السودان

آكلو لحوم البشر في السودان

في بلد تكوّنت فطرته وسجاياه على السماحة والاعتدال، فإن تعصب وانغلاق المتأسلمين يمثل حالة من الشذوذ عن مخزون التجربة التاريخية السودانية، وإذ عدلت الخصائص والوشائج الاجتماعية السودانية القوية بعضا من غلواء المشروع الابتدائي الأصلي للمتأسلمين، فإنه لا يزال أدنى من أن يفي بمتطلبات العيش الوطني المشترك.

ليس بمستغرب، أن تواجه حركة الإخوان المسلمين العالمية، بالرفض الشعبي العارم، في كافة بلدان المشرق العربي، وهي التي تتخذ الإسلام السياسي، كرافعة لها للوصول إلى السلطة، والسيطرة على الشعوب، رغم أنفها، (نحكمكم أو نقتلكم) مستخدمة كافة الأساليب والذرائع. رغم ذلك، لا يتعظون، ولا يراجعون أنفسهم، يصرون على تكرار تجاربهم المقيتة والفاشلة، في دولة تلو الأخرى، ليصلوا لذات النتيجة، الرفض الصريح والمغلظ. وبدلاً عن إلتقاط الأنفاس، لتقيم تجاربهم المميتة، يهربون إلى الإمام، بالتمادي في التطرف والوحشية، نتيجة الإفلاس الفكري والسياسي.

عن تجربتهم في السودان، يقول المفكر الراسخ، الحاج وراق، في أحدى تجلياته، وقراءته الثاقبة لهذه الحركة الكارثية، يقول عن النظام السابق والذي اشعل منسوبيه الحرب الحالية لإنعاشه بعد السقوط المدوي في إبريل 2019: “البلاد متعددة الأديان والثقافات، وايدلوجية النظام السوداني بغض النظر عن النفاق أيديولوجية أحادية وإقصائية.

وفي بلد تكوّنت فطرته وسجاياه على السماحة والاعتدال، فإن تعصب وانغلاق المتأسلمين يمثل حالة من الشذوذ عن مخزون التجربة التاريخية السودانية، وإذ عدلت الخصائص والوشائج الاجتماعية السودانية القوية بعضا من غلواء المشروع الابتدائي الأصلي للمتأسلمين، فإنه لا يزال أدنى من أن يفي بمتطلبات العيش الوطني المشترك. وهذا فضلا عن كونه يصطدم مع مقتضيات المواطنة الإنسانية في العالم المعاصر – عالم حقوق الإنسان- حيث إضافة المتأسلم الأصولي لهذا العالم (فقه التوحش)، فقه العقاب ومصادرة التنوع والاختلاف، وهو فقه حين يكون أمينا مع منطلقاته يصل إلى جز الرقاب وأكل الأكباد والقلوب، كما يفعل مجاهدو داعش والنصرة في القرن الحادي والعشرين.”

نعم، لم يعرف المجتمع السوداني، عبر مسيرته الضاربة في عمق التاريخ، التوحش، والمتمظهر في جز الرؤوس، وأكل لحوم البشر، والتبشير والتكبير بأشلاء القتلى المسلمين.

عندما فقد هؤلاء السلطة، توحشوا كما توّحش أخوتهم الدوعش في بلاد الرافدين، وفي بلاد ما وراء النهر، ظانين أن مثل هذا السلوك، سيزرع الرعب في قلوب خصومهم السياسيين، ويمكنهم من فرض الخنوع والتذلل لإرادتهم الغاشمة، ولكن هيهات، فإن إرادة الشعوب الحرة لم ولن تقهر.

رغم وحشية الدواعش في بلاد الشام وبلاد الرافدين، فقد دحروا، وقتلوا تقتيلا، رغم تكالب عناصر حركات الإسلام السياسي المتطرفة، وتداعي منسوبيها من كافة بلدان العالم، ولم يتبق منها الآن سوى سمعتها السيئة، وتاريخها الأسود، وها هي الدواعش فرع السودان، يحاولون تكرار ذات التجربة الفاشلة، كأسلوب للعودة لسدة الحكم، بعد أن رفضهم الشارع الثوري، ولفظتهم إرادة الجماهير خلال ثورة ديسمبر المجيدة، التي صفّق لها العالم أجمع، على البسالة والوعي والسلمية الثورية.

على هؤلاء الجهلاء المتوحشين، مراجعة أنفسهم، ذلك أن الطريق القذر الذي يسلكونه، لن يعيدهم إلى سدة الحكم مرة أخرى، والعكس من ذلك، ستضاعف من الكراهية لمشروعهم الفارغ من أي مضمون، سوى العنف والتوحش وسفك الدماء. وعليهم إدراك، أن الشعب السوداني، قد وعي، ولا مجال لخداعه بادعاء القدسية، والمتاجرة بالدين، أو السلط عليه باسم دولة الخلافة، بعيداً عن إرادتهم، فقد انكشفت ألاعيبهم.
على الدواعش مراجعة أسلوبهم الوحشي، والابتعاد عن انتهاك حرمة الأموات، لأن عواقب مثل هذه التصرفات ستكون وخيمة على وجودهم ومستقبلهم كحركة إرهابية متطرفة، فقد تراجعت آكلة الأكباد هند بنت عتبة، إذ أسلمت يوم فتح مكة، بعد إسلام زوجها أبي سفيان وحسن إسلامها، وشهدت معركة اليرموك برفقة زوجها وكانت تحرّض المسلمين على قتال أهل الروم.

على الجيش السوداني، فك الارتباط العملياتي الواضح والصريح بكتائب الإسلاميين المتطرفة، وإعلان براءاتهم عن تصرفاتهم الشنعاء، والتي لا تمت لسماحة الإسلام، ولا تتصل باعتدال الأمة السودانية، وعليه محاصرتهم، وإيقاف تمويلهم من خزانة الدولة، ذلك أن النتائج المترتبة على سكوت الجيش، عن السلوك الوحشي لهؤلاء الإرهابين، قد لا يحمد عقباه، وعلى الذين يساندون الجيش، الذي يغض الطرف عن وحشية الدواعش، مراجعة مواقفهم، لأنهم بشكل أو بآخر، فإنهم يساندون هؤلاء القتلة المتوحشين، آكلو لحوم البشر، الذين لا يراعون حرمة الأموات، فهم ليسوا من جنس البشر، بل من الوحوش المفترسة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى