غزة

إزالة القنابل غير المنفجرة في غزة

كلّما أسرعنا في جعل غزة آمنة، تمكنّا من إعادة بناء مجتمعنا بشكل أسرع، وتمكنّا من البدء في لملمة حطام حياتنا المدمّرة.

وسط الفظائع العديدة التي تتكشف في وطني غزة، هناك الكثير منها مخفي حتى الآن. هذه الفظائع تهدد بإحباط الآمال في التعافي حتى بعد توقف سقوط القنابل.

غزة هي واحدة من أكثر الأماكن كثافة سكانية على وجه الأرض. ومن المؤسف أن هذه المنطقة يمكن أن تصبح الآن واحدة من أكثر المناطق تلوثا من حيث الذخائر غير المنفجرة. وهذا إرث مميت سيودي بحياة الكثيرين وسيعرقل محاولات إعادة الإعمار لسنوات قادمة.

أعلم ذلك جيدا، لأنه من خلال وظيفتي كمدير الاستجابة لحالات الطوارئ في المجموعة الاستشارية للألغام، سأكون أحد الأشخاص المكلفين بمساعدة الزملاء أثناء إزالة القنابل غير المنفجرة. يتطلب عملنا اليومي غربلة الركام ومخلفات الحرب مرتدين دروعًا ثقيلة، ومحاولة رسم خريطة للمضي قدمًا بعيدًا عن الدمار والخراب.

أنا من مدينة غزة، لذا لدي مصلحة شخصية في عودة منزلي إلى نوع ما من الحياة الطبيعية، مكان يمكن للأطفال اللعب فيه على شاطئ البحر ويمكن لآبائهم ممارسة حياتهم الطبيعية دون خوف من انفجار قنبلة في مكان قريب.

لقد أُطْلِقَتْ مئات الآلاف من الصواريخ والقنابل اليدوية والقذائف وقذائف الهاون وغيرها من الأسلحة في غزة منذ 7 أكتوبر. ونسبة كبيرة من تلك الأسلحة لم تنفجر ويمكن أن تكون مدفونة أو عالقة في الأنقاض أو ملقاة على السطح. ويتعين على خبراء الألغام الأرضية والذخائر المتفجرة مثلنا الذهاب إلى مناطق الحرب بعد أن تضع الحرب أوزارها، وأن نعثر على كل واحدة من هذه المتفجرات التي يحتمل أن تكون قاتلة، وأن نفككها لتصبح آمنة. وفي غزة، قد تكلف عملية إعادة الإعمار المضنية والخطيرة، وفقا لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، نحو 40 مليار دولار، وربما تستغرق أكثر من عقد من الزمن.

لن نعرف الحجم الدقيق للتحدي الذي يواجهنا حتى نصل بأمان إلى هناك، بإجراء مسح مناسب، ولكن من المؤكد أن طبيعته ستكون مختلفة عن غيرها. وبالمقارنة مع الصراعات الحضرية الأخيرة التي يتمتع فيها زملائي بخبرة واسعة، فمن المؤكد أن التلوث في غزة سيكون أكثر تعقيدا من ذلك الذي رأيناه في الموصل أو العراق أو الرقة في شمال سوريا، بعد أن خلفت المعركة ضد تنظيم «داعش» دمارًا واسع النطاق لا يزال واضحا حتى اليوم. لقد دمّرت هذه الأماكن بسبب استخدام الأسلحة الثقيلة، لكن الحجم الهائل للدمار في غزة، التي تبلغ مساحتها ضعف مساحة الموصل، والطبيعة الكثيفة للبيئة الحضرية في غزة ستجعل إزالة الألغام هنا صعبة للغاية.

ويزداد حجم المهمة سوءًا بسبب التنوع الكبير في الأسلحة المنتشرة، بدءًا من الصواريخ الموجهة بدقة وحتى قذائف المدفعية والقنابل اليدوية. هناك ما يقدر بنحو 37 مليون طن من الأنقاض التي سيتعين على الخبراء غربلتها لتفجير المتفجرات؛ ثم هناك القنابل التي تُسقط جوا ويمكن دفنها على عمق 14 مترا تحت سطح الأرض. وسيتطلب كل منها نهجا مختلفا، حيث سيفَجّرُ بعضها في مكانه، والبعض الآخر سيتطلب إزالة الصمامات المعقدة والحساسة من قبل خبراء المتفجرات المدربين تدريبا عاليا.

إنّ مثل هذا العمل مكلف ويستغرق وقتا طويلا، وله مخاطر جوهرية. وفي غزة، نعلم أنه ستكون هناك مخاطر تتعلق بالأسبستوس والمواد الكيميائية، وأن مواقع مثل المستشفيات ستشكل مخاطر بيولوجية أو إشعاعية إضافية ناجمة عن المعدات الملوثة ومرافق الأشعة السينية. ومن المؤسف أن خبراء المتفجرات ربما سيضطرون أيضًا إلى مواجهة المهمة المؤلمة المتمثلة في التعامل مع الرفات البشرية.

ومع بدء حكومة جديدة في المملكة المتحدة في التفكير فيما سيكون مطلوبا في «اليوم التالي» بعد الحرب، وفي ظل الأولويات الجيوسياسية المتنافسة على مستوى العالم، يجب على الدول أن تأخذ في الاعتبار كيفية البدء في التعامل مع آثار هذا الصراع، لأنه كلما أسرعنا في المسح وتحديد الأولويات والبدء في مهمة التخلص من المتفجرات، وهي مهمة خطيرة وصعبة، سنتمكن من المرور الآمن للإغاثة الإنسانية وإعادة بناء البنية التحتية الأساسية.

بالنسبة لي، هذا أمر شخصي، فلقد غادرت غزة منذ ثلاثة أشهر فقط، ولكن عائلتي لا تزال هناك، تحتمي من الصواريخ في مساكن مؤقتة مع مئات الآلاف الآخرين في خان يونس. أشعر بالقلق بشأن ما يخبئه المستقبل لعائلتي ولأبناء وبنات إخوتي. متى سيكون لديهم منزل مرة أخرى؟ متى سيكون لديهم مدرسة يدرسون فيها؟ متى سيكونون قادرين على المشي دون خوف؟ أفكر باستمرار في سلامة أحبائي وآمالنا التي نفد صبرها في تحقيق السلام.

كوني متخصصة في مجال الأعمال الإنسانية المتعلقة بالألغام خلال العقد الماضي، أفكر أيضًا في الإجراءات الملموسة التي يتعين علينا اتخاذها الآن لضمان أسرع انتعاش ممكن للشعب الفلسطيني في غزة. من السهل تحديد هذه الخطوات: وقف إطلاق النار الذي ينهي القتل ويتيح الوصول الآمن للمساعدات؛ وعلى المجتمع الدولي الالتزام بتعهداته بضمان الحصول على التمويل في أقرب وقت ممكن.

كلّما أسرعنا في جعل غزة آمنة، تمكنّا من إعادة بناء مجتمعنا بشكل أسرع، وتمكنّا من البدء في لملمة حطام حياتنا المدمّرة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى