ملفات فلسطينية

إبادة جماعية أخرى في الضفة الغربية

لقد قيدت الحكومة الإسرائيلية منذ فترة طويلة حركة الفلسطينيين داخل الضفة الغربية المحتلة، ببناء "طرق لليهود فقط"، وجدران فصل وحواجز في جميع أنحاء الأراضي. ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، سرعت من بناء البنية التحتية على الأراضي الفلسطينية.

في يوم الأربعاء الماضي، شنّت إسرائيل هجومًا عسكريًا واسع النطاق على الضفة الغربية المحتلة. نشرت الجيش الإسرائيلي مئات الجنود، والمركبات المدرّعة، والجرافات، والطائرات المسيرة، والمقاتلات الحربية في محاولة لتدمير المقاومة المسلحة في مناطق جنين، وطولكرم، وطوباس. قُتل ما لا يقلّ عن 18 فلسطينيًا على يد القوات الإسرائيلية، وأصيب العشرات.

دعا يسرائيل كاتس وزير الخارجية الإسرائيلي، الجيش الإسرائيلي لإجبار الفلسطينيين على إخلاء شمال الضفة الغربية، وأعلن الجيش عن “إجلاء طوعي”.

هذا الحديث الإسرائيلي عن الترحيل القسري تحت ستار المصطلح الإنساني: “الإجلاء” يثير مخاوف من أن الضفة الغربية ستلقى نفس مصير غزة من حيث التدمير والتهجير الشامل.

إذا حدث ذلك، فسيكون تصعيدًا كبيرًا لإستراتيجية الحكومة الإسرائيلية للتجريد التدريجي للفلسطينيين من الضفة الغربية، التي تمّ تنفيذها مباشرة من خلال الوسائل العسكرية وهجمات المستوطنين، وأيضًا بشكل غير مباشر من خلال التدهور المتعمد في جميع جوانب الحياة الفلسطينية.

خلال السنوات القليلة الماضية، نفذ الجيش الإسرائيلي بشكل منتظم غارات عسكرية في الضفة الغربية، في محاولة لتدمير حركة المقاومة المسلحة المتصاعدة في الأراضي المحتلة، والتي تأجّجت بسبب الغضب الشعبي ضد الاحتلال الإسرائيلي، وخاصة تصاعد نشاط المستوطنين، واستيلاء إسرائيل على الممتلكات الفلسطينية في القدس الشرقية المحتلة وأماكن أخرى.

استخدم الجيش الإسرائيلي هذه الغارات ليس فقط لقتل مقاتلي المقاومة والمدنيين ولكن أيضًا لهدم أي بنية تحتية قد تكون لدى المجتمعات الفلسطينية المعتدى عليها كعقاب جماعي. ووفقًا للأمم المتحدة، فقد قتل الجيش الإسرائيلي أكثر من 600 فلسطيني في الضفة الغربية منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.

اقرأ ايضا| موسم حصاد الدم… أمريكي يُسلّح وإسرائيلي يقتل

العنف لا يمارسه الجيش الإسرائيلي وحده. فقد قامت الحكومة الإسرائيلية بتمكين وتشجيع المستوطنين على مهاجمة المجتمعات الفلسطينية أيضًا. كان هذا الحال قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول، لكن منذ ذلك الحين، ارتفعت هجمات المستوطنين بشكل كبير.

خلال عشرة أشهر منذ اندلاع الحرب، سجلت الأمم المتحدة 1250 هجومًا من قبل المستوطنين؛ في 120 منها، قُتل أو جُرح فلسطينيون، وفي 1000 منها، تضررت الممتلكات الفلسطينية. كما هاجم المستوطنون المجتمعات الفلسطينية وطردوا سكانها من أراضيهم ومنازلهم. وتم طرد أكثر من 1200 فلسطيني من منازلهم على يد المستوطنين. كما تم تشريد أكثر من 3000 آخرين؛ بسبب هدم الجيش الإسرائيلي للمنازل الفلسطينية.

لكن ليس القوة الوحشية وحدها ما تستخدمه إسرائيل ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية. فقد سلحت السلطات الإسرائيلية جميع أدوات السيطرة الاستعمارية التي تمتلكها على الأراضي المحتلة لجعل الحياة مستحيلة للسكان الفلسطينيين. خلال رحلتي الأخيرة إلى الضفة الغربية، شهدت بنفسي هذه الحقائق القاسية للاستعمار الاستيطاني الإسرائيلي.

لقد قيدت الحكومة الإسرائيلية منذ فترة طويلة حركة الفلسطينيين داخل الضفة الغربية المحتلة، ببناء “طرق لليهود فقط”، وجدران فصل وحواجز في جميع أنحاء الأراضي. ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، سرعت من بناء البنية التحتية على الأراضي الفلسطينية. هذا واضح على الطريق 60 في الامتداد الذي يربط القدس بالمستوطنات اليهودية في الخليل، حيث يتم إنشاء ممرات جديدة للطريق، حتى في المناطق التي أضيفت فيها ممرات قبل عام واحد فقط.

منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول، تم تقييد حركة الفلسطينيين بين القرى والمدن بشكل أكبر. ارتفع عدد الحواجز الإسرائيلية والعوائق الطرقية والأبواب من حوالي 200 في أكتوبر/تشرين الأول إلى أكثر من 790 بحلول أوائل يونيو/حزيران. بعض الطرق التي تربط المجتمعات مفتوحة فقط لساعات محدودة، في حين يتم نصب حواجز طيارة وعوائق طرقية بناءً على أهواء الجنود، وغالبًا بدون أي مبرر أمني مشروع.

وبينما تتمتع المستوطنات في جميع أنحاء الضفة الغربية بطرق وبنية تحتية جيدة، يتم تحويل المناطق التي يعيش فيها السكان الفلسطينيون إلى بانتوستانات منفصلة عن بعضها البعض.

يؤثر هذا على جميع جوانب حياة الفلسطينيين. شيء بسيط مثل الذهاب إلى الجامعة يمكن أن يكون معيقًا. بينما كنت أزور صديقي وليد في قرية على أطراف نابلس، تحدثت إلى ابنتَيه اللتين تدرسان في جامعة في المدينة.

“علينا عادةً التوقف عند الحاجز الرئيسي في حوارة. يمكن أن يستغرق هذا التوقف من بضع دقائق إلى عدة ساعات”، قالت لي إحداهما بينما أضافت الأخرى: “لكن قلقنا الرئيسي ليس من الحواجز؛ بل من المستوطنين الذين يرمون الحجارة على السيارات”.

إلى جانب التأثيرات المدمرة على الحياة اليومية للفلسطينيين التي يتسبب بها تقييد الحركة، فإنه يؤثر أيضًا بشكل كبير على الاقتصاد الفلسطيني الهش بالفعل. يتعين على الشاحنات التي تحمل المواد الغذائية والمواد الخام وغيرها من البضائع المرور عبر الحواجز الإسرائيلية، حيث غالبًا ما تتوقف لساعات، مما يزيد من التكلفة والوقت اللازمين للنقل. ونتيجة لذلك، ارتفعت أسعار الغذاء بشكل كبير منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول.

لقد كان الاعتماد على الذات في الغذاء مسألة فخر للفلسطينيين الذين لديهم تقاليد زراعية قوية. لكن هذا يتم تقويضه بشكل منهجي من قبل السلطات الاستعمارية الإسرائيلية. بالإضافة إلى توسيع المستوطنات غير القانونية والمناطق العسكرية التي تقيد الوصول إلى الأراضي الفلسطينية الخاصة، تحاول إسرائيل بشكل منهجي منع الفلسطينيين من استخدام أراضيهم للزراعة. كانت الطريقة الأكثر فاعليّة لتحقيق ذلك هي تشجيع هجمات المستوطنين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى