تصاعد التوتر بين حزب الله، وجيش الاحتلال الإسرائيلي، على الجبهة اللبنانية، مؤشر ينذر بمخاطر انهيار لبنان، الذي يعاني من أزمات سياسية واقتصادية طويلة المدى، الأمر الذي يؤكد أن الاحتلال المدعوم من الولايات المتحدة الأمريكية، يريد استمرار الصراع المشتعل في الشرق الأوسط، وإضعاف الدول المحيطة به اقتصاديًا وعسكريًا.
إسرائيل تلقى دعمًا كبيرًا من الولايات المتحدة، لذلك لا تفكر في حدوث أزمات داخلية لديها، الأزمة الوحيدة التي تواجهها دولة الاحتلال، هي حالة الغضب الداخلي في الشارع الإسرائيلي، من أسر الرهائن المحتجزين لدى حماس، وتستمر حكومة نتنياهو في تحدي العالم، وتوجيه ضربات متواصلة على جنوب لبنان، بالإضافة إلى الجبهة الأساسية للعدوان على غزة.
لبنان الجريح، لا يمكن أن يتحمل عواقب الحرب الشاملة مع إسرائيل، وحزب الله لا يفكر في مصالح الشعب اللبناني ومصيره، وإنما هدفه تحقيق نصر عسكري يحفظ وجوده، في ظل سيطرته على لبنان، وسط حالة الضعف التي يعاني منها الجيش اللبناني.
ويرى رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، أن لديه مصلحة شخصية في استمرار الحرب، إذ يُعد طول أمد الحرب ضمانًا لاستمراره في السلطة، وفي المقابل، فإن انتهاء الحرب يعني نهاية حكمه وربما تعرضه للسجن. ويعتقد نتنياهو أن توسيع رقعة النزاع يساعد على استدراج الولايات المتحدة، وإضعاف موقف الرئيس بايدن لدعم حليفه دونالد ترامب للفوز في الانتخابات المُقبلة.
ولا تتضمن الضغوط الأميركية تهديدات بإيقاف إمدادات الأسلحة أو الدعم المالي، ولا تشمل التوقف عن مساندة إسرائيل في الأمم المتحدة، بل يتم استخدام القنوات الدبلوماسية مع وزير الدفاع الإسرائيلي خلال زيارته لواشنطن.
عند لقاء وزير الدفاع الاسرائيلي بنظيره الأميركي لويد أوستن ووزير الخارجية الأميركية، كانت الرسالة التي نقلتها الولايات المتحدة واضحة للغاية، معربة بشدة رفضها توسيع العمليات العسكرية الإسرائيلية.
تفتقر إسرائيل إلى الإمكانيات العسكرية اللازمة لفتح جبهة إضافية، خصوصًا بعد مرور حوالي 9 أشهر على حربها في قطاع غزة دون تحقيق نتائج ملموسة. ولا يزال حزب الله وإسرائيل ملتزمان بشكل ضمني بقواعد الاشتباك، عند خروج أي من الطرفين عن هذه القواعد، تتغير المعادلة بالكامل.
لا يتمتع الرئيس بايدن بالقدرة على اتخاذ قرارات حاسمة ضد إسرائيل. وستشهد الساحة السياسية الأميركية تنافسًا بين بايدن وترامب على من يمكنه إظهار دعم أكبر لإسرائيل فكلا الرئيسين يعتمدان بشكل كبير على الدعم القوي من اللوبي الإسرائيلي في أوقات الانتخابات.
المشهد السياسي والأمني يتسم بالتعقيد والغموض، ولا سيما في لبنان وعلى وجه الخصوص في الجبهة الشمالية، التي فمنذ بداية الحرب على قطاع غزة، أكدت المقاومة أن هذه الجبهة تعمل كدعم لقطاع غزة، وأن توقف الحرب هناك سيؤدي تلقائياً إلى تهدئة الوضع في الجبهة الشمالية، وتكمن أهم التحديات في مدى استعداد لبنان لهذه الحرب.
تصعيد الحرب ستكون نتائجه مدمرة للطرفين، حيث لن يستفيد أحد من التكلفة الباهظة التي ستتحملها كلٌ من إسرائيل ولبنان، ودعوة وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش المستوطنين للاستيطان جنوب لبنان، وهو ما يعد تهديدًا واضحًا باحتلال تلك المنطقة، الجدير بالذكر أن هذا ليس التهديد الأول الذي يوجه للبنان.
وتأتي مواقف الرئيس ميقاتي متوافقة مع سياق اللغة الدبلوماسية التي تتناسب مع الواقع الدولي والضغوطات الممارسة على لبنان. ولا يمكن ربط هذه الجبهة بقطاع غزة نظرًا لتعقيد الوضع هناك واحتمال استمرار الحرب لفترة طويلة.
وفقًا للمواقف السابقة لجميع المسؤولين اللبنانيين، فقد كانت تؤكد على أن لبنان يمارس حقه المشروع في الدفاع عن نفسه أمام التهديدات الإسرائيلية.
يفتقر الإسرائيليون إلى رؤية واضحة لما بعد اليوم التالي، ولا يرغبون في إنهاء هذه الحرب التي لم تحقق أهدافها.. ومع ذلك، يستمر الحديث لديهم حول المرحلة الثالثة.
وتناولت التصريحات الصادرة عن مسؤولين أميركيين، موقف الولايات المتحدة الرافض لتوسع الحرب في المنطقة ليصبح إقليمياً شاملاً، نظراً لما لذلك من تأثيرات سلبية على لبنان. وأصدر غالانت أكثر من 62 تهديدًا ضد لبنان، لكن يبدو أنه عقب مغادرته للولايات المتحدة أصبح أكثر واقعية وأدرك أن مصالح الولايات المتحدة لا تكمن في تصعيد الجبهة بل تتركز أولوياتها الحالية حول الحلول السياسية.
تقتضي الضرورة القصوى ببدء الحوار السياسي لتفادي اندلاع هذه الحرب، التي قد تؤدي إلى كارثة تتجاوز حدود الزمان والمكان، ولا يمكن التنبؤ بنتائجها أو معرفة نهايتها. فتح جبهة ثانية من قبل نتنياهو يعد مغامرة غير محسوبة وغير واضحة الأهداف، الأمر الذي سيجعل تحقيق هذه الأهداف صعباً للغاية، مما يمكن أن يؤدي إلى انتحار سياسي.
والأمل في الحل الدبلوماسي لم يُفقد بالكامل، حيث تمارس الولايات المتحدة أقصى درجات الضغط على القيادة الإسرائيلية بطرق متعددة، ولابد أيضًا أن تتحرك القيادات اللبنانية، لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لعدم توسيع نطاق الحرب بين حزب الله وإسرائيل، الذي قد يمتد لجميع أنحاء لبنان وليس الجنوب فقط، وهو الأمر الذي ينذر بكارثة، تدخل لبنان في النفق المظلم لسنوات عدة.