أين جماهير الربيع العربي من مذبحة فلسطين؟
ما لا يُمكِن استيعابه هو الصمت العربيّ والإسلاميّ الذي يخترِق جدار الصوت، وعربدة إسرائيل وصلت إلى حدٍّ لا يُطاق، فعلى سبيل الذكر لا الحصر، ها هو وزير خارجيتها، إسرائيل كاتس، بعنجهيةٍ واستكبارٍ واستعلاءٍ يتخِّذ قرارًا بموجبه يُعتبَر الأمين العّام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، شخصيةً غيرُ مرغوبٍ بها.
ما نعرفه من حقائق عن دولة الاحتلال الإسرائيليّ وعدم انصياعها لما يُسّمى بالشرعيّة الدوليّة أوْ أكثر من ذلك، رفضها تنفيذ القرارات التي أصدرها مجلس الأمن الدوليّ، يكفي لإصدار عشرات الكُتُب والمُؤلّفات عن هذا الكيان المارِق بامتياز، ولكن ما لا يُمكِن استيعابه هو الصمت العربيّ والإسلاميّ الذي يخترِق جدار الصوت، وعربدة إسرائيل وصلت إلى حدٍّ لا يُطاق، فعلى سبيل الذكر لا الحصر، ها هو وزير خارجيتها، إسرائيل كاتس، بعنجهيةٍ واستكبارٍ واستعلاءٍ يتخِّذ قرارًا بموجبه يُعتبَر الأمين العّام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، شخصيةً غيرُ مرغوبٍ بها في تل أبيب، ويُمنَع من دخول إسرائيل، وهي الدولة الوحيدة في العالم التي حتى اليوم، بعد أكثر من 76 عامًا على إقامتها، لا توجد حدودٌ لها.
ولا نُبالِغ البتة إذا قُلنا وفصلنا إنّنا وصلنا إلى نقطة البداية، وليس النهاية، نحنُ نعيش في فترة ما بعد نظام الغاب، القويّ يقتل الضعيف ويسحقه، دون حسيبٍ أوْ رقيبٍ، وما يُسّمى بالمجتمع الدوليّ خرج لإجازةٍ غيرُ محدودة الزمان والمكان، ونرى من واجبنا، لا بلْ من حقّنا، أنْ نُسّمي الأمور بمُسمياتها ونضع بعض النقاط على عددٍ من الحروف دون رتوشٍ: الفنانّة اللبنانيّة المُلتزمة، جوليا بطرس، تتساءل في أغنيتها المشهورة: “وين الملايين؟ الشعب العربيّ وين؟”، ونسمح لأنفسنا بعبور الحاجز دون إذنٍ وتحديده: أين الشعوب العربيّة التي خرجت بعشرات الملايين للمظاهرات فيما سُمّيّ زورًا وبُهتانًا بالربيع العربيّ؟
أين هذه الجماهير اليوم وفلسطين تُذبح بالجملة والمفرّق ولبنان ضُمّ ليكون أيضًا كبش فداءٍ آخر للمجازر التي تُرتكَب يوميًا؟ أين هذه الجماهير وأين المثقفين العرب؟ الذين عملوا كما يُقال بالعاميّة (السبعة وذمتها) من أجل تسويق “الربيع العربيّ” (!) على أنّه ضدّ الأنظمة العربيّة الفاسدة والديكتاتوريّة؟ أينكم! بربّكم ودينكم؟ أين أنتم من (الخريف الإسرائيليّ)، المدعوم أمريكيًا وغربيًا؟ رجاءً، هل من المُمكِن أنْ تُنيروا طريقنا وتُطلقون “فتاويكم” حول الأنظمة العربيّة غيرُ الفاسدة وغيرُ الاستبداديّة؟ وأين من الممكن إيجادها في الوطن العربيّ من مُحيطه الهادِر إلى خليجه الثائر؟
قيل سابِقًا إنّه “من المؤسف حقًا أنْ تبحث عن الصدق في عصر الخيانة وتبحث عن الحُبّ في قلوبٍ جبانةٍ”، ونحنُ نُضيف إنّه من المخجِل والمُهين أنّ حفنةً من هؤلاء المُثقفين العرب، أوْ بالأحرى المحسوبين على المثقفين، يُنظّرون من أجل دمقرطة الأنظمة العربيّة، وهُمْ يُقيمون في دولٍ استبداديّةٍ لا وجود فيها لحقوق الإنسان، فكيف يستوي هذا التنظير مع ذلك النظام القمعيّ؟ وهل وراء الأكمة ما وراءها؟
اقرأ أيضا| بعد عام على «طوفان الأقصى» فلسطين والمنطقة إلى أين؟
اليوم، بعد أنْ اعترفت بعض الدول العربيّة، وتحديدًا الخليجيّة، ومنها المُطبّعة مع إسرائيل، أنّها استثمرت مئات تريليونات الدولارات من أجل إسقاط النظام الحاكم في سوريّة، ما هو شعوركم، إنْ كان لديكم أصلاً شعورٌ أوْ انتماءٌ، وأنتم مَنْ ساهمتم إلى حدٍّ كبيرٍ في تدمير سوريّة، التي على عورات نظامها، كانت دولةً عربيّةً مُقاومة تتمتّع بالاكتفاء الذاتيّ؟ هذه الدولة التي أطلق عليها المارد العربيّ، جمال عبد الناصر، القائد المُرتحِل-الباقي، قلب العروبة النابِض؟ تذّكروا، يا مَنْ تتغندرون بلقب “المُثقفين” ما كان قاله الشهيد العربيّ-الفلسطينيّ، باسل الأعرج، الذي اشتبك في رام الله المُحتلّة مع قوات الاحتلال، ولم يتنازل عن سلاحه حتى ارتقى “إيّاك ولو لمرّةٍ واحدةٍ أنْ تنسى وجود الاحتلال أوْ ترى حياتك طبيعيّةً في ظلّ وجوده، وإنْ حدث ذلك، فأنتَ تزحَفْ للخيانة، وإنْ لم تكُن مثقفًا مشتبكًا لا فيك ولا في ثقافتك”.
والشيء بالشيء يذكر: أوّل رئيس وزراء في دولة الاحتلال، كان دافيد بن غوريون، الذي يُعتبر مؤسس الدولة الصهيونية، وقد أرسى مقولته المشهورة: “عظمة إسرائيل ليست في قنبلتها الذريّة ولا في ترسانتها العسكريّة، ولكن عظمة إسرائيل تكمن في انهيار ثلاث دول: مصر والعراق وسوريّة”. واليوم نرى بالعين المُجردّة أنّ نظريته قد تحققت: ففي العام 1979 وقعّت مصر، أكبر دولةٍ عربيّةٍ على اتفاق الاستسلام، وليس السلام، مع إسرائيل، وأخرجت نفسها حُبًّا وطواعيةً، من المواجهة مع الكيان.
وفي العام 2003 قامت رأس الأفعى، الولايات المُتحدّة الأمريكيّة، بغزو العراق، مدعيةً أنّه يملك أسلحة دمارٍ شاملٍ، وفي العام 2011 انطلقت في سوريّة فورة آكلي لحوم البشر بدعمٍ عربيٍّ فاضحٍ وواضحٍ، تنفيذًا لأوامر واشنطن وربيبتها إسرائيل، وحتى اليوم، بعد مرور 13 عامًا، ما زالت الحرب الأهليّة في هذا البلد العربيّ مُستمرّةً، في الوقت الذي تتواصَلْ فيه عملية التطبيع بين دولٍ عربيّةٍ مع “الكيان الغاصِب” (!)، فهل هذه جائزة الترضيّة الأمريكيّة-الإسرائيليّة للعرب على مُساهمتهم الكبيرة في تحقيق حُلم بن غوريون على حساب أعدل قضية في التاريخ، أيْ القضيّة الفلسطينيّة، التي تمّ وضعها على الرّف دون تحديد موعدٍ لإعادتها للأجندة؟
أخيرًا، يوم الجمعة الـ 27 من شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، أيْ في نفس اليوم الذي رحل عنّا قائدنا وزعيمنا، جمال عبد الناصر عام 1970، اغتالت إسرائيل الأمين العّام لحزب الله، السيّد حسن نصر الله، في اليوم التالي احتفلت القناة الـ 12 بالتلفزيون العبريّ بهذه الجريمة، المُنافية لكلّ شرعٍ وقانونٍ، محليًا كان أمْ دوليًا، حيث احتسوا ببثٍ حيٍّ ومُباشرٍ العرق، وذلك على الرغم من أنّه ورد في (التوراة) “إذا قُتِل عدوّك لا تفرح”، المشهد كان مُثيرًا للحِنق والغضب، ولكن لم أكُنْ أتخيَّل أنْ أرى مواقع التواصل الاجتماعيّ على مختلف مشاربها تعُجّ بالفيديوهات لعربٍ باعوا روحهم وأطاعوا رومهم، يقومون بتوزيع الحلوى احتفاءً باستشهاد السيّد نصر الله! حتى هذا الدرك انحدر البعض من أمّتنا؟ وهل البعض الآخر بات أوطأ من البحر الميِّت؟