خلال متابعة الجيش الإسرائيلي حربه في غزة محاولته تنفيذ خطة الحكومة الإسرائيلية لـ«القضاء على حماس» على حد تعبير رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، كان بتسلئيل سموتريتش، الوزير في حكومته، بالتنسيق المعلن مع نتنياهو، يشتغل على ابتكار الإجراءات العملية لتنفيذ خطة ضمّ الضفة الغربية وتفكيك «السلطة الوطنية» الفلسطينية.
ما شهده جنوب فلسطين المتمثل في قطاع غزة، عمليا، هو انخراط هائل لآلة القتل العسكرية والأمنية الإسرائيلية في عمليات الإبادة الجماعية والتطهير العرقي، وتغطية غربية لهذه «المحرقة» الجديدة، فيما انقسم المعسكر العربي إلى عدة أجنحة لا يشارك أي منها في دعم «حماس»، بل إن أحدها، ممثلا في مصر والإمارات، أبلغ واشنطن وإسرائيل بموافقته على دخوله في «قوة أمنية» القطاع بعد القضاء المفترض على حركة المقاومة الإسلامية في القطاع.
تعتبر «الضفّة الغربية» (والقطاع أيضا) منذ اتفاقات أوسلو، تابعة إداريا لـ»السلطة الوطنية» الفلسطينية، لكن إسرائيل لم تلتزم بتلك الاتفاقات وتابعت هيمنتها وسياسات الاستيطان والقيود والحواجز التي تقطّع الضفة، ونهب الأراضي وعزلها عن بعضها البعض، واستتباعها اقتصاديا.
بعد نشر «نيويورك تايمز» الأمريكية تحقيقا حول «خطة سرية للسيطرة على الضفة الغربية» عرضت فيه تسريبا صوتيا لسموتريتش يشرح فيه كيفية انخراط الحكومة الإسرائيلية في تغيير طريقة حكم الضفة «من دون اتهامها بضمّها رسميا» صرّح الأخير ببجاحة أن الصحيفة «لم تكشف أسرارا» وأن «كل ما يفعله واضح».
الخطة التي تحدث عنها سموتريتش ليست حديثة فقد بدأ تطبيقها منذ 18 شهرا، وتقوم على تفكيك تعريف دولي (وإسرائيلي يمثله قرار من المحكمة العليا) يعتبر حكم إسرائيل على الضفة الغربية «احتلالا عسكريا مؤقتا يشرف عليه جنرالات الجيش».
يجري الضمّ عبر نقل السلطة العسكرية إلى هيئة إدارية كاملة ترتبط بشكل مباشر بالحكومة، وعبر شرعنة الحكومة للمستوطنات (آخرها كان تشريع «الكابينت» الإسرائيلي على تشريع 5 بؤر استيطانية)، من جهة، وعلى العمل الحثيث على انهيار السلطة الفلسطينية، ماليا، وسياسيا، وعسكريا (عبر مصادرة صلاحياتها المدنية والأمنية وإصدار عقوبات بحق مسؤوليها)، والإشراف على هجمات على المجتمعات الريفية الفلسطينية، وطرد سكانها (جرى طرد 20 تجمعا سكانيا في الأغوار والسفوح الشرقية المجاورة لها وفي مسافر يطا في تلال الخليل)، ويقوم المستوطنون حاليا بتطهير المنطقة «ج» عرقيا من الفلسطينيين، وهي تغطي 61% من مساحة الضفة.
يلعب سموتريتش دورا مركزيا في ضم الضفة الغربية وتفكيك السلطة الوطنية الفلسطينية، فهو من جهة، وزير للمالية، ومسؤول عن الإدارة المدنية منذ عام 2022، وهو من جهة أخرى، وزير ثان للحرب في «وزارة الدفاع» الإسرائيلية، كما يشرف حليفه، ايتمار بن غفير، وزير «الأمن القومي»، على توزيع الأسلحة على المستوطنين، لمواصلة الهجمات على القرى والطرق الفلسطينية، وكان لافتا، أمس الأحد، أن سموتريتش وجّه سهامه نحو فلسطينيي الداخل أيضا، منتقدا حليفه بن غفير لعدم جمعه الأسلحة من «عرب إسرائيل»، حسب تعبيره، (أي العرب الذين لم ينزحوا من فلسطين عام 1948).
ما يحصل على حد قول سموتريتش، هو «تغيير لجينات المنظومة»، لكن توصيفه على الأرض هو التطهير العرقي للفلسطينيين، وتفكيك حقهم بتمثيلهم سياسيا، ليس عبر «حماس» فقط، بل أيضا عبر «السلطة الوطنية»، وهو على مستوى أكبر، انقلاب على منطق القانون الإنساني والدولي، وهو ما استدعى إدانات متكررة من الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، بلسان مفوض السياسة الخارجية جوزيب بوريل. لكن الأعمق والأكثر بلاغة وصدقية جاء من مقررة الأمم المتحدة المعنية بفلسطين فرانشيسكا ألبانيز التي وصفت سموتريتش بـ«العقل المدبر للإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين»، معلنة استغرابها من عدم إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحقه.
ما تعمل عليه إسرائيل هو إبادة فيزيائية وسياسية للفلسطينيين، في غزة والضفة الغربية، مما سيعني، تداعيات فعلية كبيرة على دول الإقليم، في الأردن ولبنان، على وجه الخصوص، وهناك غطاء غربي – عربيّ متوفّر لهذه الإبادة، لكنّ ذلك، في صميمه، هو انقلاب على المنظومة القضائية العالمية، و«تغيير للجينات» فيها، وهو ما استشعره تصريح ألبانيز، بعمق لا نظير له.