أين غزة هي اليوم في المعادلة؟
عملية فصل القطاع كانت طوال الوقت هدفا وإستراتيجية إسرائيلية، لذلك يجب وقف اي تورط من قبل اي طرف فلسطيني في مواصلة التساوق مع الهدف الإسرائيلي
بعد اغتيال إسرائيل لرئيس المكتب السياسي لحركة حماس إسماعيل هنية، تبادر إلى ذهني السؤال: أين هو قطاع غزة في كل هذه المعادلة؟ قد يبدو السؤال غريبا، خصوصا ان غزة في قلب الحدث، ولكن ما دفعني للسؤال هو انه بعد انتشار خبر الاغتيال جاءت ردود الفعل، الرسمية والشعبية، وحتى على صعيد الأفراد كل على طريقته.
فعلى سبيل المثال، الضفة اعلنت اضرابا شاملا وكان فيه الالتزام تاما، والسلطة الوطنية ادانت وأعلنت الحداد العام وفعلت. كما اصدرت القوى السياسية بيانات الادانة، وحدها غزة لم نسمع صوتها ولم ينقل من هناك أي ردة فعل. اذكر وفي خضم احداث ايلول/ سبتمبر المؤسفة عام 1970 حتى المنازل نصف المدمرة او حتى المدمرة ورغم هول ما يجري، رفع اهالي هذه البيوت، وكل بيوت عمان، الاعلام السوداء عندما جاء خبر وفاة الرئيس المصري جمال عبد الناصر.. لذلك تساءلت أين غزة من المعادلة؟
قد يبدو الجواب لدى البعض بسيطا ومباشرا ” الله يعين اهل غزة على ما هم فيه ” او انه لم يبقى منازل كي يرفع الناس عليها اعلامهم السوداء حدادا على هنية، ولكن وبغض النظر عن كل الاجابات البسيطة منها والمعقدة، فإن قطاع غزة ومع الاسف اصبح عمليا خارج الحياة العادية للبشر، لذلك هو خارج المعادلة، بعد ان اصبح منطقة منكوبة غير قابلة للحياة. الضفة الغربية وبرغم ما تقوم به دولة الاحتلال، الا انها لا تزال موجودة في المعادلة وفيها كيانية وطنية رغم الحصار والضغوط. وها هي تتفاعل مع الاغتيال وتضرب وتتحد، بمعنى ان الحفاظ على الوجود المادي للمناطق الفلسطينية هو الأمر المهم والضروري.
لو تخيلنا ان قطاع غزة بعافيته ولا يزال قائما لكنا شاهدنا ولمسنا فعلا وطنيا جماعيا.
ان استراتيجية الصمود والبقاء على الأرض مع مقاومة الاحتلال ضمن إمكانيات الشعب الفلسطيني ومن دون ان تقود هذه المقاومة إلى تدمير مقدراته وإمكانيات بقائه، هذه الإستراتيجية هي الاكثر نفعا ويمكن ان تراكم، فالصمود على الأرض والبقاء عليها هو العامل الاهم في صراع فيه طرف يتنكر لوجود الشعب الفلسطيني وحقه بارضه التاريخية، وتنمية المجتمع الفلسطيني وتطويره وتعليمه وتوعيته وطنيا باستمرار، هو الامر الذي يحسم في نهاية المطاف قطاع غزة. صحيح ان الناس هناك لا يزالون موجودين وصامدين على ارضهم لكنهم بلا اي مقدرات للعيش، وبعد ان دمرت إسرائيل كل مقومات الحياة فان البقاء اصبح مشكوكا فيه.
لذلك علينا، ومن خلال إدراكنا لميزان القوى الراهن ان نمنع بكل الوسائل ان نصل بالضفة الى ما وصل اليه القطاع، والا نقدم الذرائع لآلة الحرب الإسرائيلية بأن تفتك بالضفة وبكل مقدرات الحياة، هذا هو الدرس الأول الذي بالضرورة ان نأخذه بالإعتبار من كل ما حدث خلال الاشهر الاخيرة، فالقطاع اليوم اصبح خارج المعادلة بالرغم انه لا يزال يشهد أعمال مقاومة، ولكن هذا لن يغير واقع ان قطاع غزة أصبح خارج المعادلة. وهذه نكبة جديدة بكل معنى الكلمة، من مسؤولية الجميع اليوم أولا الحفاظ على الضفة، وان نعمل على سحب كل الذرائع لاستمرار هجمات إسرائيل، وبموازاة ذلك العمل على وقف الحرب باي ثمن، والانتقال الى عملية إعادة بناء قطاع غزة، وتوفير الدعم لهذه العملية، ولكن قبل ذاك كله يجب ان نزيل كافة العقبات الداخلية امام إعادة توحيد القطاع مع الضفة.
بالضرورة أن عملية فصل القطاع كانت طوال الوقت هدفا وإستراتيجية إسرائيلية، لذلك يجب وقف اي تورط من قبل اي طرف فلسطيني في مواصلة التساوق مع الهدف الإسرائيلي. قد نكون تأخرنا في فعل ذلك فاليوم غزة ليست هي التي كانت قبل السابع من أكتوبر الماضي، فهي منكوبة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، ولكن اذا ما تم استيعاب الدرس من كافة الأطراف فإن هناك إمكانية لانقاذ الموقف الوطني في هذه المرحلة وثم ترميم الحالة الفلسطينية كلها على اسس جديدة، وعلى أساس إستراتيجية مختلفة عن كل ما ساد حتى الان.
إقرأ أيضا : في الوفاء لغزة والأسرى ومرتكز الهوية الوطنية
التيار اليميني المتطرف والفاشي، الذي مثلت المستوطنات اوكارا له، وكان يمثل أداة لإرهاب الفلسطينيين، هو نفس التيار الذي اجهز على عملية السلام واتفاق أوسلو، وهو الذي يعمل على ضم الضفة ويقوم بحرب الإبادة في غزة، هذا التيار الذي يحكم إسرائيل اليوم هو خطير وأعاد الصراع الى دائرته الأولى، التنكر التام لوجود الشعب الفلسطيني. السؤال كيف نواجه هؤلاء الفاشيين التوسعين؟ لكل ذلك علينا ان نحافظ على وجودنا على ارضنا باستخدام عقولنا وليس عواطفنا وغرائزنا.