أوروبا

أولمبياد باريس.. وانهيار الحضارة الغربية!

جاء الاحتفال بافتتاح أولمبياد باريس ليوضح أن انهيار القيم والأخلاق مقدمة لانهيار شامل، حيث يرى رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان أن هذا الاحتفال دليل على ضعف الغرب وتفككه

هناك الكثير من الأدلة العلمية على أن الحضارة الغربية بكل ما حققته من تقدم في طريقها إلى الانهيار، وأن سقوطها سيكون خلال هذا العقد، وأنه لن يتمكن أحد من إنقاذها.

ولقد جاء الاحتفال بافتتاح أولمبياد باريس ليوضح أن انهيار القيم والأخلاق مقدمة لانهيار شامل، حيث يرى رئيس الوزراء المجري فيكتور أوربان أن هذا الاحتفال دليل على ضعف الغرب وتفككه، وأنه تجسيد للخواء الأخلاقي في الغرب، الذي تخلى تدريجيا عن الروابط الروحية والفكرية مع الخالق والوطن والأسرة، وأن مشهد الافتتاح يعني تدهور القيم الأخلاقية العامة في المجتمع. فقد أثار مشاعر الكثيرين مشهد المتحولين جنسيا في بداية الاحتفال، وهم يسخرون من المسيح، واستنكر الكثير من أساقفة فرنسا هذا المشهد.

الجديد في المشهد أن بعض الصحف الفرنسية بدأت الهجوم على مفهوم الحريات الليبرالية، وقالت إنه أصبح يعبر عن تراث وثقافة الإلحاد واللادينية الليبرالية، وما يلحق بها من ثقافة الانحطاط الأخلاقي الغربي، وإن المتحولين جنسيا داسوا بأقدامهم مقدسات المسيحية، وتعاليم المسيح، وكان هدف الاحتفال هو تكريس حرية الجنس والإباحية وحرية التحول الجنسي، وحرية ممارسة الجنس مع الأطفال (البيدوفيليا). وأوضحت أن الاحتفال كان يهدف إلى تحويل المتحولين جنسيا إلى رموز للمجتمع الغربي يتم تكريمهم والاحتفاء بهم. فهل هذه هي قيم الليبرالية الغربية؟! وهل هذا هو التقدم الغربي؟!!

كان من أهم المشاهد التي أثارت مشاعر المسيحيين في كل قارات العالم مشهد لوحة العشاء الأخير، وهي لوحة رسمها ليونارد دافنشي في القرن الخامس عشر؛ إذ قام أحد المتحولين جنسيا بتجسيد المسيح، وكان يرقص ويزحف ويطلق إيحاءات جنسية، وشكّل ذلك إهانة للمسيح، وهي إهانة يرفضها المسيحيون كما يرفضها المسلمون الذين يؤمنون بأن المسيح عيسى بن مريم رسول الله، وكلمته ألقاها إلى مريم، وأنه بشر مثل آدم عليه السلام {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ}. (سورة آل عمران: 59).

لذلك يرفض المسلمون هذه الإهانة للنبي عيسى بن مريم عليه السلام، كما يرفضون أية إهانة لكل أنبياء الله.

لكن ما يعنينا في هذا المشهد أنه يوضح أن الغرب يعيش أزمة أخلاقية، وأن هذه الأزمة ستؤدي إلى تدمير الغرب ذاتيا، وأن هذا الانحراف الجنسي سيكون من أهم العوامل التي تدفع المجتمعات الغربية نحو الانهيار، وأن المجتمعات الغربية لن تتمكن من الدفاع عن نفسها في مواجهة هذه الأزمة.

لو عدنا إلى قراءة التاريخ فسنكتشف أن الأزمات الأخلاقية من أهم أسباب سقوط الحضارات، وقد تنبه الآباء المؤسسون للولايات المتحدة لخطورة هذه الأزمة، وأنها كانت أهم أسباب انهيار الإمبراطورية الرومانية؛ لذلك حاولوا أن يتجنبوا هذه العامل بتوجيه الشعب الأمريكي إلى دراسة تاريخ الإمبراطورية الرومانية، والمحافظة على منظومة قيم تشكل أساسا لتماسك المجتمع واتحاده.

كما اعتبرت الصحافة الأمريكية أن من أهم وظائفها الكشف عن الانحرافات والفساد، وتحذير المجتمع من الأخطار، وتمكنت بذلك من حماية المجتمع الأمريكي.

لكن من الواضح أن الرأسمالية تحكمت في الصحافة ووسائل الإعلام، فلم تعد تستطيع القيام بهذه الوظيفة؛ مما أدى إلى تزايد حدة الأزمة الأخلاقية.

من أهم القوانين التي توصل إليها ابن خلدون أن الفساد الأخلاقي من أهم أسباب انهيار الحضارات؛ حيث يقول: “إذا تأذن الله بانقراض الملك من أمة، حملهم على ارتكاب الرذائل وسلوك طريقها”.

وعلى النهج نفسه سار المؤرخ الإنجليزي إدوارد غيبون وهو يفسر انهيار الإمبراطورية الرومانية، حيث اعتبر أن الإغراق في الترف والملذات، والإكثار من المجون والشهوات من أهم العوامل التي تؤدي إلى انتشار الفساد في المؤسسات السياسية والاقتصادية والعسكرية؛ وهذا يعني أن الأزمة الأخلاقية تؤدي إلى انهيار كل مؤسسات الدولة.

من الواضح أن الحضارة الغربية انحازت إلى الإباحية، ورفضت فكرة الالتزام بالقيم والأخلاق والدين، فأباحت الشذوذ الجنسي، وعملت على فرض ذلك على البشرية كلها، وهذا يعني أن استمرار الحضارة الغربية لا يشكل خطرا على دول الغرب فقط، بل يمكن أن يدفع العالم كله إلى الانهيار.

لذلك فإن الحضارة الإسلامية وحدها هي التي يمكن أن تتقدم لإنقاذ البشرية، وتحميها من السقوط الأخلاقي، فهي حضارة لها منظومة أخلاقية وقيمية، تحمي الإنسان من التركيز على المتع والشهوات، وتجعل لحياته معنى وقيمة وأهدافا عليا.

من دراستي للحضارة الغربية أرى أن الإنسان فقد معنى حياته، فأصبح كل هدفه الحصول على اللذة والمتعة، وهو يحاول الحصول عليهما بأي ثمن.

لذلك فإن الإسلام هو وحده الذي يمكن أن يساعد الإنسان على صياغة جديدة لحياته، ليستعيد حريته الحقيقية المرتبطة بالإيمان، ويبحث لنفسه عن أهداف عظيمة يعيش من أجل تحقيقها.

إعادة صياغة أهداف حياة الإنسان هي الطريق الوحيد لحماية البشرية من الانهيار، ولذلك فإننا يجب أن نقدم الإسلام إلى العالم بوصفه دينًا وحضارة وثقافة ومنهج حياة ومنظومة قيم أخلاقية تحمي الإنسان.

وأعتقد أن المنبهرين بالحضارة الغربية يجب أن يراجعوا أنفسهم، فهذه الحضارة تتجه بسرعة نحو السقوط، وستجذب معها البشرية كلها إلى الهاوية!.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى