تظرنا الكثير في تركيا أيضاً حول السيناريوهات المحتملة في مسار ومصير الملفّ السوري، بعد ساعات الفرح مع الشعب السوري بنجاح ثورته التي جاءت صادمة ومذهلة في الساعات الأخيرة… هنا استعراض لأولويّات تركيا في “اليوم التالي” على نجاح الثورة السورية في خلع الرئيس بشّار الأسد ونظامه، وعلى رأسها “عودة سوريا إلى المنظومة العربية”.
عندما يقول الرئيس الأميركي المُنتخَب دونالد ترامب قبل تسلّمه مهامّ الرئاسة في البيت الأبيض إنّ روسيا وإيران في حالة ضعف الآن، وهو يعقّب على تطوّرات المشهد السوري، فهو يضع قنبلة موقوتة تحت طاولة الآستانة للحوار حول مستقبل سوريا ليطيح بها تماماً ويعلن أنّ الحليف التركي لعبها باحتراف وهو “يكوّع” في سياسته السورية: يبتعد عن طهران ويحاصر موسكو بخيار الحوار والتفاوض مع واشنطن، ويلزم الثلاثة بدعمه لوجود الشريك العربي إلى الطاولة السورية كما رأينا في الدوحة قبل أيّام .
تستعدّ القيادة التركية للمرحلة المقبلة في سوريا، مع التركيز على الكثير من التهديدات والمخاطر الأمنيّة والسياسية التي تذهب باتّجاه أنّ الأمور لم تنتهِ. وهناك أكثر من جبهة لا تزال مشتعلة أو غامضة محلّياً وإقليمياً في التعامل مع الملفّ السوري.
ماذا ستفعل تركيا مع المسألة الكرديّة؟
ستواصل تركيا تعزيز وجودها العسكري في شمال سوريا مع زيادة الانخراط في حسم مسألة “قوات سوريا الديمقراطية” ومشروعها السياسي وعلاقتها بواشنطن، خصوصاً بعد تمدّدها الجغرافي الأخير:
- إمّا أنّها ستنفّذ عمليّتها العسكرية التي تصرّ عليها بعد التفاهم مع واشنطن.
- وإمّا أنّها ستترك الفصائل السورية المعارضة تحسم المسألة على طريقتها كما حدث في الأسبوعين الأخيرين.
- كما ستسعى إلى الحفاظ على الفرصة الإضافية والدور الفاعل الذي وصلت إليه في صياغة الحلّ السياسي في سوريا، عبر تعزيز تعاونها مع روسيا وأميركا واللاعب العربي، خاصة مصر والسعودية والعراق.
إقرأ أيضا : هل تقترب الصين من التدخل في ميانمار
تركيا ترعى الحوار الإقليميّ
- ستساهم تركيا أيضاً في بناء منصّة الحوار الإقليمي الجديدة مع إيران في ضوء المتغيّرات، على أمل أن يدفع ذلك طهران نحو تموضع جديد في التعامل مع ملفّات سياسية وأمنية بينها لبنان وسوريا واليمن، إذا ما كانت الأخيرة تريد نسيان ما حصل في سوريا والعراق.
- وستخطّط منذ اليوم لمسائل إعادة الإعمار في شمال سوريا وتوفير الدعم الاقتصادي لهذه المناطق من أجل تحقيق استقرار طويل الأمد وضمان بيئة آمنة للّاجئين السوريين العائدين.
- وستعمل على تسريع عملية رفع العقوبات الدولية عن سوريا لتمكينها من مواجهة التحدّيات المالية والاقتصادية التي تعيشها البلاد والتعامل مع متطلّبات المرحلة الجديدة.
- إضافة إلى مواصلة جهود بناء المنصّة الإقليمية الجديدة لدعم وتسريع الحلحلة في سوريا عبر تشكيل آليّة سياسية تسهّل مرحلة التسليم والتسلّم والانتقال السياسي والدستوري بناء على القرار الأممي 2254 وبما يلبّي تطلّعات الشعب السوري .
ستواصل تركيا تعزيز وجودها العسكري في شمال سوريا مع زيادة الانخراط في حسم مسألة “قوات سوريا الديمقراطية” ومشروعها السياسي وعلاقتها بواشنطن
ليونة إضافيّة للإسلاميّين في سوريا
في أولويّات تركيا أن تدفع “هيئة تحرير الشام” نحو المزيد من التحوّل والليونة والقطع مع رواسب أفكار التطرّف التي حملتها معها من رواسب “جبهة النصرة” ، وتسهيل استمرارية التنسيق بين الفصائل السورية كما حدث في عملية “ردع العدوان”.
فهل يصل الأمر إلى البحث عن إمكانية تسهيل قراءة إقليمية جديدة حولها لتكون شريكاً على الطاولة السياسية السورية بعباءة جديدة مغايرة لما ترفعه وتتبنّاه من شعارات؟
الأكيد أنّ مسار الملفّ السوري بدأ يتحوّل في الداخل في ضوء التفاهمات الإقليمية الأخيرة المحكومة بتوازنات جديدة نتيجة تغيّرات في الديناميكيات. وتركيا التي كانت تلوّح للنظام قبل أشهر بالحوار، خرجت من هذه الوضعية لأنّ الأسد تمسّك بالورقة الإيرانية، ونعم ما فعل. لكنّ التحدّيات التي تنتظر أنقرة في سوريا ما زالت كثيرة ومتشعّبة ومعقّدة.
من سيسدّد ديون الأسد لطهران وموسكو مسألة لا تهتمّ بها تركيا من قريب أو من بعيد.
الأهمّ ختاماً أنّ العودة الكاملة لسوريا إلى المنظومة العربية ستكون بين أهمّ أولويّات أنقرة في المرحلة المقبلة.