أوصت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان بمواصلة العمل من أجل تنفيذ جميع توصيات البعثة المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا، بما في ذلك من خلال زيادة التعاون مع المفوضية وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، ومنح المفوضية وبعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا إمكانية الوصول دون عوائق إلى جميع الأماكن والمواقع الحيوية، بما في ذلك مرافق الاحتجاز.
جاء ذلك في تقرير المفوضية المقدم لمجلس حقوق الإنسان في دورته الـ56 المقامة حاليا في جنيف وتستمر حتى 12 يوليو الجاري، حول تقديم المساعدة التقنية وبناء القدرات لتحسين حالة حقوق الإنسان في ليبيا، والذي اطلع “جسور بوست” على نسخة منه.
وأوصت المفوضية بكفالة المساءلة والعدالة في سياق انتهاكات وتجاوزات القانون الدولي لحقوق الإنسان وانتهاكات القانون الدولي الإنساني، من خلال التحقيق مع الجناة المزعومين وملاحقتهم قضائيا، وفقا للحق في المحاكمة العادلة وضمانات الإجراءات القانونية الواجبة، وإتاحة سبل انتصاف فعالة للضحايا، بالاستفادة من الدعم المقدم عملا بقرار مجلس حقوق الإنسان 41/52.
وشددت على ضرورة مواصلة بناء قدرات الهيئات المشاركة في التحقيق في انتهاكات حقوق الإنسان، والملاحقة القضائية للجناة، وتعزيز التعاون والتنسيق فيما بينها، وتفعيل اللجنة المشتركة بين الوزارات من أجل رصد الانتهاكات في أماكن الاحتجاز، على النحو الذي وافقت عليه السلطات، مع اتخاذ خطوات للتصديق على البروتوكول الاختياري لاتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو اللاإنسانية أو المهيئة وإنشاء آلية وقائية وطنية.
وطالبت المفوضية بدعم مراجعة قانون العقوبات وقانون الإجراءات الجنائية بما يتماشى مع المعايير الدولية من خلال مبادرة مكتب النائب العام الجارية بشأن إصلاح العدالة الجنائية، واتخاذ خطوات فورية لحماية وتعزيز حقوق المرأة والمدافعين عن حقوق الإنسان وفاعلي المجتمع المدني والصحفيين والمثقفين وغيرهم من الأشخاص المعرضين بصورة متزايدة لخطر انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان.
وكانت البعثة المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا، أشارت في تقريرها النهائي الصادر في مارس 2023، إلى أنها وجدت أسبابا معقولة للاعتقاد بأن جرائم ضد الإنسانية قد ارتكبت في حق الليبيين والمهاجرين في جميع أنحاء ليبيا منذ بداية عام 2016 في سياق الحرمان من الحرية.
ووثقت العديد من حالات الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري وانتهاكات حقوق الإنسان في هذا السياق، بما في ذلك العنف الجنسي، ما يؤكد انتشار هذه الممارسة في ليبيا.
ووفقا لتقرير المفوضية، تزايدت حالات الإبلاغ عن انتهاكات وتجاوزات حقوق الإنسان التي ترتكبها الأجهزة الأمنية والمليشيات التابعة لحكومة الوحدة الوطنية التي تتخذ من غرب ليبيا مقرا لها والسلطات في شرق وجنوب ليبيا، بما في ذلك عمليات الاعتقال والاحتجاز التعسفية والاختفاء القسري للمعارضين السياسيين الفعليين أو المفترضين وأفراد أسرهم.
وتحققت المفوضية، بالتعاون مع بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، من 60 حالة احتجاز تعسفي بسبب التعبير السلمي عن آراء سياسية ويشمل ذلك 4 نساء على الأقل وبعض الأفراد من أسر المحتجزين. ووثقت في بعض هذه الحالات انتهاكات ارتكبت خلال الاحتجاز، بما في ذلك التعذيب وسوء المعاملة والقتل خارج نطاق القضاء.
ولا تزال مراكز الاحتجاز في ليبيا تتسم بالاكتظاظ، إذ ينتظر العديد من المعتقلين الموضوعين رهن الاحتجاز السابق للمحاكمة لفترات طويلة، وأحياناً لسنوات. ويعاني المحتجزون من نقص مزمن في الحصول على الغذاء والماء والرعاية الصحية وفي الوصول إلى البرامج الاجتماعية وبرامج إعادة التأهيل ويعانون من ضعف المرافق الصحية.
وظل المهاجرون واللاجئون وطالبو اللجوء يتعرضون لانتهاكات وتجاوزات جسيمة وواسعة النطاق لحقوق الإنسان على أيدي جهات فاعلة حكومية وغير حكومية في جميع أنحاء ليبيا، لا سيما على الحدود وفي سياقات الاحتجاز التعسفي.
وتعد ليبيا نقطة مقصد وعبور للمهاجرين، إذ أحصي في البلد 706 آلاف و509 مهاجرين حتى ديسمبر 2023، دخل معظمهم عبر تشاد أو مصر أو النيجر أو السودان. ومنذ أبريل 2023، نفذت الأجهزة الأمنية في ليبيا سلسلة من الاعتقالات الجماعية وعمليات الطرد الجماعي لآلاف الأشخاص، بمن فيهم أفراد يحملون تأشيرات صالحة ومسجلون لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.
وجاءت عمليات الطرد الجماعي وسط ضغوط متزايدة من الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه لوقف الهجرة عبر البحر الأبيض المتوسط، فضلاً عن تصاعد خطاب الكراهية والعنصرية ضد المهاجرين في ليبيا، وشمل ذلك حملات تضليل عبر الإنترنت تدعو إلى طرد جميع الأفارقة من جنوب الصحراء الكبرى من البلد.
ظلت ليبيا تعاني من عجز متزايد في المساءلة، اتسم بمؤشرات دالة على تأكل متزايد لسيادة القانون، بما في ذلك الهجمات على القضاة والمدعين العامين والمحامين، وبواعث القلق المتعلقة بالإجراءات القانونية الواجبة، والتشريعات المفوضة لاستقلال القضاء، وطوال الفترة المشمولة بالتقرير، واصلت الجهات الفاعلة المسلحة والأجهزة الأمنية الدخول في اشتباكات مسلحة هيمن عليها الإفلات من العقاب، مما أدى إلى تفاقم عدم الاستقرار في البلد.