إدارة بايدن وتحركات اللحظات الأخيرة
يحاول الجانبان الأميركي والإسرائيلي دفع الوسيطين المصري والقطري لممارسة أكبر قدر من الضغوطات على قيادات حركة «حماس» لإتمام الصفقة في ظل ما تم إنجازه إسرائيلياً بقتل يحيى السنوار
مع إعلان الإدارة الأميركية عن تحرك جديد في الشرق الأوسط من خلال زيارة مقترحة لوزير الخارجية توني بلينكن لاستئناف المفاوضات الخاصة بقطاع غزة، وفي إطار العمل على إتمام صفقة تبادل المحتجزين والأسرى واستكمال ما كان قد بُني أميركياً مع الوسيطين المصري والقطري، تكون هذه الإدارة قد خطت خطوة أخيرة في هذا المسار، حيث يكشف الإعلان الأميركي عن رغبة الإدارة الأميركية في استثمار حدث مقتل السنوار في الضغط على حركة «حماس» للانخراط في صفقة عاجلة بما يُحسب للحزب «الديمقراطي» قبل إجراء الانتخابات الأميركية في 5 نوفمبر المقبلظ
ويتزامن هذا المسار مع سعي الحكومة الإسرائيلية إلى تهدئة الرأي العام الداخلي الذي يطالب بإتمام صفقة المحتجزين، وعدم الانتظار للعمل العسكري الذي قد لا يؤدي إلى إتمامها في الوقت الراهن مع إعادة تدوير بعض المواقف والاتجاهات الأميركية والإسرائيلية، والتي سبق وأن طرحت في الفترة الماضية، وارتبطت وفقاً لنهج الجانبين الأميركي والإسرائيلي برفض يحيي السنوار وتشدده في إتمام الصفقة.
اقرأ أيضا.. أميركا وإسرائيل.. حدود التوافق والتجاذب
يحاول الجانبان الأميركي والإسرائيلي دفع الوسيطين المصري والقطري لممارسة أكبر قدر من الضغوطات على قيادات حركة «حماس» لإتمام الصفقة في ظل ما تم إنجازه إسرائيلياً بقتل يحيى السنوار، إضافة لرغبة الحكومة الإسرائيلية التعجيل بغلق ملف قطاع غزة، ولو لبعض الوقت ومن دون ترتيبات أمنية مشتركة للانتباه لجبهة الشمال وإيران وليس لقطاع غزة. سيواجه التحرك الأميركي المطروح عدة إشكاليات أهمها عدم وجود معلومات عاجلة عن موقف حركة «حماس» من أي تحرك أميركي اسرائيلي جديد في إطار ما بعد مرحلة يحيي السنوار، وعدم وجود ردود فعل من قيادات «حماس» الموجودة بالخارج، وفي الأقاليم وليس فقط في مركز صنع القرار لـ«حماس» بصرف النظر عن من سيخلف يحيى السنوار، وعدم وجود أيّ مؤشرات لتقبل حركة «حماس» الداخل بقبول فكرة الإبعاد من القطاع، أو تسليم سلاح «حماس» وغيرها من الأفكار التي تردد إسرائيلياً، ولا تلقى أي ردود فعل من قبل قيادات والخارج إضافة لوجود تحديات جديدة أمام حركة «حماس» لإعادة ترتيب حساباتها ومواقفها في الفترة المقبلة، وليس إبرام صفقة متعجلة مع الحكومة الإسرائيلية التي تعمل على مبدأ إقصاء حركة «حماس» أصلاً من القطاع، إضافة لوجود الطرف الإيراني الساعي لاستمرار توظيف ورقة «حماس» و«الجهاد» في أيّ مفاوضات أو صفقات قد تجري بين الولايات المتحدة الأميركية وإيران بصورة غير مباشرة.
ما يعني أن التأويلات الخاصة بحركة «حماس» تشير إلى عزمها البقاء في المعادلة الفلسطينية المقبلة، وعدم التسليم بإتمام صفقة المحتجزين، حيث يتركز الهدف الرئيس لحركة «حماس» في جملة من الأمور أهمها تخوف الحركة من استمرار الترتيبات الأمنية الجارية في عمق القطاع، وتقليص مساحة القطاع بالكامل مما سيؤثر على تواجد العناصر، ويعيد المواجهات مرة أخرى في مناطق تم تعقيمها. ولدى «حماس» قلق من انشغال الأطراف الوسيطة، وعلى رأسها الولايات المتحدة بالاتصالات مع «حزب الله»، وإسرائيل لمنع التصعيد مما سيقلل من مساحة الاهتمام الرئيس بمسار المفاوضات، ويفرض واقعاً داخل القطاع يعمل لصالح إسرائيل إضافة لوجود حالة من التشتت داخل حركة «حماس» الداخل، وبداية ظهور تباينات في الرؤى بين أهداف «حماس» الخارج و«حماس» في الأقاليم والداخل مما يدفع بسرعة إعادة التفاوض، وتقديم الردود، ولعل مرحلة ما بعد يحيي السنوار ستختلف شكلاً ومضموناً عما كان يجري في ظل عدم وجود تأثير فعلي في المستوى السياسي لـ«حماس» في الخارج، وإنْ كان سيبقى مرتبطاً بقطر وتركيا مع عدم التجاوب مع أي طرح مختلف بشرط موافقة ودعم الجانب القطري.
لا توجد أيّ مؤشرات بأن «حماس» قد تقدم على تنازلات حقيقية في الوقت الراهن، وإنْ كانت ستعمل على خيارات محددة أهمها البقاء في المعادلة الفلسطينية التي يمكن أن تشكل لاحقاً في الساحة الفلسطينية، ووفقاً لسلوك الطرفين إسرائيل وحركة «حماس»، فمن الواضح أن الجانبين ليس لديهما خيارات جديدة يمكن العمل علىها لإعادة صياغة بنود جديدة، وتسليم كل الأطراف بعدم وجود جديد ما لم يتم تغير الواقع الراهن بعمل مفصلي من نوعية التوصل إلى بعض المحتجزين، أو بعض قيادات حركة «حماس»، وهو ما قد يغير من ضوابط المشهد الراهن في اتجاهات جديدة، ووفق استراتيجية مختلفة عما هو جار. في المجمل ما يزيد الوضع تعقيداً بالنسبة للإدارة الأميركية الراهنة أن التطورات الأخيرة، وقبل إجراء الانتخابات تفاعلت مع تجاذبات سياسية في الداخل الأميركي، وعلى رأسها اتساع الانقسام في صفوف الحزب «الديمقراطي» إزاء القضية الفلسطينية في ظل تنامي أصوات جناح اليسار التقدمي المطالب بتبني موقف أخلاقي تجاه حقوق الشعب الفلسطيني، وهو ما يجعل الإدارة الراهنة قبل الانتخابات أكثر عرضة لانتقادات «الجمهوريين»، بالإضافة إلى تراجع إدارة بايدن عن الموقف الأميركي الثابت بتقديم الدعم المطلق لإسرائيل، هذا فضلاً عن التوتر الكامن بين الإدارة وإسرائيل حول شروط وقف إطلاق النار، ومن ثم لا وقت لتقديم خيارات جديدة في ظل استمرار التخوف من ارتدادات التصعيد المحتمل بين إيران وإسرائيل، والتي تراها إسرائيل ضرورية لتأكيد قدرتها في الدفاع عن أمنها القومي.