هل ستشهد انتخابات بريطانيا عقابا شعبيا لـ”المحافظين”؟
الانتخابات العامة المقبلة في بريطانيا ستكون عملية عقابية لحزب المحافظين إذ يتوق الناخبون إلى توجيه ضربة قاسية للحزب الحاكم بسبب السياسيات الفاشلة والفضائح التي شهدتها السياسة البريطانية في الأعوام الـ14 الماضية
هل ستكون الانتخابات العامة المقبلة في بريطانيا هي أكثر انتخابات محكومة بتوجهات ثأرية في تاريخ البلاد؟ هناك سبب للاعتقاد بأنها ستكون كذلك، إذ يرى النائب المحافظ السابق ووزير الدولة بول سكالي أنها “انتخابات عقابية” إذ سيتعرض حزب المحافظين وبخاصة زعيمهم لضربة انتقامية قوية من الناخبين خلال الأسبوعين المقبلين.
ليست هذه الأجواء التي يحلم بها أي عضو في الحزب أو يجرؤ أي عضو على الاعتراف بها وهو يجوب الشوارع تحت زخات المطر، ولكن سكالي يستطيع التصريح بذلك بصورة علنية لأنه تخلى عن أية محاولة يائسة للتشبث بدائرته الانتخابية في كرويدون، وقال “يبدو أن الحزب يواصل الإضرار بمصالحه جراء أفعاله، وقدرته على التعافي من هذه الأخطاء باتت محدودة بسبب قلة الفرص والإمكانات. عندما يواجه الحزب ما يمكن اعتباره انتخابات عقابية وعندما يريد ناخبون معاقبة ’المحافظين‘ على أخطائهم فسيدققون في كل خطوة نقوم بها، ومن ثم نسهل عليهم معاقبتنا بصورة أكبر على هذا الأساس”.
وفي الحقيقة ومع اتساع رقعة فضيحة المراهنة القذرة [قيام عدد من الأشخاص في حزب المحافظين بالرهان على موعد الانتخابات العامة قبل إعلانها الرسمي] وتفاقمها مع مرور الوقت، يجري تذكير الناخبين باستمرار بأحد الأسباب التي تدفعهم لمعاقبة “المحافظين” بشدة. لو كنت مكان أي وزير في الحكومة أو سياسي محافظ بارز لكنت سأشعر بالقلق من أن يصب الناخبون جام غضبهم علي خصوصاً.
والأرقام واضحة وضوح الشمس، فحتى في ظل التقديرات المتفائلة لاستطلاعات الرأي ونسبة إقبال الناخبين المعتادة التي تصل إلى نحو الثلثين لن يكترث سوى واحد من كل ستة بريطانيين بالتصويت للحزب هذا العام.
وكما تعلمون هذا هو حزب “المحافظين والوحدويين” الذي هيمن على المشهد السياسي البريطاني خلال القرن العشرين، ويحق أن يوصف بأنه أنجح تنظيم سياسي ديمقراطي في تاريخ الحضارة.
ولكنه بات اليوم قاب قوسين أو أدنى من الانقراض والأكثر إثارة للقلق بالنسبة إليه أنه شعبيته انتفت بالفعل بين الشباب. وفي يوم الاقتراع من المتوقع أن يتعرض لهزيمة ساحقة في لندن وكل المدن الكبيرة، إضافة إلى مناطق شاسعة من اسكتلندا والشمال ومنطقة ميدلاندز والغرب. ويبدو أن الحزب سيخسر أيضاً في المقاطعات المعروفة باسم “هوم كاونتيز” [“مقاطعات البيوت” وهي التي تحيط بالعاصمة لندن تؤوي كثيراً من الأحياء السكنية الذين يأتون إلى لندن للعمل، ولذلك تعرف بمقاطعات البيوت] سوفولك وكامبريدجشير والساحل الجنوبي، مع توقعات بخسارة عدد قياسي من ودائع المحافظين الانتخابية [(في المملكة المتحدة) تكون الوديعة الانتخابية عبارة مبلغ من المال يقدمه أحد المرشحين للانتخابات وتتم مصادرته إذا فشل في الحصول على نسبة معينة من الأصوات]. وفي مناطق أخرى سيبرز الديمقراطيون الليبراليون وحزب الإصلاح كمنافسين لنواب حزب العمال. ويبدو أنه لم يتبق للحزب سوى بعض الملاذات الريفية القليلة.
ولم يسبق لأية حكومة محافظة أن شهدت هزيمة من هذا العيار – إنها هزيمة موجهة لتلقين الحزب درساً. ويبدو أن الناخبين البريطانيين الذي باتوا مثل سرب من الدبابير الغاضبة عازمون على توجيه ضربات موجعة لما تبقى من حزب المحافظين، بغض النظر عن العواقب.
وتبدو الانتخابات العامة لعام 2024، أكثر من أية انتخابات أخرى أشبه بانتخابات فرعية. تقليدياً وتاريخياً يتم حسم الانتخابات العامة البريطانية بناء على تقلبات متواضعة نسبياً في المزاج العام – أي ما يوازي ثلاثة أو أربعة أو خمسة في المئة من تبدل في مزاج الناخبين يكون عادة كافياً.
وكانت انتخابات عام 1945 وفوز بلير الساحق خلال عام 1997 استثنائية – إذ شهدت تغييرات تفوق 10 في المئة، لكن هذه الانتخابات تبدو وكأنها ستضاعف تلك الأرقام ولو بصورة مشوهة بسبب تأثير ناجل فاراج وحزب الإصلاح في المملكة المتحدة.
إنها تشبه الانتخابات الفرعية التي حطمت الأرقام القياسية على مدار الأعوام القليلة الماضية في مناطق مثل شمال يوركشير وديفون، مع تحولات في مزاج الناخبين فاقت الـ20 في المئة. وهذا أمر غير مسبوق ويشير إلى تصميم عنيد “لإخراج ’المحافظين‘” أو كما يختصرونه في هاشتاغ #GTTO. كما أن الارتفاع الكبير خلال الساعات الأخيرة قبل إغلاق تسجيل الناخبين يشير إلى زلزال سياسي مقبل.
وهناك جهد عليك أن تبذله لتخيل هذه الغالبية الكاسحة بأكثر من 200 نائب التي قد يحصل عليها حزب العمال. فهي تعني أن كير ستارمر لو قرر يمكنه في اليوم التالي مباشرة إعادة الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي واستبدال الجنيه الاسترليني إضافة إلى توحيد الإجراءات البيطرية. ومن المحتمل أن يخسر ريشي سوناك مقعده لمصلحة حزب العمال وهو موقف مذل لا أحد يعرف كيف سيتعامل معه سوناك.
وفي ظهوره العلني الأخير،بما في ذلك الحلقة الخاصة من برنامج “بي بي سي كويستشن تايم”، بدت الضغوط واضحة على ملامحه وظهر محبطاً، سواء من تصرفات زملائه في الحزب أو من تفاعل الجمهور. وبدا عليه العصبية والانزعاج في بعض الأحيان، وترك انطباعاً بأنه يشعر بالإحباط من الناخبين الذين يعد أن استيعابهم قليل. وهذا التصرف أدى إلى تفاقم الوضع والأمور بصورة أكبر.
إنه يريد أن يحكم عليه الناخبون بناء على سجله ولكن الناخبين على عكس ما يأمل ليسوا معجبين بهذا السجل ويرغبون في مراجعة الأعوام الـ14 الماضية – بما في ذلك فترة التقشف القاسية والفضائح المختلفة والفضائح الجنسية وقضية دومينيك كامينغز وفضيحة الحفلات وفضيحة عضو البرلمان الذي كان يشاهد مقاطع إباحية في البرلمان والموازنة المصغرة الخاصة بليز تراس وبريكست – كل هذه الأحداث تلقي بظلالها على حكم الحزب.
وليس كل ذلك من مسؤولية سوناك ومن المؤكد أن تحمله عبء سلسلة الأخطاء والسلوكات السيئة المتراكمة محبط له. فكثير من هذه الأخطاء كانت بسبب ديفيد كاميرون وتيريزا ماي وبوريس جونسون ووليز تراس. ومع ذلك عندما تحين لحظة الحساب تنتهي اللعبة. ولن يطول الانتظار حتى نرى النتائج.