تميزت جلسة برلمان طهران في 26 تشرين الثاني (نوفمبر) بالانزعاج والدعوات المتكررة لاتخاذ إجراءات فورية من المرشد الأعلى للنظام علي خامنئي لتجنب انتفاضة محتملة، مما يعكس الخوف المتزايد داخل نظام الملالي بشأن الظروف الاقتصادية المزرية في إيران. وبينما كان يخاطب رئيس النظام مسعود بزشكيان علنًا، كان من الواضح أن الهدف الحقيقي للنداءات هو صانع القرار النهائي، خامنئي.
حدد رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف النبرة، مسلطًا الضوء على تدهور قطاعي الطاقة والنفط في البلاد. “لم يعد لدينا نفط لتهديد أعدائنا”، هذا ما قاله قاليباف، في إشارة إلى تكتيكات النظام السابقة في الاستفادة من صادرات النفط ضد الخصوم الغربيين. “ذات مرة، كان بإمكاننا أن نقول إننا سنقطع النفط، ولكن الآن، بأي نفط؟ وإلى أي سوق؟”، واعترف قاليباف بأنه حتى لو زاد الإنتاج، فإن قيود النقل والوصول إلى السوق ستظل تعيق صادرات النفط الإيرانية. كما أشار إلى اختلال التوازن في الطاقة في البلاد، والذي عطل النمو الاقتصادي وخفض عائدات الضرائب الحكومية من الصناعات. كما أكد نقص الغاز الأخير، الذي أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي على نطاق واسع، على شدة الأزمة.
اقرأ أيضا.. سقوط أحجار الدومينو الإيرانية في الشرق الأوسط
وأكد عضو البرلمان حسين صمصامي على الصعوبات الاقتصادية، حيث نسب التضخم الجامح وانخفاض العملة الوطنية إلى سياسات البنك المركزي. وحذر بزشكيان من أن الفشل في عكس هذه التدابير “المدمرة” من شأنه أن يجبر المشرعين على الاستعانة بآليات قانونية مثل المساءلة. وكشف صمصامي أن البنك المركزي رفع سعر الصرف للسوق الثانوية (نيما) بأكثر من 50 ألف تومان منذ بداية العام، مما أدى إلى تفاقم التضخم. وفي الوقت نفسه، انتقد النائب مهرداد لاهوتي اعتماد الحكومة على ممارسات مالية غير مستدامة.
وسلط لاهوتي الضوء على عجز الميزانية البالغ 1800 تريليون تومان، وأوضح أن الكثير من هذا العجز يتم تمويله بإصدار سندات بفائدة باهظة تبلغ 23 بالمئة أو الاستفادة من صندوق التنمية الوطني المستنفد بالفعل. وقال: “لم يتبق شيء في الصندوق – إنه 32 مليار دولار في اللون الأحمر”، محذرًا من الانهيار المالي الوشيك.
وندد نواب آخرون بفشل النظام في معالجة القضايا الأساسية. وانتقد نصر الله بجمان فر سوء الإدارة في قطاع الطاقة، مشيرًا إلى عدم كفاية ضوابط التلوث في محطات الطاقة التي تعمل بالنفط. واتهم النائب قاسم روانبخش الحكومة بتفاقم السخط العام من خلال ارتفاع أسعار السلع الأساسية، والتعيينات المعيبة، والسياسات التضخمية التي تركت العديد من الإيرانيين يكافحون من أجل توفير الضروريات الأساسية. وقد ردد خبراء الاقتصاد ووسائل الإعلام التابعة للنظام هذه التحذيرات. وفي جلسة مراجعة الميزانية الأخيرة، وصف حجة الله ميرزائي من غرفة التجارة الإيرانية اعتماد البلاد على الصين في صادرات النفط بأنه “فخ استعماري من القرن التاسع عشر”. وكشف أن 92 بالمئة من نفط إيران يذهب إلى الصين بخصم 30 بالمئة، حيث تملي بكين البضائع التي ترسلها في المقابل.
في عددها الصادر في 25 تشرين الثاني (نوفمبر)، نشرت صحيفة “اطلاعات” مقالاً بعنوان “يجب على الحكومة أن ترفع أيديها عن جيوب الناس”، منتقدة الارتفاع المستمر في التكاليف التي تثقل كاهل الإيرانيين العاديين. وسلط المقال الضوء على ارتفاع بنسبة 33 بالمئة في أسعار السيارات، وزيادة بنسبة 38 بالمئة في تعريفة الكهرباء، وارتفاع فواتير الغاز والإنترنت، إلى جانب ارتفاع أسعار المواد الغذائية الأساسية مثل الخبز والبيض والطماطم. ووصف التأثير التراكمي لهذه الزيادات بأنه “قائمة لا تنتهي” من الضغوط المالية على الجمهور.
على الحكومة نفسها في غياب الإصلاحات السريعة والجذرية. وفي الرابع والعشرين من تشرين الثاني (نوفمبر)، أطلقت الصحيفة ناقوس الخطر بعنوانها الرئيسي: “وداعاً للاستثمار في إيران”. وتساءلت الصحيفة عما إذا كان أي مستثمر عقلاني سوف يخاطر بأمواله في مشاريع صناعية أو مصانع تحقق هامش ربح ضئيل يتراوح بين 10 بالمئة و15 بالمئة في حين أن الخيارات الأكثر أماناً مثل الذهب أو العملات الأجنبية أو الودائع المصرفية تعد بعائدات تتراوح بين 30 بالمئة و35 بالمئة مع القليل من الجهد أو بدونه. وخلصت الصحيفة إلى أن هذا يعكس ناقوس الموت للاستثمار الإنتاجي في المشهد الاقتصادي الإيراني.
إنَّ عجز النظام عن حل أزماته الاقتصادية وتصاعد السخط العام يشيران إلى مستقبل متقلب. والتحذيرات الصادرة عن المشرعين والخبراء وحتى وسائل الإعلام التي يسيطر عليها النظام ليست مجرد صرخات من أجل الإصلاح ــ بل إنها اعتراف بنظام متوتر إلى أقصى حدوده. ومع ارتفاع معدلات التضخم، وهبوط العملة الوطنية، والاعتماد على صادرات النفط المخفضة إلى الصين، يبدو النموذج الاقتصادي للنظام غير قابل للاستمرار على نحو متزايد. بالنسبة للحكومة التي تطاردها ذكريات الانتفاضات الماضية، فإن شبح تجدد الاضطرابات يلوح في الأفق.