إزدواجية المعايير تصل الى الرياضة.. هكذا تعامل الويفا مع كُلّ من روسيا وإسرائيل
في خريف العام 2022، وقبل أسابيع من موعد سحب قرعة تصفيات يورو 2024، أعلن الاتحاد الأوروبي لكرة القدم، استبعاد منتخب روسيا من التصفيات، بسبب الحرب التي تشنّها على جارتها أوكرانيا. أتى هذا القرار بعد سلسلة إجراءات اتخذها “الفيفا” و”اليويفا” واتحادات أوروبية ودولية أخرى ضد روسيا، من بينها منع الفرق الروسية من المشاركة في دوري أبطال أوروبا لكرة القدم، ومنع الرياضيين الروس من تمثيل بلادهم في البطولات الأولمبية. كذلك تمّ نقل نهائي دوري أبطال أوروبا لعام 2022، من مدينة سان بطرسبرغ الروسية إلى باريس الفرنسية.
وكانت ألمانيا البلد المستضيف ليورو 2024، قد طلبت من “اليويفا” استبعاد بيلاروسيا أيضاً من البطولة، بسبب مساندتها روسيا في حربها. كذلك قام أكثر من 100 محامٍ أوروبي بتقديم التماس للفيفا لحظر منتخب بيلاروسيا وأنديتها ومنعها من المشاركة في المسابقات الأوروبية، ومن بينها تصفيات اليورو. لكن “اليويفا” عاد وسمح لها بالمشاركة، على أن لا تتواجد إلى جانب أوكرانيا في المجموعة نفسها في التصفيات، وقد تمّ توجيه القرعة أيضاً بحيث لا يقع منتخبا أذربيجان وأرمينيا في مجموعة واحدة، والأمر نفسه بالنسبة إلى كلّ من البوسنة والهرسك وصربيا مع منتخب كوسوفو.
ازدواجية المعايير تحكم عمل “الفيفا” و”اليويفا”
يحرص “الفيفا” ومعه الاتحادات القارية، دائماً، على تقديم كرة القدم على أنها مساحة للتلاقي والتفاعل بين الحضارات والأديان المختلفة، ويرفع الشعارات التي تحضّ على التقارب ونبذ التمييز بين الناس بسبب جنسهم أو دينهم أو لونهم، كما يمنع اللاعبين والجماهير من إظهار الشعارات السياسية داخل الملعب، وهناك الكثير من الحالات التي تمّ فيها توجيه إنذارات إلى لاعبين وأندية بسبب رفع شعارات سياسية، وصل بعضها حد الإيقاف عن اللعب أو فرض غرامات مالية عليهم.
يحرص “الفيفا” ومعه الاتحادات القارية، دائماً، على تقديم كرة القدم على أنها مساحة للتلاقي والتفاعل بين الحضارات والأديان المختلفة، ويرفع الشعارات التي تحضّ على التقارب ونبذ التمييز بين الناس بسبب جنسهم أو دينهم أو لونهم، كما يمنع اللاعبين والجماهير من إظهار الشعارات السياسية داخل الملعب. كيف كانت إسرائيل استثناءً من ذلك؟
ومع ذلك، فإن ازدواجية المعايير تظهر بشكل واضح في تصرفات “الفيفا” و”اليويفا” والاتحادات الرياضية الأخرى، فمفهوم إقحام السياسة في الرياضة هو مفهوم فضفاض وواسع؛ مثلاً، كانت الشعارات المطالبة بوقف الغزو لأوكرانيا تظهر بشكل كبير في مباريات الكرة الأوروبية، وعلى اللوحات الإعلانية التي تحيط بالملاعب وفي المدرجات وعلى الشاشة خلال النقل التلفزيوني، كذلك كان يُسمح للاعبي أوكرانيا بالتعبير عن رفضهم للحرب وكتابة الجمل الرافضة لها على قمصانهم وتخصيص مساحة لهم خلال المؤتمرات الصحافية التي تسبق المباريات لتوجيه رسائل سياسية، في وقت مُنع فيه اللاعبون العرب من التعبير عن تعاطفهم مع غزّة، وتمّ توجيه الإنذارات إلى عدد منهم وصولاً إلى الإيقاف أو تعريضهم لغرامات مالية، بسبب تعبيرهم عن تعاطفهم مع أهل غزّة الرازحين تحت آلة القتل الإسرائيلية. كذلك قامت إدارات الأندية الأوروبية بتوجيه إنذارات إلى لاعبين تحذرهم فيها من إظهار أي تضامن مع غزّة، وأظهرت انحيازاً واضحاً للرواية الإسرائيلية .
استبعد “اليويفا” إذاً روسيا من تصفيات يورو 2024، قبل سحب القرعة، كذلك فعل “الفيفا” مع الدب الروسي خلال تصفيات مونديال 2022، ومع ذلك سمح للمنتخب الإسرائيلي بالمشاركة في التصفيات حتى نهايتها، بالرغم من جميع المطالبات باستبعاده بسبب المجازر في غزّة. وقد لُعبت بعض المباريات بعد بدء الحرب على قطاع غزّة، حيث خاض المنتخب أربع مباريات خلال شهر تشرين الأول/ أكتوبر 2023، ضد أندورا ورومانيا وسويسرا وكوسوفو، ضمن مباريات المجموعة التاسعة المؤهلة إلى يورو 2024.
“اليويفا” الذي استبعد روسيا وسمح للمنتخب الإسرائيلي بلعب التصفيات، له تجارب سابقة في إقحام السياسة في الرياضة بالطريقة التي تناسبه، حيث استخدم حقه في تقرير مصير مشاركة المنتخبات في بطولاته مع يوغسلافيا، واستبعدها من بطولة يورو 1992، قبل عشرة أيام فقط من بدايتها، بسبب الحرب على سراييفو يومها، ما شكل صدمةً كبيرةً للشعب اليوغسلافي وللّاعبين الذين كانوا يستعدون للسفر إلى السويد وخوض غمار المنافسة، وكانوا يمنّون أنفسهم بتحقيق نتائج كبيرة، إذ كانت الكرة اليوغسلافية تعيش أفضل أيامها في تلك الفترة.
اتحادات كروية شرق أوسطية طالبت و”الفيفا” تجاهل
طالبت اتحادات كروية في 12 دولةً في الشرق الأوسط، في ربيع العام 2024، “الفيفا” بمنع منتخب إسرائيل من المشاركة في النشاطات الكروية، بسبب الحرب التي يشنّها على غزّة، ومن بينها مباراة الملحق المؤهل إلى يورو 2024، ضد أيسلندا. يومها كان عدد الضحايا في القطاع قد فاق الـ27،500 ضحية، معظمهم من الأطفال والنساء.
وقد علّق الرئيس التنفيذي للاتحاد الإسرائيلي لكرة القدم نيف غولدشتاين، على الدعوى المقدّمة، قائلاً لصحيفة “سكاي”: “أنا أثق بأن الفيفا لن يتدخّل في السياسة، نحن ضد إشراك السياسيين في كرة القدم والرياضة بشكل عام”، وأضاف: “نحن نركز فقط على كرة القدم وحلمنا هو التأهل إلى يورو 2024”.
“الفيفا” انحاز كالعادة إلى الموقف الإسرائيلي، ولم يتخذّ أي إجراء ضدها، فلعب المنتخب مباراةً ضد أيسلندا في شهر آذار/ مارس الماضي، ضمن ملحق تصفيات يورو 2024، بعدما رفض “الفيفا” التعليق على الدعوى الجماعية ضد إسرائيل، وقد فازت أيسلندا بنتيجة 4-1، وتأهلت إلى المرحلة الأخيرة من التصفيات.
مصدر في الاتحاد الأوروبي أقرّ في حديث إلى موقع ESPN، بأنّ تأهّل إسرائيل إلى يورو 2024 كان سيشكل مصدر قلق لـ”اليويفا”، وسيرتّب على البلد المنظّم (ألمانيا) تعزيز الإجراءات الأمنية في الملاعب والمدرجات، مشيراً إلى أن خسارة إسرائيل أمام أيسلندا وخروجها من التصفيات، يعني أنه لن يكون هناك مصدر قلق سيزعج القيّمين على بطولة يورو 2024.
وكان النرويجي أوغا هاريده، مدرب أيسلندا، قد أشار قبل مباراة الملحق ضد إسرائيل إلى أنه “كان يفضّل ألا تلعب إيسلندا ضد إسرائيل التي قتلت الأطفال والنساء والمدنيين الأبرياء في غزّة”. وأضاف: “لو كان الأمر يعود لي لرفضت خوض المباراة”، مشيراً إلى أنّه يتفهّم موقف أيسلندا وقرارها خوض المباراة، لكيلا تتعرض لعقوبات من “الفيفا” تصل إلى الإيقاف عن المشاركة بتهمة رفض لعب مباراة ضد دولة عضو في الاتحاد.
وقد تعرّض المدرب بعد هذا التصريح لحملة هجومية واسعة، وصلت إلى المطالبة بطرده من تدريب المنتخب بسبب مواقفه من الحرب على غزّة، فيما ردّ عليه مدرب منتخب إسرائيل ألون هازان، قائلاً: “لقد سمعت ما قاله، لكني لا أهتم للأمر، نحن نهتم لكرة القدم فقط”.
استبعد “اليويفا” إذاً روسيا من تصفيات يورو 2024، قبل سحب القرعة، كذلك فعل “الفيفا” مع الدب الروسي خلال تصفيات مونديال 2022، ومع ذلك سمح للمنتخب الإسرائيلي بالمشاركة في التصفيات حتى نهايتها، بالرغم من جميع المطالبات باستبعاده بسبب المجازر في غزّة!
وقد راسلت منظمة “فير سكوير” الدولية، التي تسعى إلى تكريس حكم أفضل وتعزيز الديمقراطية في العالم، الاتحاد الأوروبي لكرة القدم “اليويفا”، مطالبةً إياه بتوضيح المعايير المعتمدة، والقواعد والسياسات التي انتُهجت ضد كل من روسيا وإسرائيل، على خلفية إقصاء روسيا من تصفيات يورو 2024، وعدم اتّخاذ الإجراء نفسه في حق إسرائيل.
وقد وجّهت “فير سكوير” بعض الأسئلة إلى “اليويفا” عبر الرسالة، وتتمحور كلها حول المعايير التي يضعها هذا الأخير، والسياسات التي تسمح له بالتدخل في حالة ما، أو عدم التدخل، وترى المنظمة أنها “حتى لو سلّمت جدلاً بأن الاتحاد الأوروبي لم يوقف إسرائيل أسوةً بروسيا، لأنه يرى أن حربها على غزّة هي رد فعل على ما حصل في 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، فهل هذا يعني أن الاتحاد لن يتحرك ضد إسرائيل مستقبلاً، بغض النظر عن عدم قانونية الرد أو عدم تناسب الفعل الانتقامي مع الفعل الأساسي؟”.
يُذكر أن المنتخب الإسرائيلي كان منضوياً ضمن الاتحاد الآسيوي منذ عام 1954، وقد استضاف كأس آسيا على الأراضي المحتلة عام 1964، فقاطعتها جميع المنتخبات العربية، ولم تشارك في البطولة سوى أربعة منتخبات هي الهند وهونغ كونغ وكوريا الجنوبية بالإضافة إلى إسرائيل، ونجح الضغط العربي في العام 1974، في تشكيل موقف موحد مطالب بطرد إسرائيل من الاتحاد الآسيوي، حيث صوّت 17 عضواً في الاتحاد لصالح قرار الطرد، مقابل 13 صوتاً ضده وامتناع ستة اتّحادات عن التصويت.
الاتحاد الأوروبي احتضن مباشرةً منتخب إسرائيل بعد طرده من آسيا، فشارك في تصفيات أوروبا المؤهلة إلى مونديال 82، فيما شارك في تصفيات النسختين اللاحقتين من كأس العالم ضمن قارة أوقيانيا دون أن ينجح في التأهل، ليعود بعد انتهاء الحرب الباردة للالتحاق بالاتحاد الأوروبي، وبدءاً من العام 1991 وحتى اليوم، أصبحت أندية إسرائيل تشارك في المسابقات الأوروبية مثل دوري أبطال أوروبا والبطولات الأخرى.