كان متوقعا أن يحدث الصراع الروسي الغربي في أوكرانيا، ومحاولة روسيا والصين الصعود والتمرد على الهيمنة الغربية، وخاصة الأمريكية، ميادين أخرى للصراع، خاصة في المناطق الاستراتيجة في العالم العربي وإفريقيا، وذلك أن الذي سيتمكن، من هذه القوى المتصارعة، من بسط يده والتوسع في المناطق ذات البعد الاستراتيجي هو الذي سيعلن فوزه في هذا الصراع.
ودول الساحل والصحراء، وخاصة منها خمس دول وهي موريتاتيا ونجيريا وتشاد وبوركينافاصو ومالي، ليست بدعا ولا استثناء، فهي لها دور كبير في حسم هذا الصراع، وتغليب كفة طرف على آخر، وذلك لما تتميز به من موقع استراتيجي وتنوع الموارد الطبيعية، فموريتانيا وهي من دول الساحل الخمسة، تطل على المحيط الأطلسي المقابل للبر الأمريكي، وإضافة إلى هذا فإن المياه البحرية الموريتانية تتميز بعدة خصائص بيئية، تجعل منها واحدة من أغنى المناطق البحرية في العالم بالأسماك، ولعل من أهم هذه العوامل ما يعرف بظاهرة الأبويلينغ، أي صعود الكتل المائية الباردة من الأعماق إلى الأعلى.
ولا يمكن الكلام عن دول الساحل، دون أن يعرج بنا الحديث على أمر مهم وهو أنبوب الغاز القادم من نيجيريا إلى أوروبا مرورا بعدة دول منها موريتانيا، وهذا الأنبوب لابد من أن يستغله الطرف المنتصر من الأطراف المتهافتة على المنطقة، فهو إما يجعل الغرب يستغني عن الغاز الروسي أو يجعل روسيا تمتلك ورقة ضغط أخرى تضغط بها على الغرب.
وهناك امور أخرى تجعل الغرب وخاصة الإتحاد الأوروبي يتشبت بمنطقة الساحل، وهذا الامر هو ملف الهجرة السرية، ففي دراسة للمركز الدولي للدراسات الاستراتيجية الأمنية والعسكرية، تحت عنوان “الخريطة الجيوسياسية للعالم تبدأ من دول الساحل الإفريقي” جاء فيها أن “الإتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه يستغلون المساعدات التنموية المقدمة لإفريقيا ورقة للضغط لتحقيق مصالحها لا سيما ضبط الهجرة الغير الشرعية، وإحدى الأدوات التي تجسد تركيز الاتحاد الأوروبي على مراقبة الهجرة هي “الصندوق الائتماني الأوروبي للطّوارئ من أجل إفريقيا”، حيث يقدم الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه معظم مساعدات التنمية في العالم، وبلغت هذه المساعدات (75) مليار يورو في عام 2019 نحو ثلث هذه المساعدات تذهب إلى إفريقيا”
ومسالة ضبط الهجرة السرية لها أهمية كبير عند دول الإتحاد الأوروبي، وهي ورقة ضغط تستغل لهم وعليهم، ففي سنة 2021، حين حدث خلاف بين المغرب والإتحاد الأوروبي، قام المغرب بنفض يديه وفتح المجال للمهاجرين القادمين من الجنوب ليعبروا إلى أوروبا، مما جعل الإتحاد الأوروبي وعلى رأسها ألمانيا وإسبانيا في موضع حرج نتج عنه مجموعة من التنازلات لصالح المغرب.
لهذا وغيره سيشتد الصراع حول دول الساحل الإفريقي بين القوى المتواجدة الآن على الساحة الدولية، وذلك لما لها من تأثير مباشر في ترجيح كفة أطرف النزاع.