائيل ومستوطناتها.
اقرأ أيضا| عدوان إسرائيل على سوريا: استراتيجية المنع ونشر الرعب
وفي حين دفع العديد من العوامل إلى الموافقة على وقف إطلاق النار في لبنان، خاصة ما يتعلق بموقف ترامب منها ومطالبته بالتعامل معها، وغيرها من الأزمات الإقليمية، قبل تنصيبه رسميا في 20 يناير 2025، فقد طالب العديد من الأصوات مختلفة الولاءات السياسية في تل أبيب بالاستفادة من «فرصة» إضعاف حزب الله، خاصة بعد اغتيال أمينه العام حسن نصر الله والعديد من قياداته وعناصره، للقضاء الكامل عليه والسيطرة على المزيد من المناطق في جنوب لبنان، باعتبار أن وقف الحرب دون تحقيق تلك الأهداف، يحد من المكاسب الإسرائيلية ويضيع «فرصة» قد لا تتكرر من أجل القضاء على تهديد حزب الله مرة واحدة وإلى الأبد.
من غزة ولبنان عاد حديث وفعل «الفرصة» إلى سوريا وجبل الشيخ والجولان ومخازن الأسلحة والأسطول السوري وكل صور الانتهاكات التي تتم باسم الأمن، ومن خلال الحديث عن إبلاغ واشنطن بشكل مسبق، ودون انتقادات غربية مؤثرة على تلك التحركات والمخاطر التي يمكن ان تؤدي إليها، سواء على صعيد التطورات في الداخل السوري، أو في المشهد الإقليمي. تحركات تتناسب بدورها مع تعامل الغرب مع «أمن» تل أبيب، بوصفه «مبررا» للاعتداء والتهديد والتدخل في الشؤون الداخلية للآخرين دون محاسبة، بالإضافة إلى ضمان إسرائيل أنه عندما يأتي الوقت للمحاسبة.
كما حدث في مذكرات المحكمة الجنائية الدولية الخاصة باعتقال نتنياهو ووزير الدفاع الأسبق يوآف غالانت، ستأتي واشنطن وبعض الدول الغربية لترفض وتهدد، لأن الدول «الديمقراطية»، كما يقال من بعض سياسييها، لا يفترض أن تتهم بانتهاك حقوق الإنسان وارتكاب جرائم حرب، أو جرائم الإبادة الجماعية. ظهرت الفرصة سريعا في حالة سوريا بعد جهود تأسيس المخاطر والتهديدات، التي تم التعبير عنها عبر اجتماعات المجلس الوزاري المصغر بشكل يومي، خلال التطورات الحاسمة قبل سقوط بشار الأسد بهدف مناقشة التطورات في سوريا، وانعكاساتها على تل أبيب، وتأجيل اجتماعات المجلس الوزاري، الذي كان يفترض أن يناقش صفقة التبادل والتهدئة في غزة، بالإضافة إلى إعلان نتنياهو انهيار اتفاق «فض الاشتباك» لعام 1974، وزيادة القوات على الحدود مع سوريا وفي الجولان السوري المحتل، واحتلال منطقة جبل الشيخ والاستيلاء على المنطقة العازلة على الحدود، بهدف ضمان أمن المستوطنات.
كما أعلن وكما حدث في غزة ولبنان بصور مختلفة، تم نشر تهديدات من المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي، بحظر التجوال في عدد من بلدات الجنوب السوري، وشنت تل أبيب أكثر من 350 غارة على عدد من المواقع السورية بوصفها مقار عسكرية أو مخازن أسلحة، تخشى من سيطرة عناصر معادية عليها، معلنة تدمير ما يصل إلى 80% من القدرات العسكرية السورية، كما أعلن رئيس الأركان أن سوريا تمثل ساحة القتال الرابعة بالإضافة إلى غزة والضفة ولبنان. بدوره حرص نتنياهو على تأكيد أن سقوط الأسد «يخلق فرصة جديدة ومهمة» لإسرائيل، حتى إن كانت فرصة مصحوبة «بمخاطر كبيرة»، وهي المخاطر التي وظفها أعضاء في الحكومة لانتقاد محاكمته في وضع يتطلب التفرغ لمتابعته، ولتعظيم الخلاف مع المستشارة القضائية للحكومة غالي بهاراف ميارا، في ظل محاولة عزلها ضمن جهود الائتلاف للخلاص من عدد من الشخصيات بداية من غالانت.
تحركات تسعى كما يتضح، إلى تغيير التوازنات القائمة سواء ما يخص الحدود والانتشار الإسرائيلي من جانب، أو السيطرة على الأراضي وتوسيع فرص الوجود على الحدود وتدمير ما يمكن من أسلحة سورية من جانب آخر، بهدف معلن هو التحسب من العناصر التي يمكن ان تسيطر في سوريا وإمكانية استهداف الوجود الإسرائيلي في الجولان المحتل، أو تهديد أمن تل أبيب بشكل مباشر أو غير مباشر، وهدف أعمق هو توظيف تلك الأوضاع في خدمة نتنياهو و»النظام الجديد» الذي تحدث عنه بعد اغتيال نصر الله.
في النهاية، يمكن القول إن إسرائيل توظف كل ما يحيط بدول الجوار من تحديات ومخاطر من أجل المزيد من المناطق العازلة والجدر الواقية ومحاولات دفع السكان خارج المناطق الحدودية، بهدف كبير يمثل مظلة للتحرك الرسمي وهو حماية الأمن وفقا لفكرة الدولة المحاصرة، التي اكتسبت المزيد من الزخم، مع تبني العديد من الدول الغربية للسردية الإسرائيلية حول حرب غزة، وتمرير سياسات التجويع والإبادة الجماعية بوصفها ضرورة لحماية أمن تل أبيب. واقع سمح بالتوسع الإسرائيلي في تلك السياسات بصور مختلفة من غزة إلى لبنان، ومن لبنان إلى سوريا بكل ما تحمله تلك السياسات والتحركات من مخاطر وتهديدات إضافية على أوضاع غير مستقرة وقابلة للاشتعال بشكل يتجاوز حدود كل طرف وتعقيداته إلى الإقليم وساحاته.