أوروبا

نحن والمتغيرات الأوروبية

إن علينا أن نتنبه جيدًا لما يحدث فى أوروبا، لأن نتائجه ستؤثر علينا بكل تأكيد فى العديد من الملفات، منها ملف الهجرة، والتعامل مع المصريين العاملين أو المهاجرين فى أوروبا، وكذلك فى مواقف أوروبا فى حالة حكم اليمين المتطرف لعدد من الدول المؤثرة

فوز اليمين المتطرف فى انتخابات الاتحاد الأوروبى سيكون له تداعيات بالغة التعقيد على مستقبل الاتحاد الأوروبي، وكذلك دول الاتحاد وسياساتها الداخلية وعلاقاتها الخارجية. وقد رأينا نموذجًا لذلك فيما يحدث فى فرنسا، حيث قرر رئيسها إيمانويل ماكرون إجراء انتخابات مبكرة للجمعية الوطنية (البرلمان)، واضعًا آماله فى استفاقة الرأى العام الفرنسى أمام صعود اليمين المتطرف إلى السلطة، الذى حصل على نحو 32%، بينما حصل التحالف الحاكم بقيادة ماكرون على 14%. لكن القرار بحل الجمعية الوطنية لا يضمن استفاقة شعبية فرنسية، وهناك احتمال أن يكون القرار فى صالح اليمين المتطرف، الذى يمكن أن تمتد هيمنته إلى الجمعية الوطنية، ويتمكن من تشكيل الحكومة ورئاسة الوزارة، لتصبح فرنسا أمام ازدواجية فى الحكم، لا تقبل الاستمرار.

إن علينا أن نتنبه جيدًا لما يحدث فى أوروبا، لأن نتائجه ستؤثر علينا بكل تأكيد فى العديد من الملفات، منها ملف الهجرة، والتعامل مع المصريين العاملين أو المهاجرين فى أوروبا، وكذلك فى مواقف أوروبا فى حالة حكم اليمين المتطرف لعدد من الدول المؤثرة، فقد شهدت عدة بلدان أوروبية صعود اليمين إلى المركز الأول أو الثاني، وبالتالى سنرى أوروبا مختلفة، وإن كان ذلك لن يحدث بسرعة، لأن انتخابات البرلمان الأوروبى شيء، والانتخابات الداخلية شيء آخر، لكنه فى كل حال مؤشر واضح على أن أوروبا تغير وجهتها. بل يمكن أن يتفكك الاتحاد الأوروبي، لأن الأحزاب اليمينية المتطرفة لا تؤمن بالوحدة الأوروبية، أو العملة الموحدة «اليورو»، ولا بجيش أوروبى موحد، ولا حتى باستمرار حلف الناتو لدى بعض تلك الأحزاب.

وأنا أتابع تلك الانتخابات وما سيترتب عليها، كنت مشغولًا بآثارها على مصر والمنطقة، لأن لدينا روابط قوية بأوروبا تحكمها علاقة الجوار الجغرافي، والتاريخ الطويل المتراوح بين الشد والجذب، وكذلك وجود مشتركات ومؤثرات ثقافية لا يمكن تجاهلها. فمعظم متعلمينا، وليس مهاجرينا فقط، يجيدون لغة أوروبية، ويقرأون بها، وتأثروا بإنتاجها الثقافى والعلمي، وكذلك تأثرت أوروبا بالفكر العربي، ومن قبله الإنتاج المعرفى للمصريين القدماء. وكنت قد شاركت فى الشهر الماضى فى الحوار العربى الأوروبى الذى تناول دور المجتمع المدنى والقيادات الفكرية والسياسية والدينية. دعت إليه الهيئة القبطية الإنجيلية المصرية من خلال حوار الثقافات، واستضافته اليونان التى لنا معها علاقات قوية وممتدة إلى عمق التاريخ. أثرنا فيها وتأثرنا بها، ومكتبة الإسكندرية أحد أبرز تلك الشواهد على عمق تلك العلاقات الثقافية والعلمية.

إننا بحاجة إلى تعميق التواصل الثقافى والعلمى مع أوروبا، وأن نبنى علاقات تقوم على المنفعة المشتركة، وترسى أسسًا جديدة تجتاز مراحل الحروب والاستعمار، وتركز على تبادل المعارف فى إطار من علاقات الندية والمساواة والتسامح والسلام. فمثل تلك المبادرات الشعبية يكون لها نتائجها الإيجابية فى السعى إلى تحول العلاقات العربية الأوروبية إلى نموذج للتفاعل الإيجابي، وتبادل المنافع، ودرء الأفكار المتطرفة، وتصحيح الصور الذهنية من خلال الحوار المعمق والعلمي. وليس أفضل من المفكرين والمثقفين ورجال الدين فى تقديم نموذج لعلاقات حضارية على أرضية تسعى لتحقيق الأمن والسلام والمصلحة المشتركة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى