أهلُ السلطة والقرار في بلاد العرب والمسلمين ينتظرون نتيجة «اليوم الكبير»، إنه يوم الانتخابات الرئاسية الأمريكية في 5 تشرين الثاني/نوفمبر الجاري. بعضهم يتلهّف ليكون مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب الرئيس الجديد، بعضهم الآخر يتمنّى أن تكون مرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس هي الرئيسة المنشودة التي بفوزها (غير المرجّح) تصبح اول امرأة تتولى الرئاسة في تاريخ الولايات المتحدة.
بنيامين نتنياهو هو أبرز المتلهفين والعاملين من أجل فوز حليفه ترامب، أليس ترامب مَن جاهر بضمّ القدس إلى الكيان الصهيوني واعترف بها عاصمة له؟ أليس هو مَن أعلن دعمه لضمّ الجولان السوري المحتل إلى دولة الاحتلال؟ أليس هو مّن دعا بنيامين نتنياهو، بعد طوفان الأقصى، إلى ضرب إيران اقتصاصاً لدعمها حركة حماس في مقاومتها الضارية لكيان الاحتلال؟
غالبيةُ الذين يتمنّون فوز هاريس يعتقدون أنها أقل حماسة من ترامب في دعم «إسرائيل» وأكثر استعداداً للتوصل إلى تسوية بشأن الصراع العربي – الإسرائيلي وأقلّ انحيازاً لنتنياهو وائتلافه الحاكم. هل من فرصة حقاً لأي تسوية بعد «اليوم الكبير»؟ الجواب: كلاّ ما دام نتنياهو في السلطة؛ وكلاّ ما دامت الدولة العميقة في الولايات المتحدة تعتبر «إسرائيل» قاعدتها الأمامية الأفعل للدفاع عن مصالحها وللتفاهم مع حلفائها في منطقة غرب آسيا الممتدة من شواطئ البحر الأبيض المتوسط جنوباً إلى شواطئ بحر قزوين شمالاً؛ وكلاّ ما دامت الولايات المتحدة تهيمن على النظام الدولي القائم حاليّاً، وإن بات محكوماً عليه بالتراجع والانحسار بعد صعود الصين سياسياً واقتصادياً وتمتين تحالفها مع روسيا.
ماذا عن أنصار مقاومة «إسرائيل» في عالم العرب؟ إنهم لا يرتجون خيراً أو تغييراً من الولايات المتحدة إزاء قضية فلسطين، سواء صار ترامب رئيساً أم هاريس، ما دام القرار بشأن قضية فلسطين حكراً للدولة العميقة قي واشنطن من جهة، ومن جهة أخرى بسبب إجراءات وواقعات واعتبارات أبرزها سبعة:
أولاً، لا يستطيع الرئيس الأمريكي المنتخَب أن يضطلع بسلطاته قبل انتهاء ولاية الرئيس الأقدم جو بايدن في 20 كانون الثاني/يناير 2025. مع العلم أن الرئيس الجديد تلزمه بضعة أسابيع، وربما أكثر كي يتمكّن مع فريقه الحاكم من الإحاطة بالواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والأمني للبلاد، وبما تواجهه من حاجات داخلية وتحديات خارجية، الأمر الذي يحول دون اتخاذه قرارات حاسمة خلال هذه الفترة.
ثانياً: نتنياهو كان قد اكّد جهاراً أنه ضد وقف إطلاق النار في غزة، كما في لبنان قبل ضمان تحقيق أهداف «إسرائيل». ويبدو واضحاً أن ما يرمي إليه في هذا المجال هو «القضاء» على حركة حماس وسائر فصائل المقاومة المتحالفة معها، وجعل قطاع غزة أرضاً يباباً، أي غير قابلة للعيش، وتهجير السكان أو خفض عددهم جذرياً بالقتل والتجويع والأمراض، وكذلك تدمير حزب الله (أي المقاومة الإسلامية في لبنان) قيادةً وتنظيماً وضرب حاضنته الشعبية، لاسيما في أوساط الطائفة الشيعية، وتهجير أفرادها وجماعاتها إلى أربع جهات البلاد، وافتعال فتن ومناوشات بينهم وبين سكان المناطق التي نزحوا إليها.
اقرأ أيضا| المقاطعة من أهم أساليب مقاومة الاحتلال
ثالثاً، من الواضح أن نتنياهو تلقّى ضوءاً أخضر من إدارة بايدن لمحاولة «إنهاء» حزب الله، وبالتالي مهاجمة لبنان لتفكيكه دولةً وشعباً بقصد الحؤول دون بقاء حزب الله ونهوضه بأعباء مقاومته المتصاعدة للكيان الصهيوني. ويعتقد نتنياهو أن بقاء الضوء الأخضر الأمريكي مُشعاً لمصلحته مشروط باستمرار حربه في غزة، كما في لبنان سواء فاز بالرئاسة ترامب أم هاريس.
رابعاً، يشعر نتنياهو بأن وقف الحرب في غزة ولبنان يعزّز الخطر الوجودي على حياته السياسية، كما على الكيان الصهيوني، ذلك أن وقف الحرب سيؤدي تالياً إلى سقوط حكومته وإخضاعه مجدداً إلى المحاكمة لارتكابه أفعالاً جنائية خلال وجوده في السلطة، ما يفضي إلى زجّه في السجن وإنهاء حياته السياسية. كما يشعر، وغيره كثر من أهل اليمين العنصري المتطرف، بأن وقف الحرب يعني عملياً إعطاء إيران مهلةً إضافية لتعزيز نفسها سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وصولاً إلى امتلاكها سلاحاً نووياً يكون من شأنه قلب موازين القوى في المنطقة لمصلحتها.
خامساً، بات واضحاً أن حزب الله تمكّن بسرعة قياسية من ترميم مستواه القيادي بعد خسارة قائده التاريخي الشهيد السيد حسن نصر الله، وكوكبة من خيرة قادته السياسيين والعسكريين، الأمر الذي حفّزه بسرعةٍ ايضاً على استعادة زمام القيادة والسيطرة وتفعيلها، بدليل نجاحه في تصعيد مقاومته الضارية للعدو الإسرائيلي والحؤول دون محاولاته المتكررة واليائسة لاحتلال بعض القرى الأمامية على حافة الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، ناهيك عن نجاحه في توسيع دائرة تصديه للعدو، بحيث تمكّن من إيصال صواريخه وطائراته المسيّرة إلى مدينة حيفا ومحيطها الصناعي، ومدينة تل أبيب ومحيطها أيضاً. كلُ ذلك حمل نتنياهو على التمسك بضرورة استمرار الحرب تفادياً لتزايد الضغوط عليه، داخلياً وخارجياً، من أجل التوصل إلى تسوية، في غير مصلحته، لوقف إطلاق النار بغية تبادل الأسرى مع حركة حماس.
سادساً، نجاح حركة حماس وحلفائها في قطاع غزة في منع العدو الإسرائيلي من بسط سيطرته وتحقيق أهدافه المعلنة، رغم تكبدها وشعبها أكثر من 43 ألف شهيد ومئة ألف جريح، الأمر الذي عزّز مطالبة أهل الأسرى الإسرائيليين ومؤيديهم بضرورة الموافقة على اتفاق لوقف النار لتسهيل تبادل الأسرى. ومن المعلوم أن موافقة نتنياهو على وقف إطلاق النار كفيلة بحمل وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش على الاستقالة ما يؤدي إلى سقوط الحكومة.
سابعاً، لا يخفى على كثيرين من متابعي حركة نتنياهو سياسياً وميدانياً أن حربه الإبادية في غزة ولبنان هي حلقة من حلقات مخططه الرامي إلى إقامة «شرق أوسط جديد»، بدعم من الولايات المتحدة، يخدم على المدى البعيد، أوهام غلاة الصهاينة التوراتيين بتوسيع دولة «إسرائيل» لتصبح مساحتها ممتدة من نهر الفرات في سوريا والعراق إلى نهر النيل في مصر، لذلك يشكّل وقف الحرب في رأي نتنياهو نكسة مبكرة لزملائه من غلاة الصهاينة الفاشيين.
أوردتُ كل هذه الواقعات والاعتبارات والتخيلات لأصل إلى خلاصة منطقية مفادها، أن نتنياهو وأمثاله من غلاة الصهاينة ليسوا في وارد وقف الحرب علينا جميعاً أياً يكن الرئيس المقبل للولايات المتحدة بعد «يوم الثلاثاء الكبير». فطالما أن حرب غلاة الصهاينة التوراتيين ناشطة ضدنا، لا سبيل أبداً إلى مواجهتها وإحباطها إلاّ بالمقاومة. المقاومة هي الخيار والنهج والقرار إلى أن يتحقق الانتصار.