المناطق التي يستهدفها هجوم فصائل المعارضة في ريف مدينة حلب تعرف منذ سنوات بأنها ذات أهمية كبيرة بالنسبة لإيران عسكريا، وهو ما عكسته السنوات التي سبقت عام 2020 عندما زج “الحرس الثوري” بالكثير من الميليشيات هناك على الأرض أو على صعيد الحادثة التي أسفرت، الخميس، عن مقتل جنرال كبير يدعى، كيومارس بورهاشمي.
وتشير المعطيات على الأرض، بحسب ما قال المرصد السوري لحقوق الإنسان، إلى أن الهجوم ما يزال مستمرا ويأخذ شكل التقدم من محورين، الأول باتجاه أحياء حلب ثاني أكبر المدن السورية الخاضعة لسيطرة النظام السوري، والثاني باتجاه مدينة سراقب بريف إدلب، الواقعة على الأوتوستراد الدولي المعروف برمز “إم فور”.
ماذا يعني الهجوم لإيران؟
قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الإيرانية، إسماعيل بقائي، الخميس، إن “حلب وإدلب وريفاهما جزء من مناطق خفض التصعيد بموجب اتفاقية أستانا”، وإن “عملية الجماعات المسلحة خرق للاتفاق”.
واعتبر المسؤول الإيراني أن التحركات الأخيرة “تأتي ضمن مخطط أميركي إسرائيلي لزعزعة استقرار المنطقة”، على حد وصفه، وفي المقابل كان لافتا خلال الساعات الماضية حالة توجس أبدتها ميليشيات تتبع لـ”الحرس الثوري” وتنشط في العراق، بينها “كتائب سيد الشهداء”.
وبعدما حذّر أمين عام هذه الكتائب، أبو آلاء الولائي على “إكس” من محاولات مشابهة لتوسعة رقعة الأحداث، قال: “يجب العمل بكل الوسائل لتجفيف منابع نشوئها”.
ويوضح الباحث السوري في شؤون جماعات ما دون الدولة، عمار فرهود أن حزب الله والميليشيات التابعة لـ”الحرس الثوري” كانت تولي منذ زمن أهمية كبيرة للمناطق التي تهاجمها وتسيطر عليها فصائل المعارضة الآن.
ويشير إلى قاعدتين تحظيان بأهمية كبيرة بالنسبة لإيران في محيط حلب. الأولى هي بلدتي نبل والزهراء والثانية جبل عزان الذي يعتبر بمثابة المفتاح الجنوبي لأحياء حلب المدينة، على حد تعبيره.
منذ عام 2015 كانت منطقة جبل عزان ذات نفوذ إيران، وبعد هذا العام قادت الميليشيات التي تتبع للأخيرة المعارك هناك ضد فصائل المعارضة. ووثق ذلك وقائع عسكرية كثيرة، كان في صلبها حزب الله اللبناني.
ويقول فرهود إن وجود “إيران وميليشياتها بينها حزب الله كان منذ سنوات لحماية مصالح طهران الاستراتيجية هناك”.
ويضيف أن “خسارة المناطق المذكورة (القواعد) ستسفر عن خسارة مدينة حلب”، ويرى أن هذا السيناريو لن يكون بالأمر السهل، وهو ما نتذكره في المواجهات الكبيرة التي حصلت، منذ 2014 وحتى اليوم.
وكما يتابع الباحث الأول في مؤسسة “كور غلوبال” المختص في الشأن السوري، عروة عجوب فإن “معركة الفصائل المسلحة واحدة”، ويوضح أن هذه الجهات “لا تميز بين الإيراني والنظام السوري وإيران. الكل بالنسبة لها عدو”.
ويوضح عجوب أن “مقتل المستشار الإيراني جزء من المعركة وهدف مشروع تم رصده والتعامل معه بشكل ما”.
ما وراء الانهيار السريع؟
وهذه المرة الأولى منذ 2020 التي تتغير فيها خرائط السيطرة في شمال غرب سوريا.
ويحكم هذه المناطق التي تشمل محافظة إدلب وأجواء من محافظة حلب واللاذقية اتفاق كان الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان أبرمه نظيره الروسي، فلاديمير بوتين في مدينة سوتشي الروسية.
وبحسب ما نقلت وكالة “رويترز” عن مصادر تركية أمنية، الخميس، فإن هجوم الفصائل الآن في ريف حلب وإدلب يستهدف العودة إلى حدود عام 2019.
ويعني ما سبق استعادة السيطرة على الكثير من القرى والبلدات والمدن الواقعة في محيط الطرقات الدولية.
اللافت أن تقدم فصائل المعارضة يأتي بصورة متسارعة، وفي غضون 36 ساعة فقط وصلت إلى مشارف حي حلب الجديدة الواقع في الجهة الغربية من المدينة. وبينما لا تعرف الحدود التي ستصل إليها الجماعات المسلحة لم يتخذ النظام السوري موقفا فاعلا على الأرض حتى الآن.
كما لم تستخدم روسيا ثقلها الجوي الكبير، كالسلوك الذي سبق وأن اتبعته في عدة عمليات عسكرية جرت في المنطقة.
وإضافة إلى كون مناطق ريف حلب الغربي والجنوبي تحظى بنفوذ لحزب الله تنتشر هناك أيضا ميليشيات من “الحرس الثوري”، على رأسها “فاطميون” و”زينبيون”، بحسب الباحث السوري، فرهود.
ويشرح أن مناطق النفوذ الاستراتيجي القديم للحزب اللبناني وإيراني هناك “هي امتداد طبيعي لمعامل الدفاع التي يتم فيها بعض حالات التصنيع واستهدفتها إسرائيل عدة مرات”.
ويعتقد فرهود أن سبب الانهيارات السريعة على الأرض يعود لأمرين.
الأول أن ميليشيات إيران فقدت الثقة بقدرتها القتالية ولديها حالة معنوية منخفضة بعد هزيمة حزب الله، وبعتبر الباحث السوري أن هذه الجماعة اللبنانية “كانت البروكر النفسي والمعنوي لبقية الميليشيات. انكساره دمر المعنويات”.
كما يذهب سبب الانهيار السريع باتجاه مسار آخر يتعلق بالحاضنة السورية المتعاونة مع حزب الله وميليشيات إيران، بحسب فرهود موضحا أن “إسقاط سردية حزب الله جعل ثقة الحاضنة السورية ضعيفة، ولذلك لا نرى أي مقاومة كبيرة”.
ويقول أيضا إن “هزيمة حزب الله ضد إسرائيل بمثابة عدوى انتقلت إلى كافة ميليشيات إيران في المنطقة، وبينها سوريا”.
“استغلال ظرف إقليمي”
الهجوم الحالي لفصائل المعارضة يأتي بعد ترويج لمعلومات استمر نشرها أكثر من شهر، وتفيد بأن الجهات المسيطرة على إدلب بينها “هيئة تحرير الشام” بصدد إطلاق عمل عسكري ضد النظام السوري.
وكانت أسباب العمل العسكري الذي ورد في تلك المعلومات ترتبط على نحو محدد بتضعضع حزب الله عسكريا، وهو الجماعة التي انخرطت في القتال بسوريا بعد عام 2012 وانتشر مقاتلوها في عدة مناطق، بينها ريف حلب الغربي والجنوبي.
ويعتقد الباحث عجوب أن “المعركة الحاصلة الآن جاءت كنوع من استغلال الظرف الإقليمي”.
ويشير الباحث في هذا الصدد إلى مسارين الأول يتعلق بتلقي حزب الله لعدة ضربات دفعته مجبرا للتوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار، على خلاف ما كان يؤكد عليه أمينه العام الراحل، حسن نصر الله.
ويتعلق المسار الثاني إيران، إذ يقول عجوب إن ميليشياتها لم تقدم أي دور في حماية مناطق ريف حلب الغربي خلال الساعات الماضية لسبب قد يكون متعلقا بـ”قرار الأسد بالابتعاد عن محور المقاومة، وهو ما كان له تداعيات كبيرة”.