أي دور للصين في القضية الفلسطينية؟
في سنة 2017، قام الرئيس محمود عباس بزيارة بكين. وقامت القيادة الصينية بمراجعة خطتها ذات النقاط الأربع فأدرجت فيها إشارة إلى مبادرة «الحزام والطريق» اللذين تم التوقيع عليهما عام 2018م، وهي رؤية باتت عنصراً بارزاً في السياسة الخارجية الصينية.
إن الدور الصيني الأهم في خدمة القضية الفلسطينية لا يكمن في الدعوة إلى مؤتمر دولي للسلام على أهميته، ولا في رعايتها لعملية سلام بدعوة الطرفين الفلسطيني والاسرائيلي لمفاوضات في بكين، أو إعلان عن مبادرة مثل برنامج النقاط الأربع الصيني، إنما الدور الأهم والذي يخدم القضية الفلسطينية بشكل فعلي بعيداً عن مفاوضات عبثية، الهدف منها كسب إسرائيل للوقت، لتتمكن من فرض أمر واقع على الأرض، إنه دورها الرئيسي في صياغة نظام عالمي جديد متعدد الأقطاب لا تتحكم فيه الولايات المتحدة بمصير الشعوب، ويقوم على العدل وضمان حقوق الشعوب.
في مثل هذا النظام العالمي البديل للقطب الأوحد سينال الشعب الفلسطيني حقوقه كما بقية الشعوب، فطالما بقيت العولمة الأميركية بطابعها الامبريالي الاستغلالي المهيمن على النظام العالمي، لن تكون في الشرق الأوسط عملية سلام حقيقية، ومن هنا تتمسك إسرائيل بالرعاية الأميركية لعملية السلام، وسترفض أو تماطل في قبول مبادرة صينية، وما يؤكد هذا أن اسرائيل ضحت بعلاقات اقتصادية نفعية مهمة مع الصين لإرضاء واشنطن التي زادت ضغوطاتها على اسرائيل لتتخلى عن صفقات تجارية مربحة عقدتها مع الصين، بما يعني أن ضغوطات صينية أو الوعود بمصالح اقتصادية ذات أهمية لن تجد لها استجابة عند اسرائيل.
قدمت الصين في سنة 2013 خطة ذات نقاط أربع أعادت التأكيد على دعم قيام دولة فلسطينية مستقلة تتعايش مع إسرائيل، وعلى كون المفاوضات هي الأساس لتحقيق هذه الأهداف ولإنجاز السلام، لكن، على الرغم من هذه الخطوات، فإن شي جينبينغ لم يقم لا هو ولا أيّ مسؤول صيني آخر بأي مبادرات لإعادة إحياء عملية السلام. فقد تصدّرت الدبلوماسية المكوكية لوزير خارجية الولايات المتحدة جون كيري الواجهة خلال سنتي 2013ـــــ 2014، مهمّشة المبادرة الصينية.
طرح برنامج النقاط الأربع الصيني، مجدداً، منتصف العام 2018، تُشير الخطة إلى حقيقة إلى الموقف الصيني من سياسة إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خصوصاً، بعد قراره نهاية العام 2017، الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وتقوم الخطة على “حل الدولتين على أساس حدود 1967 مع القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطينية جديدة”، ودعم “مفهوم الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام” الذي ينهي فوراً بناء المستوطنات الإسرائيلية، ويتخذ تدابير فورية لمنع العنف ضد المدنيين، ويدعو إلى الاستئناف المبكر لمحادثات السلام، وتنسيق الجهود الدولية لوضع تدابير لتعزيز السلام.
وفي سنة 2017، قام الرئيس محمود عباس بزيارة بكين. وقامت القيادة الصينية بمراجعة خطتها ذات النقاط الأربع فأدرجت فيها إشارة إلى مبادرة «الحزام والطريق» اللذين تم التوقيع عليهما عام 2018م، وهي رؤية باتت عنصراً بارزاً في السياسة الخارجية الصينية، وتسعى لتحقيق ترابط عبر البرّ الآسيوي-الأوروبي. وبصيغة أكثر ملموسية، اقترح شي جينبينغ استضافة ندوة دراسية تجمع الإٍسرائيليين والفلسطينيين معاً في سعي لإيجاد طريقة للتقدم في عملية السلام. وفعلاً، انعقد «منتدى السلام”» بين الوفدين الإسرائيلي والفلسطيني طوال يومين في كانون الأول/ ديسمبر من ذلك العام. لكن الصينيين لم يتمكّنوا من دفع الطرفين إلى تبنّي أكثر من بيان غير ملزم أعاد صوغ الكثير من المكوّنات الرئيسية لعملية أوسلو.
ويمكن أن يُنظر كذلك إلى اقتراح الصين التوسّط بين إسرائيل والفلسطينيين في نيسان/ أبريل 2023 بكونه خطابياً أكثر منه عملياً. فقد جاء مقترح وزير الخارجية، تشين غانغ ، بعد فترة وجيزة من استضافة الصين مفاوضات بين إيران والسعودية، أعلن الطرفان في نهايتها قرارهما بإعادة العلاقات الدبلوماسية بينهما. وفيما استجلب هذا الاتفاق نقاشات بشأن مدى اقتراب الصين من التحوّل إلى صانع سلام في الإقليم، جرى تجاهل حقيقة أن حوارات سابقة دارت خلال عامين برعاية دول عربية أُخرى هي التي مهّدت للحوار الذي رعته الصين.
اقرأ أيضا| احمونا.. صرخة الشعب من على منصة الشرعية الدولية
عموماً الولايات المتحدة ستضغط على اسرائيل، لقطع الطريق أمام تمدد دور الصين باتجاه مبادرة لعملية تفاوضية تديرها بكين، من هنا تدرك بكين حدود تأثيرها بالفعل على اسرائيل لحملها على اتخاذ موقف إيجابي بالانضمام إلى مبادرة دبلوماسية تقدمها الصين لتحقيق السلام وحل القضية الفلسطينية حلاً عادلاً.
ومن أجل العدالة وتكريس قيمها دولياً، وفي إقرار صريح ونادر بشرعية المقاومة الفلسطينية المسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي. صرح شينمين، المدير العام لإدارة المعاهدات والقانون بوزارة خارجية الصين أمام محكمة العدل الدولية في شباط /فبراير 2024 مؤكداً أن الصراع الفلسطيني الإسرائيلي «ينبع من احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية والقمع الإسرائيلي الطويل الأمد للشعب الفلسطيني»، وأن «الشعب الفلسطيني يكافح ضد القمع الإسرائيلي، وأن نضاله من أجل استكمال إقامة دولته المستقلة على أراضيه المحتلة هو نضال عادل لاستعادة حقوقه المشروعة».
يعد هذا تصعيداً خطابياً شديداً حتى بالنسبة إلى معايير الصين نفسها، هذا التصعيد ينم عن موقف مناصر للفلسطينيين، ومعاد لإسرائيل ، لكن تتحتم قراءته في ضوء رؤية بكين لمصالحها الاستراتيجية الكبرى، التي تتمحور حول الولايات المتحدة وليس حول إسرائيل، حيث ترى بكين «الصراع الفلسطيني ــ الإسرائيلي» في الوقت الراهن ساحة مواتية لتحدي الهيمنة الأميركية، ومواصلة انتقاد سياسة واشنطن في الشرق الأوسط، ودورها في الصراعات والأزمات العالمية بشكل عام.
ومما لا شك فيه أن انحياز واشنطن المطلق لإسرائيل ودعمها المالي والعسكري والسياسي والقانوني لجرائم الاحتلال الإسرائيلي أضعف موقفها الشعبي في الشرق الأوسط ودول الجنوب العالمي بشكل عام، وسلط الضوء على ازدواجية معاييرها الأخلاقية، وهو ما منح فرصة للصين لترويج روايتها حول كون النظام العالمي «القائم على القواعد» الذي تتبجح به أميركا لا يقوم إلا على قاعدة واحدة فقط هي خدمة مصالح واشنطن وحلفائها.
ثلاث دول تستطيع أن تلعب دوراً حاسماً في الصراع بالإقليم، هي: الصين، إيران، وروسيا، فهي دول «الجوار القريب»، وهي دول تملك، مجتمعة، طاقات جبارة في مختلف المجالات، وهي مهتمة، لا بل ساعية – انطلاقاً من مصالحها – لمواجهة المخطط الأميركي في هذه المنطقة.
أحدثت حرب طوفان الأقصى نقلة نوعية في النفوذ الروسي والصيني، وكذلك الإيراني في المنطقة، وكان لها الأثر المباشر على مشروع «سلام أبراهام» لتعميم التطبيع العربي – الإسرائيلي، لدمج إسرائيل في المنطقة، واستكمال هيكلة الإقليم، وفقاً للهندسة الأميركية، وبما يخدم مصالحها الإمبريالية.
في ضوء ذلك، وإلى حين تتمكن الصين وروسيا ودول أخرى وازنة في العالم من تغيير نظام القطب الأوحد، أي دور للصين في القضية الفلسطينية ؟. نقطة انطلاق هذا الدور تبدأ من علاقة الصين بطرفي الصراع ومدى هذه العلاقة وعمقها على كل المستويات، مع الطرف الفلسطيني المتمثل في العلاقة الدبلوماسية بين بكين ومنظمة التحرير الفلسطينية من جهة، وعلاقات بكين السياسية والاقتصادية والعسكرية مع إسرائيل، عبر ما يقارب 75 عاماً شهدت تحولات وتقلبات دراماتيكية، في الفترة (1949 – 1976) طوال عهد ماو تسي تونغ.
واحتدام المواجهة العالمية بين الشيوعية والرأسمالية. تنكرت الصين لإسرائيل ضمن نبذها للعالم الغربي الرأسمالي، حيث رأت بكين الدولة الصهيونية بوصفها أحد قواعد الإمبريالية الغربية في الشرق، وظلت حتى مطلع السبعينيات وفية لسياسة «نبذ إسرائيل» وتجنبت الانخراط في أي علاقة دبلوماسية أو عسكرية أو اقتصادية رسمية مع دولة الاحتلال، رغم أن إسرائيل سارعت إلى الاعتراف بجمهورية الصين الشعبية عام 1950 فكانت من أوائل الدول غير الشيوعية التي تتخذ هذه الخطوة.
في المقابل دعمت الصين حركات التحرر الوطني، وفي مقدمتها النضال الفلسطيني، وتجلى هذا الدعم في جهود وزير الخارجية الصيني تشو إن لاي لإدراج القضية الفلسطينية على جدول أعمال المؤتمر الأفروآسيوي في باندونغ عام 1955 بوصفه رمزاً لدعم بكين «لنضالات الشعوب المضطهدة».
يوم 15 آذار (مارس) 1964، تم ترتيب زيارة القائدين البارزين في حركة فتح في حينها، خليل الوزير وياسر عرفات إلى الصين، ضمن نقاشات «لجنة التضامن الأفرو- آسيوي»، رئيس وزراء الصين تشو إن لاي أحد قادة الحزب الشيوعي الصيني، التقى في بكين مع زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات وأقام معه علاقة وثيقة، قدمت الصين خلالها لمنظمة التحرير الفلسطينية، دعماً من الأموال والأسلحة يصعب الوقوف على حجمه، تم في إثرها افتتاح مكتب فلسطيني في بكين. وبدأ تقديم الدورات العسكرية خصوصاً على مستوى القيادات في الصين، وأصبحت الصين مصدر السلاح الأساسي للمقاومة الفلسطينية.
وفي العام 1965، توّجت الصين تضامنها مع الفلسطينيين باعترافها الرسمي بمنظمة التحرير الفلسطينية بعد أشهر من تأسيسها، وهي أول دولة غير عربية تعترف بالمنظمة. خلال عهد ماو، كانت بكين الراعي الأول لمنظمة التحرير الفلسطينية، معتبرةً نضالها أحد جوانب النضال الأوسع نطاقاً ضد “الإمبريالية الغربية”، لكن هذه السياسة بدأت في التغير بعد رحيل ماو تسي تونغ وخلفه دنغ شياو بينغ، والقيادة الأكثر تشددا في الحزب الشيوعي، وتحسن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين.
في عام 1979 استعيدت العلاقات، بين اسرائيل والصين، وافتتحت مكاتب تمثيلية في بكين وتل أبيب، منها مكتب إسرائيلي، افتتح في حزيران / يونيو1990، عُرف باسم مكتب الاتصال للأكاديمية الإسرائيلية للعلوم والإنسانيات، ولحقه في العام نفسه المكتب الصيني في تل أبيب وهو فرع لخدمة السفر الدولية الصينية.
دشن الطرفان علاقة عسكرية، تضمنت بيع إسرائيل التكنولوجيا اللازمة لتحديث الدبابات والطائرات الصينية في الثمانينيات، وبالمجمل ساعدت التقنية والخبرات الإسرائيلية على تحديث الجيش الصيني والقوات الجوية، وفي المقابل حصلت إسرائيل على الأموال الصينية اللازمة لتمويل برامج الأسلحة المحلية العالية التقنية.
وفي يناير/كانون الثاني 1992، تُوّجت العلاقات باعتراف الصين الرسمي بإسرائيل، بإقامة علاقات دبلوماسية كاملة بين الطرفين، ومنذ ذلك الحين قام أربعة رؤساء إسرائيليين وثلاثة رؤساء وزراء -منهم بنيامين نتنياهو في مارس/آذار 2017 بزيارات رسمية وشبه رسمية للصين.
رغم ذلك، حافظت الصين على خطابها بشأن القضية الفلسطينية، فتمسكت بالمطالبة بقيام دولة فلسطينية كسبيل أوحد لحل الصراع، ونادت باستئناف المفاوضات والحلول السلمية، ونددت بالاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين، وانتقدت إسرائيل لبناء «الجدار العازل» في الضفة الغربية، وأدانت غارتها على أسطول الحرية عام 2010، وصوّتت لصالح تحقيق الأمم المتحدة في جرائم الحرب الإٍسرائيلية بعد العدوان على غزة عام 2014، مررواً بتوبيخ إسرائيل بشأن اعتداءاتها على سوريا ولبنان، كما امتنعت عن تصنيف حركة المقاومة الإسلامية «حماس» و«حزب الله» منظمتين إرهابيتين رغم الضغوط الغربية، واعتبرتهما ممثلين لقطاعات واسعة من الشعبين الفلسطيني واللبناني.
في عام 2018 أبرمت الصين 73 صفقة استثمار أجنبي مباشر في مجالات التكنولوجيا المتقدمة في دولة الاحتلال، وهو توجه هيمن على مسار العلاقات خلال العقدين الأخيرين، إذ يرصد معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي زيادة مطّردة في الاستثمارات وعمليات الدمج والاستحواذ الصينية في قطاع التقنية الإسرائيلي بين عامي 2007 و2020. تركزت استثمارات الشركات الصينية على مجالات الحوسبة السحابية، والذكاء الاصطناعي، وأشباه الموصلات، وشبكات الاتصالات، ومعظمها تُصنف ضمن إطار التقنيات ذات الاستخدام المزدوج التي يمكن توظيفها في أغراض مدنية وعسكرية على السواء.
بدأت العلاقات الاقتصادية بين الطرفين تتراجع، من الأسباب الرئيسية وراء هذا التراجع أن إسرائيل بدأت ترضخ للضغوط الأميركية بتقليص استثمارات الصين واستحواذاتها في مجال التقنية، وهي مسألة طالما أثارت الخلاف بين واشنطن وتل أبيب، وكانت المحصلة النهائية لكل ذلك هي تراجع الحضور الصيني في سوق التقنية الإسرائيلي وبالتالي تراجع الأهمية الوظيفية لإسرائيل لدى الصينيين. مع تراجع الفائدة الوظيفية التكنولوجية لإسرائيل، أصبح من المرجح أن تتقلص مكانة دولة الاحتلال في السياسة الرسمية الصينية تدريجياً إلى ما قبل عهد طفرة التكنولوجيا.
بعد طوفان الأقصى فاجأت السياسة الصينية ــــــ تجاه الحرب في قطاع غزة ــــ المراقبين في الغرب وفي تل أبيب في عدائها لإسرائيل في المواقف والتصريحات الرسمية لبكين، امتنعت الصين عن إصدار أي إدانة صريحة لحركة حماس، وفصائل المقاومة الفلسطينية، بعد عملية طوفان الأقصى، وعلى النقيض سارع المسؤولون الصينيون إلى التأكيد على أن الغارات الجوية الإسرائيلية «تجاوزت الدفاع عن النفس» وأدانوها باعتبارها «عقاباً جماعياً» للفلسطينيين، في حين ألقت وسائل الإعلام الصينية باللوم على الولايات المتحدة في تأجيج الصراع.
ليس هذا فحسب، بل إن المسؤولين الصينيين حرصوا على الإشارة إلى السبب الجذري للصراع وهو أن القضية الفلسطينية لم تتم تسويتها بشكل عادل بعد، كما جاء على لسان تشاي جون، المبعوث الخاص للحكومة الصينية إلى الشرق الأوسط.
تصريحات بكين الرسمية تبدو مهتمة بإنهاء حرب طوفان الأقصى، بقدر اهتمامها بألا تتوسع إلى الممرات التجارية الحيوية في باب المندب والبحر الأحمر على نحو يصيب مصالحها التجارية بأضرار بالغة، كما أحدثت الحرب إرباكاً للخطط الأميركية في الصراع مع الصين اقتصادياً، فقد أغلق «الطوفان» الطريق أمام المشروع الأميركي الذي تبنته مجموعة العشرين- G20، لمد معبر اقتصادي، من الهند ابتداءً إلى أوروبا، مروراً بمنطقة مركزية في غرب آسيا، هي إسرائيل، يرمي إلى تحقيق عدد من الأهداف، منها النيل من جدوى مشروع «الطريق والحزام» الصيني. فضلاً عن ذلك، أدى انهماك الولايات المتحدة بجانب إسرائيل في شؤون الحرب ضد الشعب الفلسطيني، إلى صرف الاهتمام جزئياً عن اهتماماتها بالأوضاع في جنوب شرق آسيا، بمعظم متعلقاته.
ويبدو المشهد الإقليمي أكثر جلاء عند الانتقال إلى ساحة البحر الأحمر، حيث تصدى الجيش اليمني، بقيادة أنصار الله إلى الوجود الأميركي – الأطلسي فيه، رداً على محاولات الولايات المتحدة الانفراد بالهيمنة الأمنية على مياهه، ما جعل التدخل اليمني الهادف إلى فرض الحصار البحري على ميناء إيلات (أم الرشراش)، يكتسي – ومن موقع القوة – بعد مشاركة الغرب الأطلسي وعدد من الدول المشاطئة في المرجعية الأمنية لهذا الممر المائي المسلم بأهميته في التجارة الدولية، وفي حسابات الاستراتيجيا عموماً، ما يؤكده أيضاً السعي المحموم لكل من روسيا والصين وغيرهما، لتحصيل قواعد ارتكاز على شواطئه.
وتربح الصين، بفعل دعمها الخطابي للقضية الفلسطينية تعزيزاً لموقعها الاستراتيجي في دول الجنوب العالمي المتعاطفة مع القضية الفلسطينية، بما لا يقتصر على الدول العربية والإسلامية وحدها، بل يتجاوزها إلى العديد من الدول النامية والكتل البشرية الكبرى في آسيا وأفريقيا وأميركا اللاتينية التي ترى في النضال الفلسطيني رمزاً للمقاومة ضد الموروثات الاستعمارية وتحدي الهيمنة الأميركية، فمنذ بداية الحملة الإسرائيلية المدعومة أميركياً على غزة، وموقف أميركا المخزي في مناصرة الإبادة الإسرائيلية تعمقت حالة عدم الثقة في الولايات المتحدة وسياساتها بشكل واضح.
قبل طوفان الأقصى شهد العام 2023 محادثات بين السعودية والولايات المتحدة وإسرائيل، طلبت واشنطن من العربية السعودية، تحجيم علاقاتها مع بكين، وعدم الذهاب معها إلى اتفاقات تعاون تفتح لها أبواب الإقليم، وذلك في سياق الحرب الاقتصادية التي تشنها الولايات المتحدة على الصين. والتي ربما ستشتد إذا وصل ترامب إلى البيت الأبيض في العام 2025. وفي كل هذا تعتبر إسرائيل شريك للولايات المتحدة في مواجهة النفوذ الصيني في المنطقة، ومؤيدة بشدة للمشاريع الأميركية، فهي تخدم المصالح المشتركة بينهما، ومازال العامل الخارجي الأكثر تأثيراً في معادلة الصراع في المنطقة، هو العامل الأميركي، الذي تندمج فيه عضوياً دولة الاحتلال، وعلاقات خاصة جداً تربط بين إسرائيل والولايات المتحدة، وقد ظلت تل أبيب وفية لتحالفها مع الولايات المتحدة بما يشمل تصويتها ضد الصين في المحافل الدولية، وإدانة انتهاكاتها ضد المسلمين الإيغور.
إن الصين كدولة مؤيدة تاريخياً للحقوق الوطنية لشعب فلسطين، إنما بأسلوب ينزع إلى الاكتفاء بإعلان الموقف، وبوصفها دولة دائمة العضوية في مجلس الأمن، فهي تصوّت إلى جانب القضية الفلسطينية في الأمم المتحدة وسائر المؤسسات الدولية، وهذا أمر مهم، لا يمكن الانتقاص من أهميته، لكنه غير كافٍ لإحجامه، أو تردده عن الإقدام على خطوات عملية. غير أن الصين بدأت مؤخراً بإرسال إشارات لا تخفى على أحد، عن توجهها للانتقال من موقع التحفظ إلى موقع أكثر حضوراً وتأثيراً، وضمن هذا التوجه، فقد استضافت بكين بين 21 إلى 23/7/2024 جولة من الحوار الفلسطيني، خرجت بنتائج فائقة الأهمية.
وقد ثمّنت كل الفصائل الفلسطينية الدور الصيني في دعم قضايا شعبنا، ودعوتهم لاجتماع الفصائل من أجل إنهاء الانقسام واستعادة الوحدة الوطنية، وأكدت التزامها بإنجاح وساطة الصين لتحقيق المصالحة الفلسطينية.
كما ثمنت اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين الدور المهم الذي قامت به جمهورية الصين الشعبية في إنجاح الحوار، ورأت في ذلك مكسباً كبيراً للقضية الفلسطينية على الصعيد الدولي، واتساع دائرة القوى الإقليمية والدولية، ذات الاهتمام الفعلي بالقضية الوطنية، ودعمها لحقوق شعبنا الوطنية المشروعة وغير القابلة للتصرف، بقيادة م.ت.ف الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا.