أمريكا

هل عززت المناظرة فرص رئاسة ترمب الثانية المحتملة؟

بالنظر إلى استطلاعات الرأي الأخيرة وتبقي أقل من 55 يومًا على الانتخابات، فإن فرص ترمب للفوز بالرئاسة حاضرة وربما بشكل متعادل مع نائبة الرئيس الأمريكي كاميلا هاريس

رغم أفضليتها في المناظرة الرئاسية الأخيرة فإن الإعلام الأمريكي مجمع على أن هاريس لم تحقق الاختراق المطلوب وتقنع الناخبين المترددين المتبقين والذين لم يحسموا أمرهم بعد، وهم أقلية مهمة في الولايات المتأرجحة، والأسوأ من ذلك أنها لم تحقق التقدم الذي كان متوقعا منها بعد نهاية المؤتمر الديمقراطي في شيكاغو، صحيح أنها قلصت الفوارق بشدة بينها وبين ترمب والتي خلفها بايدن وتقدمت على ترمب في معظم الاستطلاعات السابقة إلا أن تقدمها وصف بالمحدود والثابت على عكس مرشحي الحزب الديمقراطي في 2016 و2020.

بالنظر إلى استطلاعات الرأي الأخيرة وتبقي أقل من 55 يومًا على الانتخابات، فإن فرص ترمب للفوز بالرئاسة حاضرة وربما بشكل متعادل مع نائبة الرئيس الأمريكي كاميلا هاريس، وبلغة الأرقام تتقدم هاريس بنقطة واحدة على مستوى متوسط استطلاعات الرأي الوطنية في هذه اللحظة وهو رقم أقل بكثير من بايدن الذي كان يتقدم بـ7 نقاط بحسب متوسط الاستطلاعات بيما هيلاري كانت أقرب من تقدم بـ 4 نقاط وفق نفس الفترة، ومع ذلك خسرت الانتخابات.

وإذا حللنا كيف انتصر بايدن في عام 2020 فإننا سندرك أن هاريس تواجه طريقا صعبا للفوز بالمجمع الانتخابي باعترافها الدائم بأنها الطرف الأضعف في السباق.

ورغم تقدم بايدن بفارق واسع على الصعيد الوطني في عام 2020 فإن انتصاره كان مقلقًا للقواعد الديمقراطية، فقد انتصر بفارق 3 نقاط في مشيغان وبنقطة واحدة فقط في بنسلفانيا وبأقل من نقطة في ويسكونسن التي كانت نقطة التحول للفوز بالرئاسة.

وإذا نظرنا إلى هوامش انتصار بايدن فهي كانت أقل بكثير من هوامش أوباما 2012 رغم الهجوم الإعلامي الضخم على خصمه ترمب ووباء كرونا المدمر.

وهذا يسلط الضوء على تحول ولايات الجدار الأزرق لصالح الحزب الجمهوري الذي فاز بها في 2016، حيث وفقا لاستطلاعات الرأي الديمقراطية، بدأ هذا التحول منذ عام 2008، واتجهت هذه الولايات تدريجيا نحو اليمين. وجزء من هذا يتلخص في التركيبة السكانية، حيث يتحرك الناخبون البيض غير اللاتينيين الذين ليس لديهم شهادة جامعية والذين يشكلون أغلبية السكان في هذه الولايات الثلاث، بشكل حاد نحو الحزب الجمهوري في عهد ترمب. ورغم التوقعات بأن دعمهم لترمب سيضعف في 2020 إلا أن الأمر لم يكن كذلك. ولم يقتصر الناخبون البيض الذين لا يحملون شهادة جامعية على تأييد ترمب في عام 2020 فحسب، بل دعموه بهوامش أكبر. لكن بايدن حقق اختراقا في ولايتين جمهوريتين تقليديتين في منطقة صن بيلت وهي أريزونا وجورجيا، والتي تحولت تدريجياً إلى اللون الأزرق في عهد ترمب. وفاز المرشح الرئاسي الجمهوري آنذاك ميت رومني بأريزونا بفارق 9 نقاط في عام 2012، وفاز ترمب بها في 2016 بـ 5 نقاط لكنها تحولت لتمنح بايدن فوزًا ضئيلًا بنحو 0.3 نقطة. وبالمثل، ذهبت جورجيا إلى رومني بفارق 8 نقاط في عام 2012، وفي 2016 ب 4 نقاط لصالح ترمب لكنها تحولت بعد ذلك لبايدن للفوز بها بنحو 0.3 نقطة.

وإذا اعتبرنا أن أداء ترمب قد فاق التوقعات في انتخابات 2016 و2020 فان أرقامه في الاستطلاعات الأخيرة ترجح أنه سيقوم بذلك مرة أخرى والسبب أنه يتقدم على هاريس في كل القضايا الرئيسية التي تهم الناخبين وهي الاقتصاد والتضخم وأمن الحدود والجريمة وبفارق يتجاوز 5 نقاط في المتوسط.

والسؤال التالي كيف سيكون شكل الإدارة الثانية المحتملة لترمب؟
وفي الحقيقة لن تختلف عن فترة رئاسته الأولى حيث لديه رؤية مختلفة للنظام العالمي المبني على القواعد فهو يؤمن بسياسة أمريكا أولا، ولديه رؤية انعزالية شاملة على عكس الديمقراطيين تتلخص في تقليل المشاركة الأمريكية في الخارج وخاصة في الحروب ومنع صعود الصين.

ومن المتوقع أن يواصل سياسته المتشددة ضد الصين وإيران وسيكون متسامحا مع روسيا وضاغطا على الناتو من أجل دفع كل دوله حصتها العادلة والبالغة 2% من الناتج المحلي أو سيتركها تواجه مصيرها في حال تعرضت لأي أخطار محتملة، وبالتالي سوف يستخدم سياسة التعامل مع دول الناتو وفقا لحجم إنفاقهم.

وحاليا يتعهد بإنهاء الحرب على أوكرانيًا ووقف الصراع في أوروبا وقد ينجح في ذلك وهدفه الوحيد هو عزل روسيا عن الصين وهو أمر دعا إليه الراحل هينري كسينجر وزير الخارجية الأمريكي الأسبق الذي لا يؤيد زيادة وتعميق العداوة مع روسيا خشية من تحالفها مع الصين.

وبالنظر إلى موقفه تجاه الصين فهو يريد فرض رسوم جمركية إضافية على جميع الواردات الصينية بنسبة 10% ونسبة 100% على السيارات الصينية المستوردة وقد كشف ترمب عن نيته وضع تعريفات جمركية بنسبة 60% على الأقل على كل البضائع الصينية، وهي قرارات اقتصادية وصفت بالمتطرفة تجاه الصين وقد تتسبب برفع مستوى التوتر بين البلدين إلى أبعد الحدود وتبعات اقتصادية على الاقتصاد العالمي.

كما كان لديه خطة لم يستطع تنفيذها أثناء فترة رئاسته الأولى وهي سحب 12 ألف جندي أمريكي من قواعدهم في ألمانيا وإرسالهم إلى قواعد قريبة من الصين في المحيط الهندي والهادي.

ومن المتوقع أن يضغط على حلفاء أمريكا في آسيا وهم اليابان وكوريا الجنوبية من أجل دفع حصص عادلة مقابل توفير الحماية لهذه الدول، وفي الحقيقة تعترف الصين بأن سياسة ترمب تجاه اليابان دفعتها إلى المشاركة معها في مشروع طريق الحرير، كما غيرت كوريا الجنوبية من خط عدائها للصين وبدأت أكثر حيادية في مواقفها السياسية.
وفي الشرق الأوسط ترمب سيجد منطقة مختلفة وملتهبة ليست كتلك التي تركها، وعلى الأرجح سيكون متشددًا ضد إيران خصوصا بعد هجوم 7 أكتوبر ضد إسرائيل، وسوف يعيد زيادة الضغط الأقصى عليها من أجل إفلاسها وقد تسببت سياسته السابقة في ذلك حيث كانت تبيع ما لا يقل عن 200 ألف برميل نفطي فقط في عهده بعد أن كانت مبيعاتها تتجاوز مليونا ونصف المليون برميل، كما وجه لها ضربة عسكرية كبرى بقتله أرفع قائد عسكري لديها وهو قاسم سليماني.

وقد حذرت الأوساط الإيرانية مؤخرا من عودة ترمب للسلطة وهو ما سيشكل خطرا اقتصاديا جسيما على النظام.
ولا أستبعد توجيه ضربة عسكرية ضد إيران لوقف استهدافها القواعد العسكرية الأمريكية في المنطقة في حال واصلت إيران عملياتها العسكرية ضدها وضد إسرائيل والسفن التجارية، كما أنه على الأرجح قد يعطي إسرائيل الضوء الأخضر لمواجهة حزب الله وتدميره بشكل كامل، وقد دعا إلى سحق حماس بشكل سريع، كما أنه سيعمل على توسيع اتفاقيات إبراهيم في الشرق الأوسط. وسوف يهتم بأمر العراق وميليشيات الحشد الشعبي هناك، كما يتوقع أن يزيد الضغط على الحوثيين عسكريا وسياسيا واقتصاديا.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى