في إطار سلسلة من الإجراءات التنفيذية، أصدر الرئيس الأمريكي دونالد ترمب أمرًا بتعليق المساعدات الإنمائية الخارجية الأمريكية لمدة (90) يومًا؛ لتقييم كفاءة البرامج وتوافقها مع السياسة الخارجية للولايات المتحدة؛ مما تسبب في حالة من الفوضى في أفقر البلدان، ومنها أفغانستان؛ البلد الذي احتلته القوات الأمريكية أكثر من عقدين من الزمان. دخلت القوات الأمريكية أفغانستان في عام 2001 بحجة الحرب على الإرهاب، ثم قامت بانسحاب متسرع في 31 أغسطس (آب) 2021.
وعلى أي حال، فقد أوقف الأمر فعليًّا المشروعات التي تمولها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية في مختلف أنحاء العالم، ومنها أفغانستان. وقد عقّبت وزارة الخارجية الأمريكية على الأمر قائلةً: “إن المساعدات الخارجية لا تتماشى مع المصالح الأمريكية، بل إنها في كثير من الحالات تتعارض مع القيم الأمريكية. وهي تعمل على زعزعة استقرار السلام العالمي من خلال الترويج في الدول الأجنبية لأفكار تتعارض مباشرة مع العلاقات المتناغمة والمستقرة بين الدول”، وأضافت أن “سياسة الولايات المتحدة هي عدم صرف أي مساعدات خارجية أمريكية أخرى بطريقة لا تتوافق تمامًا مع السياسة الخارجية لرئيس الولايات المتحدة”.
وينص الأمر على أن رؤساء الإدارات والوكالات المسؤولة، بالتشاور مع مدير مكتب الإدارة والميزانية، سوف يتخذون قرارات في غضون 90 يومًا من هذا الأمر بشأن ما إذا كان سيتم الاستمرار في كل برنامج مساعدات أجنبية، أو تعديله، أو وقفه، بناءً على توصيات المراجعة، بموافقة وزير الخارجية. ويجب على جميع رؤساء الإدارات والوكالات المسؤولين عن برامج المساعدات الإنمائية الخارجية للولايات المتحدة أن يوقفوا على الفور الالتزامات الجديدة، وصرف أموال المساعدات الإنمائية للدول الأجنبية والمنظمات غير الحكومية المنفذة، والمنظمات الدولية والمقاولين، في انتظار مراجعات هذه البرامج من حيث الكفاءة البرمجية، والتوافق مع السياسة الخارجية للولايات المتحدة، التي ستتم في غضون 90 يومًا من هذا الأمر، ويجب على مكتب الإدارة والميزانية (OMB) فرض هذا التوقف من خلال سلطته المالية.
أثّر توقف المساعدات الأمريكية في أفغانستان، وهي دولة يحتاج سكانها البالغ عددهم 40 مليون نسمة إلى الدعم الإنساني. وقال نائب وزير الاقتصاد في حكومة طالبان، عبد اللطيف نظري، إن نحو (50) منظمة إغاثة وطنية ودولية علقت عملياتها في مختلف أنحاء أفغانستان بسبب قرار ترمب. وبحسب برنامج الغذاء العالمي، يعاني نحو (15) مليون شخص في أفغانستان، معظمهم من النساء والأطفال، سوء التغذية، أو حتى الجوع في بعض الحالات. وكان برنامج الغذاء العالمي قادرًا على تقديم المساعدة في العام الماضي، لكن التمويل أصبح الآن متوقفًا، وكان نحو (40%) من التمويل يأتي من الولايات المتحدة. وعلى الرغم من تصريح وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بأن المساعدات الإنسانية المنقذة للحياة سوف تُعفى من التعليق، فإنه لا يزال من غير الواضح مقدار الأموال التي يمكن إنفاقها في هذا الصدد.
إقرأ أيضا : الكلف الباهظة للغزو الروسي في أوكرانيا
ومع تعليق المساعدات، ارتفعت بالفعل أسعار المواد الغذائية، مثل الدقيق، وزيت الطهي، والأرز، والسكر، والخبز، وغيرها من الاحتياجات اليومية الأساسية؛ ما دفع وزير الخارجية الأفغاني الأسبق محمد حنيف أتمر إلى كتابة: “إن قرار الرئيس ترمب وقف كل المساعدات الأجنبية سوف يخلف عواقب كارثية على ملايين الأفغان، من بين كثيرين غيرهم في مختلف أنحاء العالم. ومع أن الإدارة الأمريكية الجديدة لديها مخاوف مشروعة بشأن المساعدات الخارجية، فإنها كان بوسعها أن تتبنى نهجًا أكثر تعاطفًا ومسؤولية في التعامل مع هذه المخاوف، لا سيما أن الشعب الأفغاني يشترك -على نطاق عريض- في مخاوف الإدارة -كفاءة المساعدات والمساءلة، فضلًا عن تحويل مسارها من جانب طالبان وغيرها من الجهات المانحة- لأنها تقوض كرم دافعي الضرائب الأمريكيين وغيرهم من الدول المانحة، وتحول الموارد المنقذة للحياة بعيدًا عن أولئك المحتاجين حقًا”.
لقد كان من الواجب -منذ فترة طويلة- إجراء تقييم جدي لتعزيز الكفاءة والفعالية والمساءلة داخل بيروقراطية المساعدات، وتقليص نفقاتها الباهظة، ومنع التحويل وإساءة الاستخدام، لكن ربط المساعدات بمصالح المانح -مع الإشارة إلى اتساق المساعدات الخارجية مع السياسات الأمريكية باعتباره السبب الثالث لتعليقها- يمثل انحرافًا كبيرًا عن المبادئ الإنسانية الدولية الراسخة منذ فترة طويلة. وتنص هذه المبادئ على أن المساعدات الإنسانية ينبغي أن تقدم على أساس الاحتياجات الإنسانية فقط، وتشكل جزءًا أساسيًّا من النظام العالمي القائم على القواعد الذي دافعت عنه الولايات المتحدة تاريخيًّا. وفي حين طبق المجتمع الدولي قواعد مختلفة لتمويل التنمية كجزء من سياسته الخارجية، ظلت المساعدات الإنسانية متميزة، وغالبًا ما كانت محمية من الاعتبارات غير الإنسانية.
يفرض تعليق المساعدات أخطارًا جسيمة تهدد حياة مئات الملايين من متلقي المساعدات الذين تعتمد حياتهم وسبل عيشهم على هذه المساعدات، وسيكون التأثير واسع النطاق؛ نظرًا إلى حجم المساعدات الخارجية الأمريكية، التي تعد الأكبر بين المانحين العالميين للمساعدات، وسيكون هذا مؤلمًا ومكلفًا على نحو خاص للأفغان، الذين عانى نحو (11.6) مليون منهم مؤخرًا -أي ما يقرب من (25%) من السكان- انعدام الأمن الغذائي الحاد عند مستويات “الأزمة” أو أعلى، وفقًا لتقرير حديث للأمم المتحدة.
في السياق نفسه بدأ الصراع بين الإدارة الأمريكية وطالبان، إذ قال ترمب مؤخرًا إن قاعدة باغرام – أفغانستان أصبحت في يد الصين، وعلى طالبان تسليمها -بالإضافة إلى الأسلحة الأمريكية- لوشنطن.، لكن المتحدث باسم طالبان ذبيح الله مجاهد قال: “إن الاستيلاء على باغرام حلم ووهم. يجب على الولايات المتحدة التخلص من هذه الفكرة”. وفيما يتعلق بتسليم الأسلحة الأمريكية، قال مجاهد: “هذه الأسلحة غنائم، ونحن نستخدمها للدفاع عن الاستقلال والنظام الإسلامي”. وحذر مجاهد الولايات المتحدة من أن قادة طالبان ليسوا أشرف غني (الرئيس الأفغاني السابق) ليفعلوا ما تريده الولايات المتحدة”.
وزعم مجاهد أن التدخل الغربي في شؤون أفغانستان يتزايد يومًا بعد يوم، وقال: “ليس من السهل عليهم نسيان الفشل”. لكن المعلومات الاستخباراتية تشير إلى أن بعض القادة الأفغان السابقين في تركيا التقوا بممثلين عن المخابرات الباكستانية، لكن مجلس المقاومة لإنقاذ أفغانستان، الخصم الرئيس لطالبان المقيم في تركيا، نفى عقد أي لقاء مع ممثلي المخابرات الباكستانية. وما زالت طالبان بعد مرور ثلاث سنوات ونصف السنة من حكمها لأفغانستان لا تعترف أي دولة بهذا النظام، ولا تملك أي علاقات مصرفية مع العالم.