أمريكا

أين الخطأ في قانون “تيك توك”؟

لا يشكل "تيك توك" التطبيق الوحيد الذي يعمل في الولايات المتحدة ويقدم معلومات مضللة على منصته، ويسهل التدخل في الانتخابات

في 13 مارس (آذار)، أقر مجلس النواب الأميركي مشروع قانون من شأنه أن يحظر على الأميركيين الوصول إلى تطبيق “تيك توك” لأشرطة الفيديو، ما لم تقدم شركة “بايت دانس” Byte Dance المستقرة رئاستها في الصين، على بيع حصتها في التطبيق خلال ستة أشهر. وبطرق عدة، بدا ما سمي “مشروع قانون تيك توك” نصاً تشريعياً قوياً، إذ أقر بغالبية ساحقة بلغت 352 صوتاً، ما عبر عن مستوىً نادر من التوافق بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي. ويطال مشروع القانون ما هو أبعد من “تيك توك” بحظره تطبيقات أخرى تسيطر عليها “بايت دانس”. كذلك يفرض مشروع القانون رقابة على تطبيقات حالية وأخرى مستقبلية ذات صلة بكبار المنافسين الاستراتيجيين للولايات المتحدة كالصين وإيران وكوريا الشمالية وروسيا، محذراً من أنها أيضاً قد تخضع لعقوبات تشمل الغرامات المالية أو الإنهاء القسري للاستثمار في الملكية أو الإنهاء الإجباري للأعمال.

وسعى ذلك التشريع إلى التعامل مع مجموعة واسعة من المشكلات، إذ اقتبس أحد واضعي مشروع القانون، النائب الجمهوري مايك غالاهار، بمجموعة من إحاطات الأمن الوطني التي أفادت بأن “تيك توك” ينتهك خصوصية المستخدمين، ويستهدف الصحافيين، ويسهل التدخل في الانتخابات، إذ أشار مدير “مكتب التحقيقات الفيدرالية”، اختصاراً “أف بي أي” FBI، كريستوفر راي، أثناء إدلائه بشهادة أمام الكونغرس، إلى أن الحكومة الصينية تستطيع السيطرة على ملايين الأجهزة عبر ذلك التطبيق، من دون معرفة المستخدمين على الأرجح. أبعد من المخاوف المتصلة بالأمن الوطني، هنالك مثيلاتها في الاقتصاد، إذ على خلاف منافساتها الأميركية، تعمل “بايت دانس” في الصين والولايات المتحدة معاً، ما يمنحها أفضلية في تطوير خوارزميات السوشيال ميديا ومنتجات الذكاء الاصطناعي. [الخوارزميات algorithms هي المعادلات الرياضية التي تعمل بموجبها البرامج والتطبيقات والآلات الرقمية، من ثم فإنها تحدد آلية وظائفها وأعمالها كلها].

 وعلى رغم من تركيز مشروع القانون على “تيك توك”، فإنه ينطبق على كل التطبيقات المتصلة بصورة أساسية مع البلدان الأربعة التي يحددها القانون الأميركي بوصفها “خصوماً”. ويرمي هذا التوسع إلى تجنب انتهاك بند في الدستور الأميركي يحظر على جهات التشريع فرض عقوبة على شخص ما أو مجموعة من الأشخاص، قبل المحاكمة. في المقابل، يحتفظ “مشروع قانون تيك توك” بتركيز مثير للجدال على معطى الفردية، بما في الشركات المفردة وأصناف محددة من الناس. من ثم يخاطر هذا التركيز بترسيخ سياسة أميركية عامة تستهدف شركات معينة وأشخاصاً محددين، بدل إجراء مراجعة منهجية لمأمونية الفئات المختلفة من المنتجات التكنولوجية.

على رغم من تشارك أعضاء مجلس شيوخ من الحزبين السياسيين الرئيسين، الرغبة في وضع تشريع تنظيمي عن “تيك توك” فإن مشروع القانون المتعلق بذلك التطبيق، بات عالقاً الآن في مجلس الشيوخ لأن المشرعين يناقشون مراجعة لغته ومقاربته. وتبرهن الجهود الأميركية المتطاولة في التدقيق بـ”تيك توك”، على أن محاولة تنظيم الشركات المفردة يستغرق وقتاً طويلاً ويوِّلد نتائج غير مؤكدة. إن مكونات مشروع القانون المتعلقة بأفراد أجانب، قد تشجع التمييز على أساس الأصل القومي ضد فئات من الناس يشكلون جزءاً لا يستعاض عنه من قوة العمل الأميركية في قطاع التكنولوجيا. وإذا أقر في شكله الحاضر، سيلقي مشروع القانون بضغوط على علاقات الشخصية والمؤسساتية التي تؤدي أدوار حيوية عبر طرقها الخاصة، في الأمن القومي الأميركي. ويقصد بذلك، تلك الأشكال من التعاون بين المستثمرين الصينيين والأميركيين التي تساعد في تخفيض المحفزات على العداوة الصريحة بين بلديهما.

وبدلاً من استهداف شركات مفردة بعينها، على نحو ما يرومه “مشروع قانون تيك توك”، يجب على الحكومة الأميركية أن تصطف إلى جانب حلفائها وشركائها كأوروبا واليابان، بل حتى ولايات على حدة مثل كاليفورنيا ويوتاه وفيرجينيا التي سنت بالفعل قوانين عن خصوصية البيانات مصممة لحماية بيانات المستهلك خلال عمليات تجميعها واستخدامها. ويجب ضخ طاقة الدفع تلك في المنظومة التشريعية الأوسع التي تدعم زيادة الحماية لبيانات المستهلك، وتحسين تعليم المستخدم، والتوصل إلى اتفاقات جديدة عن التجارة الرقمية. وبالفعل، يمثل “تيك توك” تهديداً مميزاً للأمن القومي الأميركي بسبب صعود شعبيته بين الأميركيين، مع حدوث أمر مماثل في المكان الذي تستقر فيه الشركة المالكة له. في المقابل، يشكل أذى “تيك توك” مجرد جزء من منظومة تكنولوجية أوسع نطاقاً في الولايات المتحدة تتسم بالقابلية للاختراق وغياب التشريعات التنظيمية عنها. يجسد “مشروع قانون تيك توك” الحل الخطأ لمشكلة حقيقية.

خطورة انتشار الميول العامة

في شكله الحاضر، استهلت حياة “تيك توك” في عام 2018 حينما أدمجت “بايت دانس”، شركة صينية رائدة في تقنيات الإنترنت، تطبيقاً صينياً متألقاً مخصصاً للترفيه الشبابي [تيك توك]، مع تطبيق “ميوزيكال. أل واي” Musical.ly، التطبيق الصيني الرائج عالمياً والمخصص لصنع الموسيقى وأشرطة الفيديو الذي استحوذت عليه “بايت دانس” في العام السابق. في أواخر عام 2019، استقطب ذلك التطبيق 55 مليون مستخدم في أميركا الشمالية، بالتساوي مع تطبيق “لينكدأن” LinkedIn. من ثم حل “تيك توك” في المرتبة الـ15 في تصنيف تطبيقات السوشيال ميديا الأكثر شعبية في أميركا. لكن، لم يبدأ السياسيون الأميركيون في إبداء الاهتمام في شأن “تيك توك” إلا بعد توسع استخدامه على نحو ضخم في صفوف الأميركيين خلال الإغلاقات التي فرضت أثناء الأشهر الأولى من جائحة “كوفيد- 19”.

في صيف عام 2020، وبزعم أن “تيك توك” شكل خطراً على الأمن القومي والاقتصاد الأميركي، حاول الرئيس دونالد ترمب حظر التطبيق من العمل في الولايات المتحدة، بواسطة أمر تنفيذي. وكذلك أصدر أمراً تنفيذياً يحظر الأميركيين أفراداً وشركات، من إجراء تعاملات مالية عبر تطبيق آخر في السوشيال ميديا مملوك للصين، “وي شات” WeChat، سعياً من ترمب إلى تحطيم عمليات ذلك التطبيق في الولايات المتحدة. رفعت “بايت دانس” سلسلة من التحديات القانونية أدت إلى لجم الحظر المقترح، وأصرت على أنها قد تفضل إيقاف عمليات التطبيق في الولايات المتحدة، على بيعه.

في يونيو (حزيران) 2021، ألغى الرئيس جو بايدن أوامر ترمب التي تحظر تلك التطبيقات الصينية. في المقابل، مضت إدارة بايدن في الدفع بـ”لجنة الاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة” المنوط بها مراجعة تداعيات الاستثمارات الأجنبية على الأمن الوطني في الوكالات الحكومة كلها، باتجاه التدقيق في “تيك توك”. في ديسمبر (كانون الأول) 2022، وقع الرئيس بايدن “قانون حظر تيك توك في الأجهزة الحكومية”، وحظر استخدام “تيك توك” في كل الأدوات التي تشتريها الحكومة الفيدرالية.

سرع الكونغرس تدقيقاته في “تيك توك” خلال عام 2023. وفي مارس من ذلك العام، أدخل السيناتور مارك وارنر، من ولاية فرجينيا، “قانون رستريكت” الذي يخول وزارة التجارة مراجعة بعض التعاملات بين الولايات المتحدة وخصومها الأجانب، وكذلك اتخاذ إجراءات بهدف، وفق لغة مشروع القانون ذلك، “التعرف وردع وخلخلة وحظر وتقصي أو استبدال ذلك بالتخفيف، حيال أي خطر” تتوصل المراجعة إلى تعريفه. في الشهر نفسه، استدعت “لجنة الطاقة والتجارة” في مجلس النواب، المدير التنفيذي لـ”تيك توك”، تشو شيو، للشهادة في شأن خصوصية البيانات في التطبيق، والممارسات المتعلقة بسلامة الأطفال. في يناير (كانون الثاني) 2024، صب أعضاء “لجنة مجلس الشيوخ القضائية” نار أسئلتهم على شيو خلال جلسة استماع عن سلامة الأطفال على الإنترنت. وأضيف إلى ذلك، في الخامس من مارس 2024، أن غالاهار والنائب راجا كريشنامورثي، من ولاية إلينويز، أدخلا “مشروع قانون تيك توك”، ومارسا ضغوطاً لمصلحته، فمرره مجلس النواب خلال أسبوع.

بأي وسيلة كانت، لا يشكل “تيك توك” التطبيق الوحيد الذي يعمل في الولايات المتحدة ويقدم معلومات مضللة على منصته، ويسهل التدخل في الانتخابات. في المقابل، يختلف “تيك توك” بشكل محمل بالدلالة عن منافسيه الأميركيين، حينما ينظر إلى خوارزمياته، إذ تسعى تطبيقات السوشيال ميديا إلى إخفاء طرق تدريبها وإدارتها للخوارزميات، ما يزيد من خطر تقديمها معلومات مضللة على منصاتها أو تشجيعها ممارسات استغلالية في جمع البيانات. في المقابل، تعطي تشريعات الحكومة الصينية مساحة أوسع للآليات القانونية كي تمارس ضغوطاً على التطبيقات الصينية سياسياً واقتصادياً.

آين كوكاس فورين أفيرز

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى