أصدر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قراراً، بحل حكومة الحرب، لتجنب أزمة سياسية. ومع ذلك، فإنه قد يثير أزمة مختلفة في وقت يلوح في الأفق خطر اتساع رقعة الحرب، التي دخلت الآن شهرها التاسع.
جاءت هذه الخطوة من جانب نتنياهو بعد استقالة اثنين من أعضاء مجلس الحرب الخمسة، وسط تصاعد التوترات حول سياسة الحرب، في إجراء عدّه بعض المعلقين رمزياً – لكن هذا التوصيف لا يعكس الخطورة الحقيقية للآثار والعواقب المحتملة لهذا الإجراء.
من المهم أن نتذكر أن نتنياهو وافق على تشكيل حكومة حرب صغيرة بعد وقت قصير من الهجوم المميت الذي شنته حركة «حماس» في السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، من أجل تعزيز شرعية أي إجراء قد تتخذه الحكومة الإسرائيلية، رداً على الهجوم.
جدير بالذكر أنه على امتداد عدة أشهر قبل الهجوم، عانى المشهد السياسي الإسرائيلي من هزة قوية، مع خروج مئات الآلاف من المواطنين إلى الشوارع احتجاجاً نهاية كل أسبوع – بسبب محاولة نتنياهو إضعاف استقلال المحكمة العليا، وبالتالي تعزيز قوة ائتلافه الحاكم اليميني المتطرف.
وفي ظل هذا المناخ بشكل خاص، كانت هناك مخاوف من أن ائتلافه الحاكم لن يتمكن من توحيد صفوف الشعب الإسرائيلي حول سياسة متماسكة للحرب. لذلك قرر زعماء سياسيون تشكيل حكومة حرب مستقلة صغيرة، تضم بعض شخصيات المعارضة من تيار الوسط، مع استبعاد اليمينيين المتطرفين. ومن شأن هذا الكيان الجديد أن يتخذ جميع القرارات المتعلقة بسياسة الحرب.
وكان العضوان اللذان استقالا، الأسبوع الماضي، بيني غانتس وغادي آيزنكوت، من تيار الوسط بالمعارضة، وقائدين عسكريين سابقين. وأعلن غانتس، الذي طرح فكرة تشكيل حكومة حرب، الشهر الماضي، أنه سيستقيل في الثامن من يونيو (حزيران)، إذا فشل نتنياهو في صياغة سياسة معقولة حول كيفية إعادة بناء غزة، واحتواء الإسلاميين الراديكاليين بعد انتهاء الحرب. من جهته، دعا نتنياهو وحلفاؤه لفرض الاحتلال الإسرائيلي على غزة؛ بينما عارض غانتس وآخرون ذلك. وبالفعل، نفذ غانتس تهديده وخرج من مجلس الحرب برفقة آيزنكوت، الأسبوع الماضي، قائلاً إن رئيس الوزراء ليست لديه خطة حقيقية لإحراز النصر.
وعليه، أقدم نتنياهو على حل حكومة الحرب، الأمر الذي يعود لأسباب عدة؛ منها الخوف من أن يطالب الأعضاء الأكثر يمينية داخل حكومته الأوسع – خصوصاً إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريتش – بشغل مقاعد الأعضاء المغادرين. ويسيطر بن غفير وسموتريتش فيما بينهما على نحو اثني عشر مقعداً في البرلمان. وإذا استقال خمسة فقط من أعضاء ائتلاف نتنياهو، فستختفي أغلبيته في البرلمان، ما يفرض إجراء انتخابات جديدة، الاحتمال الأكبر أنه سيخسرها.
ومع ذلك، فإنه حتى نتنياهو لا يريد بن غفير أو سموتريتش إلى جانبه، للمساعدة في صنع السياسة تجاه الحرب. ومن هنا جاء قراره بحل مجلس الحرب. وقال إنه سيواصل التشاور بشكل غير رسمي مع أعضاء حكومة الحرب السابقين الذين لم يستقيلوا – بما في ذلك وزير الدفاع يوآف غالانت، وشخصية معارضة أخرى من تيار الوسط، وقائد عسكري متقاعد – وربما مع بضعة آخرين.
إلا أن هذا الأمر يثير تساؤلات: ما الحق القانوني – والشرعية السياسية – التي يمتلكها نتنياهو تمكنه من اتخاذ مثل هذه القرارات بنفسه؟ وفي إطار الحكومة الأوسع، التي سمحت حكومة الحرب لنتنياهو بتجاهلها، يتولى بن غفير منصب وزير الأمن الوطني، وسموتريتش وزير المالية.
وإذا فعلا ذلك، فمن الممكن أن تنفجر التوترات التي تعصف بإسرائيل بالفعل، والمتعلقة بالحرب وقضايا أخرى. ومع ذلك، لا توجد آليات لعقد انتخابات جديدة – باستثناء استقالة خمسة من أعضاء ائتلاف نتنياهو، ومن غير المحتمل أن يفعلوا ذلك، لأنهم يعرفون بالتأكيد أنه إذا سقطت هذه الحكومة، فلن يطلب منهم أحد لعب دور في أي حكومة مقبلة.
وتبدو هذه القضايا محورية. من جهته، يريد بن غفير من إسرائيل ليس فقط تحقيق الاستقرار في غزة، وإنما كذلك احتلالها إلى الأبد، وبناء «مستوطنات يهودية» في جميع أنحاء قطاع غزة، وإجبار الفلسطينيين على الخروج. وينظر كثيرون إلى وجهة النظر هذه حول «إسرائيل الكبرى» بوصفها «صورة طبق الأصل» لرغبة «حماس» في «فلسطين حرة من النهر إلى البحر».
الواضح أن عدداً مزداداً من الإسرائيليين، ما يقرب من النصف، يرغب في إعادة احتلال غزة. في المقابل، يريد آخرون أن تتم تسوية الأمر عبر خليط من السلطة الفلسطينية، بعد إصلاحها، والجهات الفاعلة الدولية، خصوصاً الدول العربية. ويؤيد نتنياهو سيطرة إسرائيل على المنطقة لبعض الوقت، لكنه لم يطرح حلاً على المدى الطويل. وهذا السبب الرئيسي لاستقالة غانتس من حكومة الحرب.
الملاحظ أن بن غفير ورفاقه يتسببون في إلحاق ضرر حقيقي بإسرائيل عبر معارضتهم استئناف المفاوضات الشكلية الفاترة تجاه إقامة الدولة الفلسطينية. في الوقت ذاته، هذا كل ما تطالب به السعودية مقابل التطبيع، ما قد تكون له فوائد كبيرة على أمن إسرائيل.
في هذه الأثناء، وفي الوقت الذي تعاني فيه إسرائيل من ركودها السياسي، وتستمر «حماس» في رفض جميع مقترحات وقف إطلاق النار، يبدو أن الحرب على وشك أن تندلع على حدود إسرائيل الشمالية مع لبنان.