قبل ثمانية عشر عامًا وفي خضمّ الاعتداء الإسرائيلي على لبنان، أعلنت كونداليزا رايس عن شرق أوسط جديد، لكن النتائج أتت عكس ما توقّعته واشنطن. وجاء السابع من أكتوبر 2023 ليكرّس معادلات جديدة لن تقتصر مفاعيلها على منطقة «الشرق الأوسط»، بل ستشمل دولًا عربيّة وغربيّة متعدّدة.
على الرغم من أنّ الفلسطينيين يتعرّضون إلى إبادة جماعيّة، لكن، حتّى الآن، تمكّنوا من تصفير الأهداف المعلنة للعدوّ.
ووضَع المحور المقاوم القواعد الأميركيّة المنتشرة في العراق وسوريا تحت مرمى أهدافه، ووسّع الدائرة لتشمل القواعد الواقعة في الأراضي الأردنية، ما يشير إلى رفْع سقف المواجهة والقدرة على إلحاق الخسائر بالجانب الأميركي. وجاء الردّ من قبل الأخير بعد عدّة أيام على استهداف البرج 22 ومقتل 3 من جنوده.
فضرب شرق سوريا، تحديدًا محافظة دير الزور وريف دمشق، وكذلك استهدف «القائم وعكاشات» العراقية القريبة من الحدود السوريّة. بالنسبة إلى التوقيت المتأخّر للردّ، صرّح أحد أعضاء الكونغرس أنّ زمن الضربة ارتهِن بعامل الطقس. لكن يبدو هذا التبرير غير منطقي، حيث أنّ 5 أيام تعدّ مدة كافية لانسحاب الفصائل المقاومة من مراكزها الحسّاسة، وسحْب معدّاتها الثقيلة وأسلحتها تحسّبًا لأيّ عمليّة تقوم بها القوّات الأميركيّة.
وعليه، ما تمّ نشره من صور عن تفجير ذخائر في شرق سوريا أو في العراق، في مقرّات تابعة للمقاومة هو من باب ترميم الصورة المترهّلة للأميركي في المنطقة؛ سواء في تحالفه مع نتنياهو، أم في تعرية صورة بايدن أمام الجمهور الأميركي وتراجع شعبيّته في الانتخابات القادمة، وكذلك انكسار هيبته أمام اليمني في باب المندب، حيث يتعامل الحوثيون مع الأميركي معاملة الندّ للندّ. كسِرت شوكته، وبات في دائرة الخطر، وهو منذ نشأته الغازي والمهاجِم.
أما الضربات التي تشنّها القوّات الأميركيّة والبريطانيّة على صنعاء فليست سوى محاولة إعادة الاعتبار لوجود الجانب الأميركي في المنطقة الذي أدرك جيّدًا أنّه خسر منذ السابع من أكتوبر المعركة، وهو يسعى جاهدًا لإقناع الإسرائيلي عدم الذهاب بعيدًا في هذه الحرب، ووقْف إطلاق النار، لكن ثمّة حسابات سياسيّة لدى الطرف الآخر تدفعه إلى التضحية بالجميع في سبيل كسْب المزيد من الوقت خارج القضبان.
استمرار الحرب على غزّة بدعم من حكومة بايدن سيجرّ على الأخير المزيد من الخسائر داخليًّا وخارجيًّا؛ إذ مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، تتعاظم في داخل الولايات المتحدة الأصوات المعارضة له، ومن جهة ثانية، يتخبّط أعضاء الكونغرس على صعيد اتخاذ قرارات تتعلّق بالسياسة الخارجيّة، في وقت باتت فيه المسيّرات قادرة على قصْف الأهداف الأميركيّة أينما كانت.
الولايات المتحدة اليوم في وضع لا تُحسَد عليه؛ بعد أن كانت تتسيّد العالم، خسرت دورها الاقتصادي والديبلوماسي في المنطقة العربيّة منذ أن فرضت بكين نفسها لاعبًا أساسيًّا، والآن تتزحزح الصخور من تحتها سياسيًّا واستراتيجيًّا ليتبخّر دورها في صنْع خرائط المنطقة.