أمريكا

أزمة الديمقراطيين أم مأزق أميركا؟

بحسب استطلاع رأي شبكة CNN، التي أجرِيَتْ عبرها المناظرة، فإن 67% من المشاهدين اعتبروا ترامب الفائز، فيما لم يُصَوِّت لصالح بايدن سوى 33%

بعد لحظات قلائل من إسدال الستار على المناظرة التلفزيونية المثيرة، بين الرئيس الأميركي جو بايدن، ومنافسه الجمهوري الرئيس السابق دونالد ترامب، كان السؤال الطبيعي المتداول: “من الفائز ومن الخاسر؟”.

بحسب استطلاع رأي شبكة CNN، التي أجرِيَتْ عبرها المناظرة، فإن 67% من المشاهدين اعتبروا ترامب الفائز، فيما لم يُصَوِّت لصالح بايدن سوى 33%.

هل يعني ذلك أن المرشح الجمهوري هو المنتصر باقتدار، أم أن المشهد تستتبعه علامات استفهام أكثر عمقًا وأبعد أثرًا مما ظهر على سطح شاشة المناظرة، وبما يمتد لحال ومآل الولايات المتحدة برُمَّتها.

المقطوع به أن أيّ مقاربة بين مناظرات رئاسيّة سابقة، وبين ما جرى منذ أسبوع تقريبًا، لن تصُبَّ في صالح أميركا المعاصرة، فقد غابت الموضوعية واختفت ملامح الاحترام للقواعد الأخلاقية في النقاش، ما أفقد الولايات المتحدة الكثير من صورتها كرائد للديمقراطية ومثال وأنموذج لليبرالية.

لم يتوقّفْ مشهد المناظرة عند حدود التنافس الشريف لصالح أميركا الدولة، ولا مواطنيها، بل بدا الأمر وكأنّ هناك من يسعى لتفخيخ مستقبل أميركا المجتمعي، والذي عرف على الدوام بفكرة “بوتقة الانصهار”، أي توافق من جنسيات وأمم مختلفة لصالح فكرة الإمبراطورية التي انفلتتْ مؤخَّرًا، والعهدة على المؤرخ الأميركي الكبير “بول كيندي”.

خلال المناظرة، فَجَّرَ ترامب قنبلة الهجرة والمهاجرين، وألقى باللوم على قرارات بايدن التي سمحت وتسمح للهجرات غير الشرعية من جنوب البلاد، حيث عشرة آلاف مهاجر من قارة أميركا اللاتينية، يتدفقون يوميا إلى الداخل الأميركي.

العزف على هذا الوتر في واقع الحال، يفتح الباب واسعًا أمام سيناريوهات الصدام المجتمعي في الداخل من جَرَّاء معضلة التباين الديموغرافي، حيث يتراجع عدد السكان البيض لصالح الأقليات العرقيّة المختلفة، وهو ما يرفضه دعاة اليمين المتشدد إلى حد التطرف، وتبدو شهيّتُهم مفتوحةً على توقعات مخيفة، ما يمكن أن يُفقِد البلادَ والعباد سلامَهم المجتمعي.

يمكن القطع ومن غير أدنى تزَيُّد، بأن المناظرة أظهرت مأزق أميركا المنقسمة على ذاتها، وبدت ظلالُ وقائعها تُخَيِّم على المشهد السياسي الأميركي، قبل أربعة أشهر من التصويت.

لم يكن بايدن قد غادر أستوديو القناة الإخبارية الأميركية، ورغم المشهد التمثيلي غير الحقيقيّ الذي قامت به زوجتُه جيل، من تصفيق وادّعاء أنّه أجاب على كل الأسئلة بجدارة، إلا وخرجت أعمدة كبار الإعلاميين والكُتّاب الأميركيّين، تطالب الحزب الديمقراطي باستبعاد بايدن، بعدما بات خصمًا من رصيد الديمقراطيين، لا قيمة مضافة لهم.

عبر عموده الشهير في النيويورك تايمز، أشار نيكولاس كريستوف، إلى ضرورة سَعْي الأميركيّين وبسرعة، في طريق استبدال بايدن كمرشَّح ديمقراطي بآخر قادر على إلحاق الهزيمة بترامب.

حديث الاستبدال في واقع الحال ليس بجديد، فهو مطروح منذ بضعة أشهر، والجميع يعلم أن كمالا هاريس عينها ربّما على المقعد الوثير في البيت الأبيض، حتّى ولو لأسابيع أو أشهر، قبل أن ينتقل المقعد لغيرها، إذ يكفيها أن تدخل التاريخ كأوّل امرأة تحكم الولايات المتحدة الأميركية.

هنا يطفو السؤال الأهمّ: “هل يمكن بالفعل لبايدن أن يتنحى بإرادته؟”

المعروف عن بايدن أنّه سياسي عنيد، وكافة تصريحاته التي أطلقها بعد المناظرة كانت تقطع بأنه لا يزال يحلم بالفوز بولاية ثانية، رغم كافّة الانتقادات التي وُجِّهَتْ إليه.

تذهب الكثيرُ من الأقلام الأميركيّة إلى القول إن زوجته جيل بايدن هي التي تدفعه دفعًا في طريق إكمال السباق، رغم رؤيتها لحالته العقلية والجسمانيّة، وقد بدأتْ أصوات أعضاء كبار في الحزب الديمقراطي تتساءل عن السبب وراء عنادها وإصرارها، ما قد يُكَلِّف الحزب أربع سنوات من الغياب عن البيت الأبيض.

والشاهد أن الولايات المتحدة تكاد تكون على موعد مع حدث مثير، إن لم ينسحب الرئيس بايدن طوعًا، سِيَّما في ظلّ نتائج استطلاع رأي لشبكة CBN NEWS جرى الأحد الماضي، حيث 45% من الناخبين الديمقراطيّين المسجّلين قالوا إنه يتوجّب على الرئيس أن يتنحّى.

هنا يمكن بالفعل لنائب الرئيس كمالا هاريس، وبالاتفاق مع عدد من الوزراء وأعضاء من الكونغرس، وبدعم من رموز مجتمعيّة، تفعيل التعديل 25 من الدستور الأميركي لإقالة الرئيس بايدن.

على أنه وحتى لو جَرَت المقادير بهذا السيناريو، فإن الوقت المتبقي لاختيار خليفة لبايدن قد لا يكون في صالح الديمقراطيين، ما يُعَزِّز فُرَص فوز ترامب.

سيناريو الاستبدال ربّما يكون قد بدأ بالفعل، ذلك أنه في الليلة التالية للمناظرة، كانت حاكم ولاية ميتشيغان، “غريتش ويتمر”، تنظم لجنة للعمل السياسي الخاصة بها، وتطلق النداءات السريعة والعاجلة لجمع التبرّعات، في توقيت مثير للاهتمام بالنسبة للكثيرين، حيث إن تلك الدعوة تبدو كبيان مهم لأجندتها، خاصة أنها أشارت إلى فوزها بحكم ولاية ذات أهمية بالغة في الانتخابات الرئاسية.

ليس ويتمر فقط الاسم المطروح مؤخّرًا على الساحة، فهناك كذلك اسم “غافين نيوسوم”، حاكم ولاية كاليفورنيا، الولاية الديمقراطيّة الكبيرة، والتي يَكْثُر الحديث عنها مؤخرًا بشأن إمكانيّة استقلالها في وقت غير بعيد عن سياق الاتحاد الفيدرالي الأميركي.

نيوسوم من حيث العمر يُعَدّ مرشحًا نموذجيًّا، إذ يبلغ قرابة الـ 58 عامًا، وتتوافر لديه خبرة سياسيّة جيّدة داخليًّا، أمّا على صعيد الشؤون الخارجيّة، فهو من أفضل المسؤولين الأميركيين، على صعيد العلاقات مع الصين، وبصورة خاصة مع الرئيس شي جين بينغ، وهذا يعني أن لديه ميزة كبرى، إذ سيكون قادرًا على التعايش مع القوة القطبيّة القادمة، ومن دون حتمية الوقوع في فخ ثيوسيديس، أي الحرب مع بكين.

هل من أسماء أخرى تُعَزِّز فكرة سطوة اليسار المحتملة في الداخل الأميركيّ؟

من غير تطويل ممل، سوف تطفو الأيام القادم حكمًا، وحال اللجوء إلى خيار الاستبدال، أسماء ميشال أوباما، زوجة باراك أوباما، وغالب الظن أنها ورقة رابحة للديمقراطيين، وهناك من يشير إلى تحرّكات هيلاري كلينتون من جديد، على صعيد اقتناص المقعد المرموق في المكتب البيضاوي، وربما تتفتّح قريحة واضعي الخطط للديمقراطيّين، أولئك المختبئين خلف الخطوط، والممسكين بخيوط اللعبة، عن سيناريو للاثنتَيْن معًا، أو مزيج من نيوسوم وميشال أوباما، وساعتها ربّما تتغيّر الأوضاع وتتبدّل الطباع.

وفيما الديمقراطيّون قلقون ومضطربون، تتزايد حظوظ ترامب في إعادة انتخابه من جديد، وبخاصّة بعد حكم المحكمة العليا، بشأن حصانة قراراته الرئاسية، ما يجعل من الممكن، بل الوارد تجنّب فخ المحاكمة على ما جرى نهار السادس من يناير 2021، وموقعة الكونغرس الشهيرة.

ولعلّ آخر فرضيّة مخيفة تتعَلّق بمستقبل ترامب، وما إذا كانت حظوظُه الرئاسيّة لدورة ثانية تتقاطع مع أهداف ومخططات الدولة الأميركية العميقة.

هل حياة ترامب في خطر؟

الرجل يتوعّد بالكشف عن قتلة جون كيندي، وإماطة اللثام عن حقيقة أحداث الحادي عشر من سبتمبر، عطفًا على تبيان أبعاد جرائم أبستين وقصّة انتحاره في السجن.

يقول الراوي إن حياة ترامب يمكنها أن تشعل حربًا أهليّة بين الأميركيّين حال تعَرَّض لتغييب عمديّ، ومعها سوف تضحى أميركا في مأزق حقيقي، والعالم حكمًا من ورائها.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى