لا أعرف ما الذي شدّني لأكتب عن هذا المكوّن الأرمني الرائع.
تاريخياً، أدّت الإبادة العرقية والأعمال اللإنسانية والوحشية التي نفذتها الحكومة العثمانية، والتي ذُبِح وقُتِل فيها حوالي مليون ونصف أرمني، إضافة إلى الأعداد الكبيرة من القتلى المنتمين إلى طوائف الآشوريين والسريان والكلدان وغيرهم من الأقليات – والتي يتذكرها الجميع بتاريخها الحزين في 24 نيسان عام 1915 – أقول أدّت لتهجير العديد من الأرمن إلى بلدان مختلفة في العالم، وتُرَكَ هؤلاء إلى قدَرِهم الحالِك كي يُجروا حياتهم “كأرمن مهاجرين” ومواطنين من الدرجة الثانية.
ولقد نجح العالم النرويجي الحائز على جائزة نوبل في تأمين هوية عصبة الأمم لهؤلاء وكانت تحمل اسمه “هوية نانس”. إلّا أن تلك الهوية لم تؤمّن للأرمن وضعية متساوية مع السكان المحليين.
لكن كان الوضع في سورية مختلفاً جداً، لأن الحكومة السورية منحت جميع هؤلاء المهاجرين الأرمن حق المواطنة من دون تلكؤ أو أدنى تمييز، وذلك إبتداء من عام 1923.
لمَع الأرمن في سورية، فبفضلهم كانت أكبر ورشات التصليح الميكانيكية والكهربائية في حلب، وهم أول من أدخل تقنية التصوير الضوئي إلى منطقة الشرق الأوسط إضافة الى الكثير مما برعوا به.
قَدِم الأرمن إلى سورية عامة وحلب خاصة وسكنوا في منطقة الميدان حيث بنوا منازل من صفيح وأدوات بسيطة فأُطلقت عليها “برّاكات الأرمن” .. وكانوا يعيشون الفقر والجوع.
حَضَرت إلى “حلب” مواطنة دانمركية اسمها “كارين يبيه واهتمت بهؤلاء المهاجرين والأطفال الأيتام والهاربين من عمليات الإبادة والذين كانوا يعيشون تحت خط الصفر، فساعدت في بناء البيوت والورش والكثير الكثير من الأعمال لمساعدة الأرمن.
كنتُ في منطقة “حي الميدان” بحلب .. ومعروف أن قاطنيه هم من إخوتنا الأرمن ، وفي هذا الحي مَدرَسَة ثانوية يعرف اسمها الجميع باسم “الثانوية السورية”، ولكن الحقيقة غير ذلك. فإسم المدرسة هي بإسم تلك الإنسانة الدانمركية “كارين يبيه”، ووضعوا تمثالاً نصفياً لها في باحة المدرسة .. ولم يكتفوا بذلك بل انه في كل عام يذهب كل تلاميذ المدرسة إلى مقبرتهم في حلب حيث دُفنت – صديقة الأرمن – فيها، ليضعوا الزهور على قبرها عرفاناً بجميل أعمالها. كما ان كل سفير دانمركي في سورية يأتي إلى حلب ليزور مدرسة ثم قبر “كارين يبيه”.
هذا هو الوفاء ..
إن شعباً مخلصاً ووفياً لإنسانة ساعدته وكان وفياً معها، لن يخون سورية ومنه القائل “من يخدم سورية فكأنه يخدم أرمينيا”.
في بدايات الأزمة أو الحرب غير المقدسة على سورية .. رأيتُ فتيات في عمر الزهور يقمن بنقل صناديق مساعدات من شاحنة وهم يلبسون صدرية مكتوب على ظهرها: “سوري أرمني من اجل وطني”.
عندما نَسيَنَا الأقربون وهم يُقدمون – في كثير من الأحيان – على الورق مساعداتهم وقراراتهم وتطميناتهم التي لم يُنفّذ منها الكثير، لم ينسَنا الشعب الأرمني الشقيق وليس الصديق.
إليك صديقي “كارلو” وكل أصدقائي الأرمن أقول: إنكم حفرتم الصخور .. فهنيئاً لكم بكل أرزاقكم وأملاكم
وهنيئاً لك أخي كارلو شخصاً بزواج ابنتك السورية الأرمنية.
اللهم اشهد اني بلغت