تتطلب الإجابة على سؤال كبير من قبيل: إلى أين تتجه المنطقة بعد غزة؟ فهما عميقا وشاملا للأحداث الأخيرة التي شهدها الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، وما تبعه من عنف مفرط واستخدام مبالغ فيه للقوة مما أسفر عن استشهاد الآلاف من الفلسطينيين.
ويبرز في مقدمة ذلك قراءة الدور الذي لعبته حماس بالدرجة الأولى، ثم حزب الله وإيران وأنصارالله في اليمن، لما لهذه الأطراف من أثر بالغ في تشكيل المشهد السياسي في المنطقة الآن أو في المرحلة القادمة.
بدايةً، نجد أن تصاعد العنف والصراعات في المنطقة قد أدى إلى تأزم الوضع الإنساني والسياسي على حد سواء، فقد ارتفعت حصيلة الضحايا بشكل مفجع، ما يتطلب بالضرورة بحثًا جديًا لإيجاد حلول سلمية ودائمة لهذا الصراع المستعر.
لكن، بعيدا عن التعاطف الإنساني، يؤثر حجم الدماء النازفة في غزة على منظومة التفكير والعمل السياسي الفلسطيني، إذ لا يمكن أن تعود الأمور إلى سياقها السياسي السابق، وما بعد هذه الدماء النازفة، سيكون مغاير تماما لما قبله.
القبول بالحد الأدنى، وسياسة الترضيات، لم يعد لها وجود في قاموس المنطقة، وفكرة تنظيف الأراضي الفلسطينية من آخر جندي إسرائيلي ستتحول من مجرد أحلام إلى آليات عمل، بما يعني ذلك أن ثمة كيانات سوف تنهار، ودماء سوف تهدر أكثر مما نشاهده حاليا.
إذ لم يعد ممكنا أن يستقر الكيان الصهيوني في المنطقة، حتى حل الدولتين وإن تم القبول به مبدئيا لإنهاء الحرب إلا أنه لن يكتب له النجاح طويلا، فالسياسي لا يخلق المستقبل، وإنما يستجيب له، أما من يصنع المستقبل فهو تلك الدماء التي سالت.
من جانبها، تعتبر حماس وحزب الله من أبرز المنظمات العسكرية التي تشارك فعلا في رسم مستقبل المنطقة، ويمتلكان نفوذًا كبيرًا لا يستهان به، وتعتمد سياسة هذين الحزبين على مقاومة إسرائيل بشتى الوسائل، وتقديم الدعم للشعب الفلسطيني في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي.
أما إيران، فهي تُعبّر عن اعتزازها بدورها في دعم القضية الفلسطينية، وتعتبره إنجازًا يرسخ من مكانتها كدولة فاعلة إقليميا. وتُؤكد على لسان مسؤوليها أن دعم حماس يأتي التزامًا منها بواجبها الديني والأخلاقي تجاه المظلومين والمحرومين.
وربما لا نكاد نجد لهذا الدور نظيرا في العالم العربي، وهو ما يشكل خطرًا جسيمًا على مصالحها. ففي ظل هيمنة القوى الخارجية، تُجبر الدول العربية على الانصياع لإملاءات الخارج. لنتذكر مثلا أن دونالد ترامب، كرئيس مرجح للفوز، ينتهج سياسة اختلاق الأزمات وابتزاز الدول تحت شعار “الأموال مقابل الحماية”.
من المهم أيضًا النظر إلى تأثيرات هذه الأحداث على الوضع الإقليمي والدولي. فقد أدى التصعيد الحالي إلى تدهور الثقة بحكمة القادة الكبار في العالم، والتشكيك في قدرتهم على ترسيخ مبادئ السلام والاستقرار العالمي، وتأمين الملاحة البحرية، بل وتورطهم في العبث بالأمن العالمي.
يتعين على الدول العاقلة والمنظمات الدولية المستقلة السعي الحثيث لوقف المزيد من إهدار الدماء في غزة، وتجنب المزيد من الصدام مع جيوب المقاومة في المنطقة. وذلك لما سيترتب على تلك الدماء والمواجهات من عولمة حتمية للدمار في العالم.