لم يتفاجأ أحد من موقف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، عندما رفض المقترح الذي قدمته الإدارة الأمريكية في وقت سابق، والقاضي بإعادة سيطرة السلطة الوطنية الفلسطينية على قطاع غزة، في اليوم التالي لحرب الإبادة التي يتعرض لها القطاع منذ تسعة أشهر، حيث يرفض نتنياهو وشركائه من اليمين المتطرف ايتمار بن غفير وسموتريتش، إعادة توحيد شطري الوطن الفلسطيني في الضفة الغربية والقطاع، ويفضلون قوات عربية أو دولية بدلا منها، وهو ما ترفضه العرب قبل الفلسطينيين أنفسهم.
إن موقف نتنياهو ضد سيطرة السلطة على غزة هو ذاته الموقف الصهيوني ضد قيام دولة فلسطينية بأي شكل، نظرا لأنه يعتبر توحيد الضفة وغزة النواة الأولى لقيام دولة فلسطينية، لذلك كانت إسرائيل طوال سنوات الانقسام البغيضة ضد توحيد الضفة وغزة، بل قامت في وقت سابق بتسهيل دخول الأموال القطرية إلى حماس حتى تواصل سيطرتها على غزة.
لكن الخلاف الرئيسي بين الولايات المتحدة وإسرائيل، هو أن الأولى تعتقد أنها ستمنع قيام دولة فلسطينية حتى لو كانت الضفة وغزة تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، لذلك تبحث عن حل وسط لإرضاء الطرفين، لكن إسرائيل ترى أن توحيد الشطرين يعني قيام دولة فلسطين.
الحقيقة، هو أن أمريكا وإسرائيل لا يريدون قيام دولة فلسطينية، لكن الخلاف بينهما على أسلوب العمل وحجم الجرائم المقبولة منهم.
نتنياهو يرفض سيطرة السلطة على غزة، لأن أحلامه الاستراتيجية تتعارض في المستقبل مع وجود أي كيان فلسطيني موحد، لذلك هو يرفض استلام حماس أو السلطة أو أي جهة فلسطينية لحكم غزة ويواصل جريمة الإبادة والتطهير العرقي، بل ويفكر بالبقاء في القطاع، تحت مسمى إدارة مدنية، حاليا هو لا يريد ولا يفكر أصلا بإخراج الأسرى الإسرائيليين من هناك، فبقائهم يعتبره مبررا له لمواصلة العدوان والجرائم.
آخر المقترحات التي طرحتها إسرائيل عبر وزير جيشها يوآف غالانت لاستدراك الفشل المتراكم لكل الطموحات الكبيرة، هو البدء بمرحلة تجريبية لاستبدال حكم حماس بقيادات محلية مرضي عنها إسرائيليا، يقوم على انتخاب مناطق نجحت العملية البرية على إبعاد حماس منها لتوجيه السكان للنزوح إليها دونا عن المناطق الأخرى، بوصفها الوحيدة التي ستصل إليها المساعدات وستكون بعيدة عن العمليات العسكرية، أي أن جل ما يطرحه المخطط ليس سوى إعادة انتاج لمخططات “روابط القرى” التي تقوم على صناعة قيادات عشائرية تتعاون مع إسرائيل، والتي أثبتت فشلها خلال الأشهر الماضية، حيث رفض المجلس الأعلى للعشائر ضبط الأمن أو توزيع المساعدات أو التعاون مع إسرائيل من الأساس، ولهذا قرر غالانت استبدال المخاتير بقيادات من مؤسسات دولية ومجتمع مدني وهي أضعف من أن تنال اجماعا شعبيا وأصلا ليس لدى أكثرها أي أرضية للقبول بدور الوكيل للاحتلال.
وما بين رفض نتنياهو شخصيا لأي جهة فلسطينية استلام زمام الأمور في قطاع غزة في اليوم التالي لحرب الإبادة، وفشل كل المخططات الإسرائيلية لاستبدال حكم حماس في القطاع، يبقى الرهان الناجح على توحيد البيت الفلسطيني، ليبقى الجميع تحت اطار منظمة تحرير فلسطينية واحدة، حتى لا ترجع إسرائيل للرهان على الفصل بين الضفة وغزة وفتح وحماس..فهل من مستمع وهل من حكيم؟