تتأرجح توقيتات الرد الإيراني الموعود على إسرائيل على خلفية اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس” إسماعيل هنية ما بين 24 ساعة وما بين الهجوم ليس متوقعاً الآن.
هذا التأرجح في تكهن التوقيت وحتى ما إذا كانت إيران سترد أو لا، وحتى كيفية حدوث الهجوم، كلها تشير إلى أن طهران نفسها ربما لا تعرف التوقيت، وربما هي ليست جاهزة الآن.
فبينما رفعت طهران من خلال المرشد أنه لا بد من الرد المباشر على إسرائيل، وصلنا الآن إلى تصريحات رسمية من مسؤولين محليين حول الاحتفاظ بحق الرد في المكان والتوقيت المناسبين، لذا ربما طهران ذاتها لا تعرف التوقيت المناسب، فالضربة الآن في ظل انتظار إقليمي ودولي لما قد يسفر عنه التصعيد مع إسرائيل وضعت إيران ذاتها في معضلة.
وخلقت إيران هذه المعضلة لأنها اعتادت استهداف إسرائيل عن طريق غير مباشر عبر حرب الظل بينهما التي تسميها إسرائيل “الحملة ما بين الحروب” والتي تجعل الفاعل فيهما غير معلن، كما أنها اتخذت أشكالاً عدة ما بين حروب البحار وحرب السفن والناقلات والحروب السيبرانية، إلا أن الوضع الآن جعل إيران في مأزق.
فإيران مضطرة إلى الرد على اغتيال هنية على أراضيها التي انتهكت سيادتها من قبل إسرائيل، كما أنها مجبرة على الرد بصورة تفوق الهجمات التي حدثت في أبريل (نيسان) الماضي ولم تمنع تل أبيب من انتهاك سيادتها من جهة والفوز استخباراتياً عليها.
في هذا السياق، تعي إيران أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يستهدف جرها وواشنطن إلى التصعيد، لكن أياً كانت نوايا نتنياهو فلا بد من رد إيراني يعيد بناء قوة الردع لديها ويحفظ ماء وجهها أمام تابعيها من الميليشيات المسلحة.
لذا من المرجح أن تتضارب التوقيتات والتصريحات الإيرانية لأن طهران ما زالت تبحث كيفية الرد الآمن الذي يمنع عنها عقاباً أميركياً وإسرائيلياً قبل أي شيء، مما لا يعني أن إيران لن ترد لأنها اعتادت المواجهات غير المباشرة مع إسرائيل والتي لن تتوقف، ما دام أن كلاً منهما ينظر إلى الآخر على أنه منافس وخصم إقليمي.
وفي ظل حال اللايقين هذه التي تستثمرها إيران في إطالة الحرب النفسية والبروباغندا حول سيناريو الانتقام وجزء من ذلك تكتيك إيراني يضخّم من تداعيات استخدام قدراتها العسكرية، تحاول إيران داخلياً تهيئة الأجواء لسيناريو تأجيل الضربة الآن، وتروج إلى أنه في إطار عقد جولة جديدة من مفاوضات وقف إطلاق النار في الدوحة برعاية أميركية ومصرية وقطرية، ترى طهران أنه لا بد من انتظار المحادثات حتى لا تكون هي السبب في تعثر وقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وعلى رغم التأييد العلني للمفاوضات، إلا أنه من المرجح أن إيران أوعزت إلى قيادة “حماس” الجديدة والممثلة بيحيى السنوار الذي لديه علاقات جيدة معها أن يتم رفض الدخول في المحادثات أو العمل على تعثرها حتى تضغط على إسرائيل.
لذا بعث يحيى السنوار برسالة إلى مصر وقطر وأعلن أنه فقط إذا توقفت العمليات العسكرية الإسرائيلية فإن فريق “حماس” التفاوضي سيشارك في محادثات وقف إطلاق النار.
كذلك يروج الإعلام الإيراني داخلياً، خصوصاً المرتبط بالتيار المتشدد بأن قرار إيران هذا له تأثير إيجابي في صورة البلاد الإقليمية والدولية، وأن دول المنطقة سترحب أكثر بإيران التي تجاوزت حقها الطبيعي من أجل مصالح المنطقة ومنع بدء الحرب، كما تبرر إيران تأخر الرد بأنها ربما تتنازل من أجل مصلحة الفلسطينيين.
من جهة أخرى، تحاول أن تستغل الدبلوماسية الإقليمية والدولية التي انطلقت منذ اغتيال هنية لمنع التصعيد في المنطقة، بأن السبب وراء ذلك هو خشية واشنطن وتل أبيب من رد طهران، وأن الضغط الأميركي على نتنياهو من أجل قبول وقف إطلاق النار تحاشياً للرد الإيراني.
يتجاهل الإعلام الإيراني أن إدارة بايدن التي تتسم بالشلل الآن قبيل الانتخابات إنما لا تريد تصعيداً إقليمياً تنزلق معه المنطقة إلى صراع أوسع يجر واشنطن إلى مواجهة عسكرية، بالتالي يخسر الديمقراطيون في الانتخابات، إذ إن الحسابات الأميركية هي داخلية بالأساس.
الأمر المؤكد أنه في ظل تحركات واشنطن العسكرية بتحريك غواصات وحاملات طائرات في المنطقة لردع إيران، فمن البديهي أن يتزامن مع سياسات العصا تلك بعض من سياسات الجزرة لمنع التصعيد، وهو الشق غير المعلن الآن في ما يتم تبادله بين واشنطن وطهران من رسائل، فحتماً إلى جانب التدابير العسكرية للتهديد هناك حوافز لطهران، مما يكون سبباً ربما لتأخير الرد وليس التخلي عنه.
ومع ذلك تظل حسابات طهران التي لم تُحسم حتى الآن هي التي ستحدد توقيت وطبيعة الرد، وإن كان يمكنها الاعتماد على عناصر “محور المقاومة” للقيام بالفعل نيابة عنها أو تشترك رمزياً لتوحي بعرض عسكري مختلف عن عرض أبريل الماضي.
وفي كل الأحوال خلقت طهران لذاتها تلك المعضلة التي فرضت عليها ضرورة الرد من جهة ورداً مباشراً لم تعتَده، إذ إنها تبرع فقط في استخدام القدرات العسكرية غير التقليدية، في حين أن قدراتها العسكرية التقليدية مقارنة بإسرائيل وجيرانها من الدول العربية أقل بكثير.