يبدو أن الرئيس الأمريكي جو بايدن يسعى جاهداً لإزالة القضية الفلسطينية من دائرة الضوء الدولية بسرعة، وذلك من خلال الترويج لاتفاق وقف إطلاق النار. ومع ذلك، يظل الطريق نحو تحقيق وقف إطلاق النار الحقيقي والدائم بعيداً عن التحقيق، خاصةً في ظل تصميم رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو على تفادي أي خطوات قد تؤدي إلى تفكك حكومته المتطرفة. يعكس هذا التوجه تمسك نتنياهو لإعطاء أولوية لمسيرته السياسية وتعزيز موقفه داخل الساحة السياسية الإسرائيلية بأي ثمن وأي شكل.
ورغم أن رغبة بايدن في إزالة القضية الفلسطينية من جدول الأعمال العام قبل انتخابات تشرين الثاني/نوفمبر تخلق ضغوطاً كبيرة لاختتام المفاوضات، فإن عدم تطابق مصالحه السياسية مع مصالح نتنياهو يضعف إمكانية التوصل إلى وقف دائم لإطلاق النار. وبدلاً من اتخاذ خطوة قد تعني نهاية مسيرته السياسية، قد يفضل نتنياهو مواصلة مناوراته السياسية والتملص، رغم الضغوطات الخارجية والسياسية التي عليه وخصوصاً بعد استقالة بيني غانتس وانسحابه من مجلس الحرب الإسرائيلي بعد أن وجه اتهامات لنتنياهو بسوء إدارة ملف الحرب في غزة.
ورغم أن انسحاب غانتس قد يعطي دافعاً للانشقاقات داخل حزب الليكود الذي يقوده نتنياهو، إلا أن ذلك لن يدفع الأخير للرضوخ لضغوطات بايدن، فهناك العديد من العوائق أمام تنفيذ خطة وقف إطلاق النار التي أعلن بايدن دعمه لها. فبينما بايدن يهدف إلى الضغط على الجانبين بالقول إن الخطة اقترحتها إسرائيل وإن الكرة في ملعب المقاومة. ورغم أن المقاومة ردت بأنها وجدت الخطة إيجابية وأنها ستتعامل مع الخطة، التي تنص على وقف دائم لإطلاق النار، بطريقة “بناءة”، إلا أنه كان هناك تراجع سريع من جانب نتنياهو. وبعد وقت قصير من تصريح بايدن، قال نتنياهو إنهم لن يقبلوا بوقف دائم لإطلاق النار قبل أن تصل حربهم إلى هدفها. كما هدد وزراء اليمين المتطرف في الإدارة الإسرائيلية بأن اعتماد هذه الخطة سيعني نهاية الحكومة. في هذه الحالة، إما أن يرضي نتنياهو اليمين المتطرف ويواصل ائتلافه، كما فعل حتى الآن، أو يقبل وقف إطلاق النار كما تريد واشنطن ويخاطر بحل حكومته.
في المرحلة الأولى من الخطة المذكورة، من المتوقع، في نطاق وقف إطلاق النار لمدة ستة أسابيع، أن تنسحب القوات الإسرائيلية من المناطق المكتظة بالسكان في غزة وأن تتم مبادلة المسنين والرهائن الذين تحتجزهم حماس بالسجناء الفلسطينيين. . يُذكر أن المفاوضات ستستمر في هذه المرحلة الأولى للانتقال إلى المرحلة الثانية، حيث يتم التوصل إلى وقف نهائي ودائم لإطلاق النار، ولكن من سيحكم غزة عندما تنتهي الصراعات سيكون أحد أهم الأسئلة. لقد أعلنت إسرائيل أنها لن تقبل بحكم حماس أو السلطة الفلسطينية في غزة، لكنها لم تقدم الجواب الذي أراده الأمريكيون بشأن من سيحكم، ولا ضمان لالتزام نتنياهو بأي شيء.
نتنياهو مخادع بالطبع لكن بايدن هو من وضع نفسه بيد نتنياهو من البداية، حيث صمم بايدن السياسة الأمريكية في الحرب على غزة، على غرار مُعظم السياسة الغربية، لتتلاءم تمامًا مع أغلب النتائج التي أراد نتنياهو الوصول إليها اليوم. ويبدو الأن من الصعب معرفة ما إذا كان نهج بايدن الجديد مع نتنياهو قادراً على عكس المسار؛ لأن الأخير لم يعد يولي أهمية لتجنب فقدان دعم الولايات المتحدة، بالقدر الذي يوليه لاستمرار الحرب، والحفاظ على ائتلافه الحكومي مع شركائه المتطرفين.
لذلك، بايدن اليوم يحاول ان يتبع سياسة أخرى للضغط على نتنياهو، لا عن طريق معاقبته على هذا المأزق بل عن طريق إيجاد له حل ومكافأته، بملف التطبيع في حال إيقاف الحرب، ومحاولة إنتاج أو صياغة انتصار وهمي، ولعل المجزرة الأخيرة التي حدثت في مخيم النصيرات بالتعاون المباشر مع الولايات المتحدة تدلل على ذلك، يحاول بايدن الآن جذب نتنياهو، وخصوصاً مع قرب الانتخابات الرئاسية التي ربما تبشر بعودة ترامب، لذلك استمرار الحرب لا تنقذ نتيناهو داخليا فقط بل تضعف حظوظ الرئيس الأمريكي جو بايدن وحزبه على أمل عودة الرئيس السابق دونالد ترامب إلى رئاسة البيت الأبيض الذي ينتظره نتنياهو، لذلك لا أعتقد أن سياسة الحوافز المتبعة من بايدن ستنتج بالضغط على نتنياهو، إذ يبدو أيضاً أنه من غير المرجح أن تغير العناصر المتطرفة في حكومة نتنياهو مواقفها المتصلبة.