أين تقع حدود إسرائيل؟
إسرائيل هي امتداد للأطماع الاستعمارية القديمة، اتخذت في البداية قناع حماية اليهود وإقامة بيت آمن لهم، ثم صار هذا البيت يتسع تحت غطاء أمني وحيوي، ثم صار دينيا توراتيا.
أثارت خريطة “أرض إسرائيل الموعودة” المرسومة بالقماش على كتف جندي إسرائيلي، ردود فعل وتساؤلات كثيرة، هل تمثل هذه الخريطة طموحاً سياسياً حقيقياً لدى قطاع واسع من الإسرائيليين؟
أم أنه أمر هامشي ورمزي، وهل هناك من يظن أن هذا أمر قابل للتنفيذ؟
خلال تاريخ الصراع في المنطقة، خرج كثير من العرب ومن الفلسطينيين في مقولات، بأن قضية فلسطين هي قضية الفلسطينيين لوحدهم، كثيرون قالوا وما زالوا يقولون، إن بلدانهم وشعوبهم قدمت الكثير من التضحيات وتعرضت للأذى لأجل فلسطين، خصوصاً دول الجوار، التي لها حدود جغرافية مع فلسطين، وهي مصر والأردن وسوريا ولبنان، وكذلك تلك الدول التي لا تحد فلسطين جغرافيا، ولكنها أرسلت قوات إلى فلسطين عام 1948 ولاحقا في أكثر من جولة مثل العراق.
الإجابة تأتي من أرض الواقع، ومن تدحرج وتوسع مساحة إسرائيل المفترضة منذ قرار التقسيم عام 1947، وإسرائيل لم تتوقف ولا لحظة واحدة عن التوسع، ولا عن التخطيط لإضعاف العرب في كل مكان، وإجهاض أي قوة عربية إقليمية صاعدة. على الرغم من توقيع اتفاقات سلام مع مصر والأردن والسلطة الفلسطينية، فالأطماع زادت، السلام مع مصر كان تكتيكياً لأجل عزل أكبر دولة عربية وتحييدها من الصراع، وهو ما نراه في حرب الإبادة على قطاع غزة وتدمير الضفة الغربية، مصر تتصرف كدولة محايدة في أحسن الأحوال، فحافلات المساعدات متوقفة بالمئات على أرضها، وتعجز عن إدخالها، بينما أهل القطاع يقضون جوعاً.
كذلك الأمر مع الأردن الذي حظي مقابل السلام برعاية وهمية للمقدسات في القدس، من دون أي التزام، فإسرائيل تتوسع في القدس وتهدم وتطرد السكان، ويستباح المسجد الأقصى بصورة متواصلة من قبل المستوطنين، الذين لا يخفون هدفهم ببناء الهيكل الثالث في باحة المسجد، الذي يعتبره المسلمون أولى القبلتين وثالث الحرمين، إضافة إلى التهديدات المستمرة والتصريحات من قوى باتت متنفذة جدا في إسرائيل، بأن مكان الفلسطينيين ودولتهم في شرق الأردن.
صحيح أن عرباً كثيرين استشهدوا في حروب إسرائيل، ولكن ما يجب أن يكون واضحا، هو أن هؤلاء الشهداء من العرب إلى جانب إخوانهم الفلسطينيين دافعوا عن بلدانهم أيضا، وليس فقط عن فلسطين، إضافة لدفاعهم عن المدينة المقدسة المنتهكة يومياً.
المنطقة العربية كلها مستهدفة، بصورة مباشرة أو غير مباشرة، وما من قُطر عربي إلا وللصهيونية وأمريكا فيه أطماع، وهذا طبيعي جدا، إذ لا يمكن فصل الأطماع الصهيونية عن الأطماع الاستعمارية القديمة، مع الاختلاف في الشكل والتطبيق، فالتحالف مستمرٌ بين دول الاستعمار القديم، وإسرائيل هي الابن الشرعي لهذا الاستعمار، الذي لولاه لما قامت إسرائيل أصلا، ولا صمدت، فهي جزء عضوي لا يتجزأ من المنظمة الاستعمارية القديمة التي غيرت جلدها، من الاحتلال المباشر إلى الالتفافي، وما زالت لها مصالحها ومرتبطة بصورة وثيقة بقوة إسرائيل وخدماتها.
الجولان محتل منذ أكثر من نصف قرن، وأقام الاحتلال فيه خمسا وثلاثين مستوطنة، وتعتبره منطقة سياحية، وعمقا أمنيا، ويعترف قادة الاحتلال المخضرمين بأن إسرائيل كانت تستفز الجيش السوري قبل عام 1967 لجره إلى مواجهة كانت تخطط من خلالها لاحتلال الجولان والبقاء فيه.
الجولان هدف قديم لإسرائيل، أمني واقتصادي، لم يحتله بن غفير نجم هذه الأيام، ولا حتى نتنياهو أو حزبه، بل ما كان يعتبر اليسار في إسرائيل بقيادة حزب العمل، لم يكن الطرح الديني التوراتي واضحا في خطاب حزب العمل عام 1967، بل كان خطابا يرتدي لباس الاشتراكية الدولية، والسعي إلى السلام والتعاون، ولكنه اعتبر الجولان منطقة حيوية لدفاع إسرائيل عن نفسها ومصدراً للماء، وبادر لإقامة المستوطنات فيه، وكان قد طرد خلال الحرب حوالي 140ألف مواطن سوري من الجولان وهدم حوالي أكثر من 130 قرية وعشرات المزارع.
بدأ الاعتداء على لبنان منذ عام 1948، عندما أرغمت دولة الاحتلال مئات آلاف الفلسطينيين على النزوح إليه، ومنع عودتهم إلى قراهم ومدنهم التي طردوا منها، وكانت تحملهم في حافلات عسكرية وتوصلهم إلى الحدود اللبنانية، وتطلق النيران على من يحاول الرجوع، وعمليا فإن لبنان لا يدافع عن فلسطين، بل عن نفسه وعن أرضه وسيادته.
تحمل لبنان الكثير بسبب القضية الفلسطينية، ولكن مصدر معاناته الأساسي في العقود السبعة الأخيرة هو الصهيونية التي لم تحترم سيادته، ولم تخف أطماعها في ثرواته، آخرها حقول الغاز في مياه لبنان الإقليمية، لولا تهديدات حزب الله التي أدت إلى تقوية موقف الحكومة اللبنانية برئاسة ميشيل عون، ووقعت اتفاقاً مع حكومة يائير لبيد حول الحدود المائية، وذلك في أكتوبر 2022، ما يتيح للبنان الاستفادة من الغاز.
من اللافت أن هناك أصواتا صهيونية من أوائل المستوطنين في الضفة الغربية، تدعو إلى الاستيطان في جنوب لبنان، وتصور الأمر كما جرى في الضفة الغربية، فالاستيطان في الضفة الغربية لم يكن شعبياً في بدايته، ولكنه بات بديهياً في حياة الإسرائيليين، إضافة إلى أن مساحة حوالي 25 كيلومترا مربعا، هي جزء من مزارع شبعا ما زالت محتلة منذ عام 1967.
حزب الله تدخل إلى جانب الفلسطينيين في معركة “طوفان الأقصى” ولكنه يعلن في الوقت ذاته بأنه يدافع عن لبنان، وليس فقط عن مظلومية الفلسطينيين، وهذا صحيح، وتدعمه الحقائق على الأرض.
في عام 1956 شاركت إسرائيل بريطانيا وفرنسا في العدوان على مصر، وذلك بعد إعلان مصر تأميم قناة السويس! إسرائيل اصطفت إلى جانب الدول الاستعمارية، لأنها كانت وما زالت ترى في نفسها جزءا من المنظومة الاستعمارية والغرب “المتحضر” في مواجهة العالم المتخلف المتوحش الذي يمثله العرب والمسلمون، وهي ترى في دعم الغرب لها بأنه حق وليس مِنة، لأنها تمثل رأس الحربة لحماية مصالح الغرب، وعلى رأسه أمريكا، وقد سبق وعبر رئيس حكومة إسرائيل الأسبق مناحيم بيغين عن ذلك، بُعيد الحرب على لبنان عام 1982 بقوله، من على منصة الكنيست، ما معناه “إذا كانت أمريكا تقدم لنا السلاح والمال، فنحن نقدم دماء أبنائنا في خدمة المصالح المشتركة للطرفين”.
اللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة، يحرّض على كل قوة عربية أو إسلامية صاعدة، حتى إقناع صانعي القرار في أمريكا بمهاجمتها وتقويضها، وهذا ما فعلوه في العراق، مستغلين أخطاء النظام، إضافة ليد إسرائيل التي تعمل منذ عقود في كردستان، مستغلة القضية الكردية للإضرار بالعراق.
إسرائيل هي امتداد للأطماع الاستعمارية القديمة، اتخذت في البداية قناع حماية اليهود وإقامة بيت آمن لهم، ثم صار هذا البيت يتسع تحت غطاء أمني وحيوي، ثم صار دينيا توراتيا.
يرى في أرض إسرائيل الموعودة، مثل الرسمة على كتف الجندي حقاً له، ويتنازل كثيرا إذا وافق على أقل مما في يظهر في الصورة. لا حدود معروفة لدولة الاحتلال، وإذا سألت أي إسرائيلي، ما إذا كان بإمكانه أن يشير إلى حدود دولة إسرائيل، لما حصلت على إجابة شافية.
الحقيقة أن الأطماع لا تترجم من خلال السيطرة العسكرية المباشرة فقط، فقد تتم من خلال تعاون أمني سري أو علني، ومن خلال التطبيع، والعمل لحماية الأنظمة التي تتقاطع مصالحها مع مصالح أمريكا وإسرائيل، مقابل تنازلات عن حقوق العرب والفلسطينيين والمسلمين.