ربما كانت إيران تحسب مسار تحركاتها بناء على سيناريوهين في ما يخص نتائج الانتخابات الأميركية التي أعادت دونالد ترمب مجدداً إلى البيت الأبيض.
لم يكُن ترمب هو النتيجة المفضلة لإيران، لكنها قد تكون عملت استعداداً لمجيئه في أحد السيناريوهات، لذا كان مجيء رئيس إصلاحي هو بزشكيان من الخطوات التي أرادت بها طهران أن تستبق وجود ترمب، فوجود رئيس وحكومة إصلاحية قد يفتح مجالاً أمام أي مفاوضات.
لكن الأكيد أن إيران في ظل حكومة حسن روحاني ومعه جواد ظريف شهدت انسحاب ترمب من الاتفاق النووي لعام 2015، كذلك تشوب أجواء في الداخل الإيراني بين تيار المتشددين تطالب بزشكيان بعدم التفاوض مع ترمب لأن بينهم ثأر، والمقصود مقتل قاسم سليماني.
ومع ذلك أزال التلفزيون الإيراني فور فوز ترمب الشارة التي كانت على الشاشة حول عملية “الوعد الصادق 3″، مما يشير إلى التخفيف من حدة التصعيد التي انتهجها المسؤولون الإيرانيون منذ العملية الإسرائيلية في أواخر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
اقرأ أيضا.. إيران وإسرائيل تنقلان الشرق الأوسط إلى سباق التسليح
ومع ذلك، تعتقد إيران بأن الإدارة الأميركية الجديدة تأتي في ظل سياق إقليمي مختلف، إذ إن طهران تعمل على تحسين علاقتها بدول الخليج، وربما ستحرص خلال الفترة المقبلة على استمرار تحسن تلك العلاقات، لا سيما مع وجود ترمب وانهيار قوة الردع لدى إيران أمام إسرائيل، ومن المعروف أن نتنياهو بات لديه هامش واسع من الحركة للتصرف منفرداً في كل الجبهات منذ إدارة جو بايدن، لذا التصعيد في تلك المرحلة ليس من مصلحة إيران، وإن كان لا يعني ذلك أن إيران قد تنتهج التصعيد الإقليمي وإثارة بعض التوترات حال استشعرت أنها باتت مهددة، وإذا أشار نتنياهو إلى استهداف البنية التحتية النووية الإيرانية، فقد تهدد طهران في المقابل بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي من أجل خلق أزمة تضغط بها على المجتمع الدولي، أو قد تعمل على إثارة التوترات في الخليج العربي.
لكن تظل بالنسبة إلى إيران الورقة الأصلح والأضمن هي الحفاظ على علاقات هادئة ومحسنة مع دول الخليج العربي، حتى تتفادى الضغوط الأميركية.
ربما من الصعب التنبؤ بما قد يفعله ترمب تجاه الشرق الأوسط، فمن ناحية قال إنه لا يريد الحرب، لكن عليه أيضاً أن يواجه ضغوط إسرائيل ضد إيران، لذا من المرجح أن يستمر في الضغط على طهران، لكنه ألمح أيضاً إلى التسوية بشرط أن تغير إيران سياساتها.
ولدى إيران الآن تساؤلات في شأن هل يقبل ترمب مبدأ التفاوض حول الاتفاق النووي؟ وهل يمكن أن يضمن الصواريخ الباليستية ضمن أي اتفاق مع إيران، لا سيما أنها استخدمتها في هجومها الأخير على إسرائيل؟ وهل ستحاول إيران جر ترمب إلى التفاوض من مدخل هجمات البحر الأحمر والحوثيين، أم هل تنتظر أهداف وسياسات الرئيس الجديد في مجال الطاقة، والتشريعات التي سيتخذها في ما يخص النفط الصخري، ومدى التأثير في شعبية الجمهوريين، ومن ثم تراهن على تقارب ترمب مع فنزويلا ومن ثم معها أيضاً للتغلب على مشكلة إنتاج النفط الصخري لديه؟.
لذا إذا أعاد ترمب التأكيد على تشديد العقوبات النفطية ضد إيران وفنزويلا، فسيتعين عليه التأكيد أكثر على زيادة إنتاج النفط الصخري ومن الممكن أن تكون لسياسة الطاقة هذه عواقب سلبية على شعبية الجمهوريين مع مرور الوقت، لكن الجمهوريين موجودون في الوقت ذاته في الكونغرس ومجلس الشيوخ ومن ثم ليست لدى ترمب مشكلة كبيرة في تمرير سياساته.
الأمر الأكيد أولاً أن ترمب سيعاود سياسة الضغط الأقصى على إيران، وثانياً لن يمكّنها من امتلاك قنبلة نووية، وما تريده طهران بشدة الآن هو التخلص من العقوبات الاقتصادية وتفادي لجوء الدول الغربية إلى عملية الاسترداد أو “سناب باك” التي قد تلجأ إليها أيّ من الدول الموقعة على خطة العمل الشاملة المشتركة قبل أكتوبر (تشرين الأول) من عام 2025 والتي بموجبها تتم إعادة فرض العقوبات الأممية التي رفعت عن إيران.
وتعاني طهران حالياً توتر العلاقات مع الدول الأوروبية في شأن قضايا عدة، من بينها مواقف أوروبا ضد إيران منذ انهيار خطة العمل الشاملة المشتركة والحرب الأوكرانية واحتجاجات الحجاب وحرب غزة، وأخيراً في ما يتعلق بالجزر الإيرانية الثلاث، فضلاً عن إغلاق ثلاث قنصليات إيرانية في ألمانيا، تظهر جميعها تغيراً في المواقف الأوروبية تجاه طهران، لذا فإنها ستسارع إلى تحسين علاقتها بأوروبا وإدارتها على نحو أفضل، قبل الانتقال إلى إدارة العلاقات مع واشنطن.
ومن المرجح أن يكون لعودة ترمب تأثير في حرب إسرائيل ضد حركة “حماس” في غزة و”حزب الله” في لبنان، أما إيران فربما تبحث عن مساحات التفاوض والصفقات مع الرئيس الجديد، لذا مثلما أكد ترمب أنه لا ينوي تغيير النظام الإيراني بل تعديل سلوكه، ستحاول طهران هي الأخرى إرسال إشارات لعقد صفقات إلى الجانب الأميركي.
وقد تنطلق إيران من حديث براين هوك، الممثل الأميركي الخاص لشؤون إيران خلال الولاية الأولى لإدارة ترمب ورئيس الفريق الانتقالي في وزارة الخارجية لإدارة ترمب، حينما قال لشبكة “سي أن أن”، “إذا قررت الولايات المتحدة التعاون مع إيران، فإن الدول الأخرى ستفعل ذلك أيضاً”.