أين الحركات النسوية الغربية مما يحدث في غزة؟
بينما تعج وسائل التواصل الاجتماعي بالضجيج حول النسوية والهيمنة الذكورية بسبب فشل فيلم باربي بالفوز بترشيح للأوسكار، تُهمل مأساة النساء الفلسطينيات اللاتي يواجهن ظروف ولادة بالغة القسوة دون رعاية طبية أو حتى الحد الأدنى من شروط النظافة
في خضم الحرب الوحشية في غزة، تتكشف مأساة لا تحتمل، تتمثل بشكل خاص في معاناة النساء والأطفال الفلسطينيين، وهي معاناة تتجاوز الوصف وتحدي الفهم الإنساني. وسط هذا العنف المتفاقم، يبرز صمت ملحوظ من جانب الحركات النسوية الغربية، صمت يطرح تساؤلات جدية حول التزاماتهن الأخلاقية ومبادئ حركتهن النسوية.
وسائل الإعلام الغربية، من جهتها، قد ساهمت في تعزيز سردية مثيرة للاشمئزاز تدعم إسرائيل وكأنها في حرب مقدسة من أجل الحضارة، بينما تُظهر الشرق الأوسط على أنه منطقة متخلفة. هذه التصويرات المشوهة تؤثر على الرأي العام الغربي وتغذي الصور النمطية السلبية، مما يضيف طبقة أخرى من العنصرية لرؤية الغرب وفكره.
ورغم أن تقارير منظمات مثل هيومن رايتس ووتش والعفو الدولية تلقي الضوء على العنف الممنهج ضد المدنيين في غزة، مؤكدة على الحاجة الماسة لإدانة العنف الجنساني ودعم النساء ضحايا النزاعات، يبدو أن هناك معايير مزدوجة في الاستجابة لنساء غزة. إذ تركز وسائل الإعلام والتقارير الغربية فقط على النساء الإسرائيليات، بينما تظل مأساة النساء الفلسطينيات في الظل، مما يعكس تجاهلاً بائساً لنضالاتهن.
كجزء من القيم الإنسانية الأساسية، يجب علينا التأكيد على دعم النساء والوقوف ضد جميع أشكال العنف الجنسي. ولكن، خلال العدوان الإسرائيلي على غزة، نواجه تناقضاً صارخاً في المعايير، تحظى قصص النساء الإسرائيليات بتقدير واسع وتغطية إعلامية مكثفة، في المقابل، تبقى مأساة النساء الفلسطينيات مخفية وبعيدة عن الأنظار، رغم أن محكمة العدل الدولية، في تقاريرها، قد أشارت إلى أن الأفعال الإسرائيلية في غزة قد تصل إلى حد الإبادة الجماعية، مما يستلزم تحركاً عاجلاً ومسؤولية دولية. رغم ذلك، يبقى صوت النسويات الغربيات مكتوماً، ويظهر تعاطفهن بشكل انتقائي، مما يطرح تساؤلات حول الالتزام الحقيقي للحركات النسوية في الغرب بمبادئ العدالة والمساواة.
يكشف هذا التعاطف الانتقائي عن الوجه الحقيقي لما يمكن أن نسميه النسوية الإمبريالية، إذ تنتقي القضايا التي تتماشى مع الأذواق الغربية وتتجاهل عن قصد معاناة النساء الحقيقية على أيدي القوى الغربية. ولنتأمل هنا ردة الفعل العالمية تجاه الشابة الإيرانية مهسا أميني، التي قتلت بشكل مأساوي بسبب. احتشدت حينها العديد من الحركات النسوية حول العالم، ونظمت احتجاجات دراماتيكية لقص الشعر في قلب لندن. ولكن أين هو نفس الغضب تجاه النساء الفلسطينيات اللواتي يواجهن القتل بأبشع الطرق، والتشريد والعنف الجسدي والنفسي، والاعتقال وغيرها من أفعال ربما يصعب تخيلها في تلك المذبحة داخل غزة؟
لقد كشفت الحرب الهمجية على غزة مدى الخواء الأخلاقي التي أصيبت به الحركات النسوية الغربية وانصياعها المخزي للأجندة والمصالح الغربية، لذلك الآن، أكثر من أي وقت مضى، تبرز الحاجة الماسة إلى حركة نسوية عالمية؛ واحدة تتخطى الحواجز الجغرافية وتعانق إنسانية كل امرأة على هذا الكوكب. النساء الفلسطينيات، بشكل خاص، يستحققن تضامناً لا محدوداً، إذ يجب أن تُسمع وتروى قصصهن البطولية عن المقاومة، والشجاعة، والصمود في وجه الاحتلال والاضطهاد، فالصمت ليس خياراً عندما تكون حياة بشر أبرياء على المحك.
صمت الحركات النسوية الغربية عن حرب غزة إفلاس أخلاقي
لا يمكن الدفاع عن حقوق المرأة بينما نتجاهل في الوقت ذاته الظلم الممنهج الذي يعاني منه الشعب الفلسطيني ونساؤه، إن الصمت المدوي من قبل أولئك الذين يُفترض بهم أن يقودوا النضال ضد العنف الممارس على النساء والأطفال في غزة، يقف في تناقض صارخ مع المبادئ الأساسية التي تزعم الحركة النسوية الغربية الدفاع عنها، فعلى يد الاحتلال الإسرائيلي الذي تصوره الحكومات والإعلام الغربي بأنه متحضر، تتعرض النساء الفلسطينيات لمعاناة شديدة تفوق الوصف، محاصرات بين الموت قصفاً أو جوعاً الجوع، نقص المياه النقية، والافتقار المروع للمستلزمات الأساسية، حتى أن بعضهن يُجبرن على أكل العشب للبقاء على قيد الحياة.
بينما تعج وسائل التواصل الاجتماعي بالضجيج حول النسوية والهيمنة الذكورية بسبب فشل فيلم باربي بالفوز بترشيح للأوسكار، تُهمل مأساة النساء الفلسطينيات اللاتي يواجهن ظروف ولادة بالغة القسوة دون رعاية طبية أو حتى الحد الأدنى من شروط النظافة، مع غياب التخدير للولادة القيصرية الضرورية ووفاة الأطفال حديثي الولادة التي تمزق القلوب بسبب نقص الرعاية الصحية. هذا الصمت الذي يعري العالم يكشف بوضوح عن الإفلاس الأخلاقي العميق الذي تعاني منه الحركات النسوية الغربية، من خلال تجاهلها المتعمد معاناة النساء الفلسطينيات.
لذلك تبرز الحاجة الملحة اليوم لتوجيه الاهتمام والدعم نحو النساء الفلسطينيات اللاتي يواجهن العنف والقمع بشكل يومي. تتشابك حكاياتهن مع الألم والأمل وقوة لا تُقاس، من الأمهات اللاتي يصبن كل جهدهن في حماية أبنائهن وسط زخات القنابل، إلى الشابات المناضلات اللاتي يوثقن بشجاعة نضال أمتهن. قصصهن تستحق أن تُسمع وتُرى. بتسليط الضوء على هذه الأصوات، نتحدى الواقع القائم ونعلي صوت العدالة.
الحرب على غزة كشفت بوضوح الزيف والنفاق اللذين يعتريان الحركة النسوية الغربية. فالسكوت عن معاناة نساء غزة لا يمثل فقط تفريطاً أخلاقياً؛ بل يشكل خيانة صريحة للقيم التي من المفترض أن الحركة النسوية تدعي أنها تعمل تحت لوائها.