مليون وثلاثمائة ألف من المدنيين الفلسطينيين في رفح، «إسرائيل» جعلتهم بحكم رهائن ودروع بشرية، تبتز الأمم الإنسانية، أقفلت كلّ الأبواب أمامهم، ومصر أطبقت على أذنيها لا تسمع نداء الإغاثة، فالحواجز عندها جنوب رفح مقفلة والعدو مطبق على شماله وشرقه، والبحر غدار غرباً.
قد جعل العدو من رفح سجناً، أسواره من الحديد والباطون المسلح عند معبر رفح، والنار من الشمال؛ العدو غدار، والعرب والمسلمون خائبون إلا من رحم ربي؛ أُقفلت كلّ الأبواب والعدو جعل من غزة زنازين مقطعة، فما يتسرّب من معلومات عبر مسؤولين صهاينة نقلاً عن إعلامهم انّ التفاوض لهدنة مؤقتة.
والإفراج عن أسرى بين الطرفين ما هو إلا طعمٌ مسموم يحضّر له العدو، سيفتح باباً من السجن الكبير لينتقل عبره النازحون من رفح إلى الشمال تحت عنوان العودة الى منازلهم المهدمة وأرضهم المحروقة، ما ذلك إلا نقلهم إلى زنزانة أخرى لا حياة فيها، ليتخلص من عبء الأمم الضاغطة عليه لتحييد المدنيين، ولكن ايّ تحييد هذا، انه انتقال من الموت تحت النار إلى الموت جوعاً، يفاوض العدو لينهي الثقل الذي ينهكه ايّ إطلاق الأسرى من يد حماس.
فما نقله الإعلام العبري أنّ رئيس هيئة الأمن القومي الإسرائيلي تساحي هنغبي صرح قائلاً: بعد انتهاء اجتماع باريس، مطالب إسرائيل هي: مخطط للإفراج عن جميع المحتجزين، والإفراج الفوري عن جميع النساء، ومثل هذا الاتفاق لا يعني نهاية الحرب…
أما الصحافي «الإسرائيلي» هاليل بيتون روزين فقد نشر تفاصيل الصفقة كما يلي:
«ـ ستفرج «إسرائيل» عن نحو 400 عنصر معاد بينهم نحو 15 قاتلاً على أيديهم دماء مقابل 40 «إسرائيلية» بينهم مجندات،
ـ وقف إطلاق النار لمدة شهر ونصف الشهر،
ـ «إسرائيل» ستقوم في الأثناء بجمع معلومات استخبارية محدودة للغاية، وبعدها يُستأنف القتال،
ـ حماس لم توافق بعد…»
القناة 13 العبرية نقلت مخطط الصفقة الذي تبلور قبل أيام في باريس:
«ستوافق إسرائيل على إطلاق سراح عدد من الأسرى أكبر مما تمّ الاتفاق عليه حتى الآن لفئات معينة».
وقالت: «إنّ إسرائيل مستعدّة لإجراء حوار حول المفرج عنهم في صفقة شاليط والذين تمّ اعتقالهم مرة أخرى وستبدي “إسرائيل” مرونة كبيرة في القضايا الإنسانية – سواء في ما يتعلق بإعادة إعمار قطاع غزة أو في ما يتعلق بعودة السكان إلى شمال قطاع غزة، ولن تلتزم “إسرائيل” بإنهاء الحرب وسنوافق على خطط رفح…”
أما نتنياهو فقد نشر على صفحته الرسمية:
“نعمل من أجل إنجاز تفاهم آخر للإفراج عن محتجزينا وكذلك إكمال القضاء على كتائب حماس في رفح…
لذلك سأعقد في بداية الأسبوع جلسة لمجلس الوزراء للموافقة على الخطط للعمل في رفح، بما في ذلك إخلاء المدنيين من هناك…”
أخطر ما في هذه النقاط هو عدم إنهاء الحرب؛ ايّ انّ “إسرائيل” ستقدّم للمدنيين المحتجزين في السجن الكبير طعامهم اليومي تحت ما يسمّى مساعدات انسانية، هذا جُلّ ما يمكن أن تحصل عليه حماس إلى جانب تحرير أسرى من قبضة العدو.
ولكن ماذا عن وقف الحرب وإنهاء الصراع، كيف سيكون الحكم بغزة من بعدها؟ والعدو مُصرّ على إدارة القطاع من قبل عملاء له، لا فتحستان ولا حماسستان كما عبر نتنياهو؛ اذاً العدو ما زال يراوغ ويضع حماس وأهالي غزة بين خيارين مُرّين إما الموت بالنار او جوعا وإما الاستسلام، بالتالي حكم غزة بتدبير من العقل “الإسرائيلي” وبيد عملاء مفترضين .
أمام هذا الصمت العربي والإسلامي والعالمي عامة والمصري والأردني خاصة ما هو السبيل أمام الغزاويين هل سيتركون لقدر الإسرائيلي، لماذا هذا الخنوع المصري والاردني وهما اكثر من يمتلكان وسائل الضغط بدءاً من تعليق معاهدات السلام مروراً بقطع الإمداد النفظي ذهاباً وإياباً وصولاً الى تحشيدهم لجيوشهم الأكبر عربياً، هم ايضاً يراوغون كما يظهر من تصريح الرئيس السيسي انّ تهجير أهالي غزة يعني تصفية للقضية الفلسطينية؛ أليست إبادتهم على يد العدو وباقي الدول العربية والإسلامية بموقف المتفرّج سيؤدي إلى نفس النتيجة.
إن كان الحرص على القضية الفلسطينية هو الهدف الأساسي فيجب ألا يُقتل هذا الشعب ولا يُهجّر ولا يحكمه العدو بالنار وبأيدي العملاء.
فمن بين كلّ ما تسرّب من نقاط لورقة باريس والمخطط الأميركي لم نجد فيه ايّ نقطة إستراتيجية لصالح حماس .
فإن فشلت المفاوضات وفقاً للشروط التي تريدها “إسرائيل” والتي سترفضها حماس وفقاً للتقديرات، هذا يعني انّ اجتياح رفح ما زال فرضية قائمة، وان وافقت حماس على الهدنة ففرضية عودة الحرب بعد الهدنة ايضاً قائمة.
أمام كلّ هذا لم يبق لنصرة فلسطين إلا موقف شجاع يقتضي ان تبادر اليه الدول المتحررة كلّ وفق طاقته من استعمال وسائل الضغط بالدبلوماسية والاقتصاد وقطاع الطاقة وصولاً الى النار؛ فإذا بقي “الإسرائيلي” يفاوض وفق السقوف العالية فهذا يعني انّ المنطقة بأكملها تقبع على فوهة بركان .
وإن وافقت حماس على هدنة مؤقتة من يضمن عدم العودة للحرب؛ وهل ستنجح حماس مع المساندة القائمة من لبنان واليمن بفرض شروطها؟! غزة تُناشد العرب والمسلمين وأحرار العالم؛ إنه النداء الأخير فهل من يسمعُها؟