لعبة المصالح المشتركة بين نتنياهو وحماس أنهت أحلام حماس في المشهد السياسي لليوم التالي في غزة، وأضعفت نتنياهو في الشارع الإسرائيلي رغم كل محاولات الإنعاش التي بُنيت على مفهومي الردع والأمن، فاستعراض الردع كانت صورته في إطلاق العنان للقوة باتجاه المدنيين الذين أحدثت خسائرهم الفادحة نقطة تحول في السياسة الدولية تجاه إسرائيل، بينما دبلوماسية الأمن لم تفلح في ترميم ما أفسدته لغة القوة المفرطة وهو ما وضع أمريكا الحليف التاريخي لإسرائيل في موضع صعب، أجبر فيه ترامب نتنياهو بتوقيع الهدنة، ما يترك إشارة مهمة، فهل التغيير القسري قادم في إسرائيل وبمؤثرات خارجية؟
وهل هو تغيير يمكن أن يحد من اندفاع نتنياهو المستمر في البحث عن أسباب اشتباك للهروب من الاستحقاقات السياسية، وذلك من محاولات تأخير الانسحاب من جنوب لبنان، إلى تجاوز خط الهدنة في الجولان في سوريا إلى اجتياح جنين، في الوقت الذي كانت فيه السلطة الفلسطينية تقوم بعملها ضد السلاح المنفلت، والذي تحمل السلطة الفلسطينية إسرائيل المسؤولية عن دخوله إلى الضفة وفقاً لقواعد الأمن المتعارف بها دولياً، لأن الأراضي التي تسيطر عليها السلطة مطوقة من كافة الأماكن بالجيش الإسرائيلي، وبالتالي فالاجتياحات الإسرائيلية في الضفة، ترضي اليمين المتطرف، فيما يعتقد نتنياهو بأنها تزيد من حظوظه في الانتخابات القادمة بمجرد انتهاء حكومة الحرب الحالية. ثم يأتي بعد ذلك دور حماس مجدداً في الضفة من خلال التصعيد هناك والذي عليه تميل الأثقال بالنسبة لنتنياهو، فهو يعتبر عاملاً مساعداً لحكومته في إطالة أمدها من جانب، ويعزز من تكتل كامل قوى اليمين، الذي يجد في الانفلات الأمني في الضفة سبيلاً في دعم استمرار تعقيد المشهد، ما يجعلنا نشاهد مجدداً حجم المصالح المشتركة مع حركة حماس، التي تطالب هذه المجموعات بالتصعيد وترفض التوافق مع السلطة الفلسطينية رغم خطورة المسألة على مستقبل الضفة.
اقرأ أيضا.. هل فشلت أهداف الحرب الإسرائيلية؟
الأزمة السياسية في إسرائيل قائمة، واليوم التالي اجتاز عتبات الحكومة، وليس فقط مع استقالة رئيس الأركان الإسرائيلي، كما أنها ليست المرة الأولى التي تنقلب الحرب في إسرائيل إلى أزمة سياسية داخلية، وهذا يحدث منذ سنة 1948 وحتى اليوم، لكن ما يميزها اليوم هو رؤية الشارع الإسرائيلي للمشهد المتمثل في اختفاء القيادات التاريخية الذين مثلوا شكلاً من الوحدة الوطنية – بحسب الشارع الإسرائيلي – في مقارنة مع الحاضر السياسي الإسرائيلي أيضاً الذي يشهد انقسامات واستقطابات حادة، ناهيك عن ظهور فتات من الأحزاب الإسرائيلية الصغيرة، والتي باتت تلعب دوراً أساسياً في الانقسام الداخلي وفي تشكيل الحكومات أيضاً، وهذا لا يبدأ من الابتزاز الذي تلعبه الأحزاب الصغيرة، ولكن يأخذ الصراع بعداً اجتماعياً يجعل من القلق تجاه المستقبل يقترن مع فقدان الثقة بالقيادات الإسرائيلية الحالية.
على الرغم من السنوات الطويلة التي قضاها نتنياهو في السلطة، والتي جاءت عبر حكومات في أوقات مختلفة، غير أنه لم يتعلم من أسلافه، ولا من سير حركة التاريخ، فقد وقّع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق مناحيم بيغن معاهدة السلام مع مصر، وهو أيضاً من عقد أول اتفاق شفوي مع منظمة التحرير الفلسطينية عام 1981 وجاءت أوسلو ، وانسحب شارون من غزة رغم أنه انسحاب أحادي، لكن نتنياهو ومنذ أن تسلم أول حكومة إسرائيلية عام 1996 لا يزال مع كل عودة للسلطة يستمر في تعطيل العملية السياسية بتمهيد من حركة حماس، والتي بقيت خلال الـ 17 سنة الماضية تمثل الحجة الأساسية لاستمرار برنامجه، لكن ذلك كان ينعكس تباعاً على عكس ما يريد داخل الشارع الإسرائيلي وعلى حزبه، والذي تشير استطلاعات الرأي أنه هبط إلى مستوى 24 مقعداً متوقعاً من أصل 120 مقعداً، ما يعني أن حزب الليكود كغيره في هبوط متواصل، وهو ما يعكس تشظي الشارع الانتخابي الإسرائيلي.
اليوم التالي في إسرائيل هو واقع صعب على مختلف أحزاب اليمين، لأن هناك تعارض مصالح بين أمريكا وإسرائيل، وبين أوروبا وإسرائيل أيضاً، فالمصالح الاقتصادية الأمريكية تضر بها طموحات نتنياهو، وبالتالي تبقى المعادلة المقبلة تتجه نحو عودة المسار السياسي، فما يريده نتنياهو اليوم الحصول على ضمانات شخصية فقط، بعد إدراكه أن المعادلة السياسية أفلتت من يده في الداخل والخارج.