لبنان

لبنان: التحديات وخطط التعافي

خطة التعافي تتطلب إرادةً سياسيةً حقيقيةً وتضافرَ جهودِ كل الأطراف الوطنية والدولية لتجاوزها. وستكون هناك حاجة إلى حوار وطني مفتوح وشامل لبناء توافق حول الرؤية والأولويات.

يواجه لبنان منذ سنوات تحدياتٍ سياسيةً واقتصاديةً واجتماعيةً خطيرة، تفاقمت بشكل كبير بسبب الكوارث والأزمات المتعددة التي ضربت البلاد في الآونة الأخيرة. لكن يبدو أن لبنان يواجه الآن مرحلة صعبة للغاية تتطلب جهوداً كبيرة على جميع المستويات لإعادة البناء والنهوض.

وسيواجه تحديات أكبر في مجالات إعادة الإعمار، والإصلاح السياسي والحكومي، والتعافي الاقتصادي، وتقديم المساعدة الإنسانية للمتضررين. كما أن التوترات السياسية والطائفية المستمرة ستكون عقبة كبيرة على طريق التعافي والتماسك الوطني. لذا سيكون من الأهمية بمكان أن تتكاتف جميع الأطراف السياسية والاجتماعية في لبنان، وتتعاون بشكل صادق لإنقاذه من أزماته المعقدة. وبناءً على التطورات التي يشهدها لبنان منذ أغسطس 2023، هناك خطوات أساسية عدة يجب على لبنان اتخاذها للتعافي من الأزمة الحالية، أولها الإصلاحات السياسية والحكومية، حيث يتعين إجراء إصلاحات شاملة في النظام السياسي والحكومي لمكافحة الفساد والمحسوبية والطائفية، وتشكيل حكومة إنقاذ وطني تضم ممثلين من مختلف الطوائف والتيارات السياسية، إلى جانب تنفيذ إصلاحات دستورية وقانونية لتعزيز المؤسسات الديمقراطية وسيادة القانون.

وفي ما يتعلق بالتعافي الاقتصادي، يتعين إعداد خطة متكاملة لإنعاش الاقتصاد والمالية العامة، وإصلاح القطاع المصرفي وإعادة هيكلة الدين العام، من حيث تشجيع الاستثمار الأجنبي والمساعدات الدولية لدعم إعادة الإعمار وتقييم الأضرار والخسائر وإعداد خطط شاملة لإعادة البناء والإصلاح، ومن ثم حشد المساعدات الدولية والموارد المحلية لتمويل مشاريع إعادة الإعمار.. وأهم من ذلك إشراك المجتمع المدني والقطاع الخاص في جهود إعادة البناء. كما يجب توفير المساعدات الإنسانية الفورية للمتضررين من الكوارث والأزمات، وتنفيذ برامج دعم اجتماعي وتأهيل للمجتمعات المتضررة، وضمان الوصول العادل والشفاف للخدمات الأساسية، والسعي نحو المصالحة الوطنية والتماسك الاجتماعي، وذلك عبر عملية شاملة للمصالحة، وتعزيز دور المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية في هذه الجهود، وتنفيذ برامج للتوعية والحوار المجتمعي لترميم النسيج الاجتماعي.

تلك بعض الخطوات الرئيسة التي يجب أن تكون في صلب جهود التعافي في لبنان. وبالطبع ستكون هناك تحديات كبيرة أمام تنفيذها، لكن إذا تم التعامل معها بشكل إيجابي وجماعي، فسيكون بإمكان لبنان تجاوز هذه الأزمة والنهوض من جديد. أما من ناحية أهم التحديات السياسية والاقتصادية التي قد تعرقل تنفيذ خطة التعافي في لبنان.

هذه هي أبرز التحديات التي يواجهها لبنان في هذا الصدد: الانقسامات والصراعات السياسية والطائفية العميقة بين مختلف الأطراف السياسية اللبنانية، إلى جانب غياب التوافق والإرادة الحقيقية لدى القوى الرئيسية لتنفيذ الإصلاحات المطلوبة، وهيمنة المحاصصة الطائفية على المؤسسات الحكومية، وعدم فصل السياسة عن الإدارة، وأخيراً تدخل القوى الإقليمية في الشؤون السياسية اللبنانية وتأثيرها على التوازنات الداخلية.

يعيش لبنان أزمات اقتصادية ومالية حادة وارتفاعاً في معدلات الفقر والبطالة، وتدهوراً للبنية التحتية وانهياراً للخدمات العامة كالكهرباء والمياه والصحة، ونقصاً في السيولة النقدية واعتماداً كبيراً على التحويلات المالية من المغتربين، علاوة على غياب الثقة في المؤسسات المالية والمصرفية وعدم القدرة على الوصول للودائع، وضعف البيئة الاستثمارية، وعدم جذب الاستثمارات الأجنبية المباشرة. تلك التحديات السياسية والاقتصادية تشكل عقبات كبيرة أمام تنفيذ خطة التعافي الشاملة في لبنان.

إنها تتطلب إرادةً سياسيةً حقيقيةً وتضافرَ جهودِ كل الأطراف الوطنية والدولية لتجاوزها. وستكون هناك حاجة إلى حوار وطني مفتوح وشامل لبناء توافق حول الرؤية والأولويات.

وللتذكير، فإن الدعم الدولي يلعب دوراً محورياً في مساعدة لبنان على تنفيذ خطة التعافي الاقتصادي والسياسي. وتتمثل المساعدات المالية والاقتصادية في توفير القروض المالية وإعادة هيكلة الديون، وتقديم الدعم الفني لتحسين إدارة المالية العامة والخدمات الحكومية، والمساعدة على إعادة إعمار البنية التحتية المتدهورة. إن دعم المجتمع الدولي سيكون حاسماً لنجاح خطة التعافي في لبنان، لكن الأمرَ يتطلب إرادةً سياسيةً قويةً، ودعماً من جميع الأطراف الوطنية، لتحقيق النجاح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى