قبل عامين، ومع انسحاب القوات الروسية من شمال شرقي أوكرانيا تزايدت المخاوف من أن يستخدم فلاديمير بوتين أسلحة نووية تكتيكية لمنع التقدم الأوكراني. وخلال سبتمبر (أيلول) 2022 أفادت التقارير بأن رئيسة الوزراء البريطانية آنذاك ليز تراس قضت أيامها الأخيرة في منصبها تحلل خرائط مناطق التداعيات النووية المحتملة التي قد تؤثر في المملكة المتحدة.
وعلى رغم أن بوتين هدد بالتصعيد النووي مرات عدة منذ ذلك الحين، فإنه اكتفى بإطلاق قنابل حرارية شبه نووية مروعة وسط أسراب الصواريخ والطائرات المسيرة التي ضربت المدن الأوكرانية.
ومع ذلك، عاد خطر تصعيد الصراع إلى حرب نووية إلى الظهور، هذه المرة من كييف وليس الكرملين.
فقد نصح أحد مراكز الأبحاث المؤثرة هناك الرئيس فولوديمير زيلينسكي باستخدام قضبان الوقود من مفاعلات الطاقة النووية الأوكرانية لصنع قنبلة نووية من نوع ناغازاكي أو “قنبلة قذرة” من أجل الضغط على روسيا لإنهاء الحرب وتخفيف التأثير المحتمل لرئاسة ترمب المستقبلية التي قد تقلل من الدعم العسكري والمالي.
اقرأ أيضا.. هل تبدد الدفء في علاقة ترمب وبوتين؟
وعلى رغم أن بعض المراقبين يستخفون بفكرة أن تكون أوكرانيا هي من سيكسر المحرمات المتعلقة باستخدام الأسلحة النووية، لا ننسى أنه قبل أسابيع قليلة من غزو روسيا حذر زيلينسكي في مؤتمر ميونيخ للأمن من أن بلاده قد تضطر إلى استخدام السلاح النووي إذا فشل الغرب في منع الحرب.
فمنذ كارثة تشيرنوبل خلال عام 1986 والأوكرانيون يطاردهم إرث التداعيات النووية، ولكن مع تفاقم الحرب قد تكون المقامرة اليائسة الأخيرة منطقية في كييف إن لم يكن داخل أي مكان آخر.
وكثيراً ما تحسر الأوكرانيون على قرار حكومتهم الأولى بعد الشيوعية خلال عام 1994 بنقل أسلحة الحقبة السوفياتية النووية من أراضيها إلى روسيا. وخلال ذلك الوقت كانت مذكرة بودابست التي رتبت هذه العملية برعاية الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة، التي افترضت أن تركيز جميع الأسلحة النووية للاتحاد السوفياتي في روسيا من بيلاروس وكازاخستان وكذلك أوكرانيا سيجعل العالم مكاناً أكثر أماناً، ويقلل من خطر أن تجد “الأسلحة النووية السائبة” طريقها إلى دول منبوذة مثل عراق صدام حسين أو كوريا الشمالية.
وبعد ذلك بجيل وجدت أوكرانيا نفسها من دون رادع نووي أمام روسيا بوتين، في حين كان لدى بوتين مظلة نووية لردع التدخل الغربي المباشر عندما أقدم على غزو أوكرانيا. واعترف الأدميرال في حلف الـ”ناتو” روب باور قبل أيام قليلة بأنه لو لم تكن روسيا تمتلك أسلحة نووية لحاربت قوات الغرب الجيش الروسي بالفعل، وليس فقط زودت الأوكرانيين بالسلاح والمال.
وتشير دراسات البنتاغون حول الأسلحة النووية التكتيكية إلى أنها لن تكون ذات قيمة عسكرية تذكر ما لم تستخدم على نطاق واسع، بحيث تغطي ساحة المعركة ومنطقة شاسعة حولها بالتداعيات.
إن أي سلاح نووي أوكراني يجري تجميعه في أزمة ما سيكون له قيمة عسكرية ضئيلة، واستخدامه على هدف مدني مثل موسكو سيغضب أصدقاء كييف، وقد يثير رداً انتقامياً كارثياً من قبل بوتين. ولكن إثارة هذه القضية قد تخدم غرضاً منطقياً بالنسبة إلى زيلينسكي. فقد يدفع الأوروبيون والأميركيون للضغط على روسيا لتحقيق السلام قبل أن يقدم على تصرف مبالغ فيه.
ويعكس الحديث عن الخيارات النووية في كييف الوضع المتدهور بصورة متزايدة على الخطوط الأمامية التقليدية في الشرق. بدلاً من عقد مقارنات مع قصف ناغازاكي في نهاية الحرب العالمية الثانية، ربما يكون من المناسب أكثر أن ننظر إلى نوفمبر (تشرين الثاني) 1918. وخلال ذلك الوقت كان الجيش الألماني ضعيفاً للغاية بسبب استخدام الحلفاء لآلاف الدبابات وأعداد هائلة من الجنود، إلى جانب وصول القوات الأميركية الجديدة إلى أوروبا، لدرجة أنه انهار كقوة مقاتلة.
وحذرت الاستخبارات الألمانية من أن أوكرانيا قد تنهار في غضون ستة أشهر، مما قد يؤدي إلى موجة هائلة من اللاجئين تتجه غرباً. وقد يكون هذا السيناريو هو الضربة القاضية غير النووية التي يوجهها بوتين لحلفاء كييف الأوروبيين.
وبغض النظر عن قرار زيلينسكي في شأن الخيار النووي، يبدو أن عواقب الحرب في أوكرانيا تتحول غرباً مع وجود مساعدة ضئيلة من البيت الأبيض لمنع ذلك.