بعد دخول حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة عامها الثاني، بدأت الكثير من التساؤلات والتكهنات حول مستقبل هذه الحرب، تطفو على السطح، في ظل الأزمات المتفاقمة والتوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط والعالم أجمع، بدءا من لبنان التي تحاول إخراج نفسها من الحرب التي تورطت بها، مرورا بإيران التي تفكر بالراحة وبكل هدوء في ردها على القصف الإسرائيلي الأخير، وليس انتهاء بالولايات المتحدة الأمريكية التي تجهز لانتخاباتها الرئاسية التي ستبدأ بعد أيام.
وأول هذه الأسئلة، بل أهمها، هو هل يترك قطاع غزة يواجه مصيره بمفرده، في ظل الانشغال الإقليمي والدولي بالشؤون الداخلية، بعد مرور هذا الوقت الطويل منذ “الطوفان ” الذي مازال هو نفسه مازال يثير الكثير من علامات الاستفهام، حول أسبابه وتوقيته.
في الحقيقة، هناك تراجعا واضحا في الاهتمام من قبل الدول الغربية وحتى العربية والإسلامية بما يجري في قطاع غزة من حرب إسرائيلية متواصلة، فيما بدا الإرهاق واضح جدا على الدول التي كانت فاعلة على الساحة السياسية مثل مصر وقطر والتي كانت تتدخل وتتوسط لحل هذا النزاع الذي مازال يتعقد يوما بعد يوم.
وفي الوقت الذي تسعى فيه لبنان وحزب الله إلى الوصول الى انهاء الحرب مع إسرائيل في جنوبها وانهاء ما كان يتغنى به محور إيران بـ”وحدة الساحات”، وفصل ساحة غزة عن لبنان، بعدما تفاجأ الحزب نفسه من الرد الإسرائيلي، فإن إيران ذاتها التي كانت طوال الوقت تحكي عن رد حاسم ودعم القضية الفلسطينية، لم تبادر حتى الآن برد سريع وحاسم على إسرائيل التي ردت بكل قوة مؤخرا، الأمر الذي يؤكد وجود استراتيجيات جديدة لدى كل الدول بعيدا عن أزمات غزة المعقدة.
ويبدو أن قطر ومصر اللتين كانتا الدولتين الفاعلتين على الساحة الفلسطينية للتوسط لإنهاء الحرب على غزة، قد أعادتا النظر في استراتيجياتهما تجاه القطاع المنكوب، بعدما واجهت جهودهم صعوبات كثيرة وإحباطات أكثر، بعدما فشلت محاولاتهم الحثيثة لتفعيل الحوار وإيجاد حلول سلمية للمسألة التي تلهب العالم بأكمله.
أما الولايات المتحدة الأمريكية، فإن الواقع يؤكد أن فرص تدخلها ستقل أكثر فأكثر خلال الفترة الأخيرة والأيام المقبلة أيضا، فقادتها منشغلون بأجندات بلادهم الداخلية، مع اقتراب الانتخابات الرئاسية، وهذا ما ظهر من الاهتمام المحدود لإدارة البيت الأبيض في الآونة الأخيرة، بالأزمات الخارجية، خصوصا قطاع غزة التي كانت تبين نفسها بأنها وسيط دولي في حل النزاعات الإقليمية.
اقرأ أيضا| وعد بلفور المشؤوم ومأساة الشعب الفلسطيني
هذه الصعوبات تدركها الولايات المتحدة جيدا، وهي التي تدعي بأنها الراعي الرسمي لجهود التهدئة، رغم أنها في موقف غير مفهوم مطلقا، فمن جهة فإنها دعمت إسرائيل بالأسلحة الفتاكة وبكل ما يلزمها لهزيمة حماس وتعلن ذلك في كل تصريحاتها طوال العام الذي مضى، فيما تتحدث في الجانب الآخر عن ضرورة الاستمرار في مفاوضة الحركة، وعقد جلسات معها والتي كان آخرها في القاهرة برعاية مدير المخابرات الأمريكية.
في ظل هذا الواقع الدولي والإقليمي والعربي الأليم، فإن الواقع يشير إلى أن قطاع غزة قد يجد نفسه في نهاية المطاف، معزولا عن الدعم الفعال، وواقعا في مصيدة الصراعات المتشابكة والتحديات السياسية التي تحيط به من جميع الجهات، الأمر الذي سيزيد من صعوبة الوضع الإنساني والسياسي داخل القطاع، رغم ظروفه القاسية الراهنة.
إن هذه التطورات والواقع الأليم الذي يعيشه قطاع غزة، يفرض على قادة السلطة الفلسطينية وقادة حركة حماس التي مازالت تعاند وتكابر، النظر إلى الوضع الصعب لشعبهم، والعمل على إنهاء الحرب بأي ثمن، حتى لو تطلب الأمر بإطلاق سراح كل الاسرى الإسرائيليين، مقابل وقف الإبادة المستمرة، والحفاظ على ما تبقى من الشعب ومن الأرض..فلا تراهنوا كثيرا على دعم دولي أو عربي، أو شعارات رنانة فارغة، اتركوا “وحدة الساحات” والمحور ، اتركوا العالم بشأنه، فكل دولة فيها ما يكفيها من مشاكل وهموم.. أوقفوا الحرب بأي ثمن فيكفي غزة ما خسرته!!