في عالمٍ يتزايد فيه عدد النزاعات والحروب، يواجه أكثر من 100 مليون شخص واقع اللجوء والنزوح، ما يجعل أوضاع المخيمات التي يقيمون فيها موضوعًا ذا أهمية بالغة.
وتُعد هذه المخيمات ملاذًا مؤقتًا للعديد من الأشخاص الهاربين من الصراعات، لكنها غالبًا ما تفتقر إلى الظروف الملائمة للعيش الكريم، ما يطرح تساؤلات حول مدى توافقها مع معايير الأمم المتحدة لحقوق الإنسان.
نقص في الاحتياجات الأساسية
تقرير الأمم المتحدة حول أوضاع اللاجئين في 2023 يسلط الضوء على التحديات التي تواجه هذه المخيمات، حيث يعاني أكثر من 80% من اللاجئين من نقص في الاحتياجات الأساسية، من مياه نظيفة ورعاية صحية وتعليم، ما يعكس الفجوة الكبيرة بين حقوق الإنسان المُعلنة والواقع المعيشي المرير.
وفقًا للتقرير الذي أصدرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، يعيش حوالي 80% من اللاجئين في المخيمات في ظروف تفتقر إلى الأمن الغذائي، حيث يعاني 40% منهم من انعدام الأمن الغذائي الحاد، وتظهر هذه الأرقام أن المخيمات لم توفر حتى الحد الأدنى من مقومات الحياة الأساسية.
وتتحدث تقارير المنظمات الإنسانية عن أن نحو 60% من الأطفال اللاجئين في المخيمات يعانون من سوء التغذية، ما يزيد من معاناتهم ويعرضهم لمخاطر صحية جسيمة، هذا التدهور في الوضع الغذائي يتعارض بشكل صارخ مع الحق في الغذاء الذي تكفله المعاهدات الدولية.
أما بالنسبة للتعليم، فتُعتبر المخيمات بيئات غير ملائمة للتعلم. ووفقًا لمنظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، فإن حوالي 50% من الأطفال اللاجئين في المخيمات لا يتلقون التعليم، ما يعني أن هناك جيلًا كاملًا يُحرم من حقه في التعليم. ويُعد هذا انتهاكًا صارخًا لحقوق الأطفال، ويؤدي إلى تداعيات خطيرة على مستقبلهم، التعليم يُعتبر أساسًا لتنمية القدرات البشرية، وما يحدث في المخيمات لا يُظهر فقط تقاعسًا عن توفير التعليم بل يعد أيضًا إهمالًا لحق أساسي تكفله اتفاقية حقوق الطفل.
اقرأ أيضا.. أكاذيب نتنياهو.. الأونرا ضحية الاحتلال الإسرائيلي
في ما يتعلق بالظروف الصحية، تعاني المخيمات من نقص حاد في الخدمات الصحية الأساسية، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية، فإن 40% من اللاجئين في المخيمات يفتقرون إلى الرعاية الصحية الأساسية، ويواجه الكثيرون صعوبة في الحصول على الأدوية والعلاج المناسب، كما أن المخيمات تفتقر إلى المرافق الصحية المناسبة، ما يزيد من مخاطر انتشار الأمراض، ويُعتبر هذا الأمر انتهاكًا واضحًا للحق في الصحة، وهو أحد الحقوق الأساسية التي يُفترض أن تكفلها الدول وفقًا للمعايير الدولية.
تُظهر الأرقام أيضًا أن النساء والأطفال يُعدّون من الفئات الأكثر ضعفًا في المخيمات، وفقًا لدراسة أعدتها منظمة العفو الدولية، فإن 70% من النساء اللاجئات يتعرضن لأشكال مختلفة من العنف في المخيمات، بما في ذلك العنف الجنسي، يُعاني الأطفال أيضًا من آثار نفسية وجسدية نتيجة لهذه الظروف، هناك حاجة ماسة إلى برامج لدعم النساء والأطفال وتوفير الحماية لهم، حيث إن الكثير من هؤلاء الأفراد يحتاجون إلى الدعم النفسي والاجتماعي لمساعدتهم على التعافي من تجاربهم المؤلمة.
وتعتبر معايير الأمم المتحدة بشأن حقوق الإنسان أمرًا أساسيًا في تقييم أوضاع المخيمات، بحسب مبادئ الأمم المتحدة، حيث يُفترض أن تتوفر في المخيمات شروط أساسية للعيش الكريم، مثل توفير الغذاء، والمياه، والرعاية الصحية، والتعليم، والأمن، لكن الواقع غالبًا ما يكون مختلفًا، وتُظهر التقارير أن العديد من المخيمات لا تلبي هذه المعايير، ما يؤدي إلى انتهاك حقوق الإنسان الأساسية.
تحقيق الكرامة الإنسانية يتطلب أكثر من مجرد توفير المأوى، يجب أن تشمل الإجراءات توفير سبل العيش، والتدريب المهني، والدعم النفسي، وضمان الوصول إلى الخدمات الصحية والتعليمية، يُظهر تقرير المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين لعام 2023 أن 60% من اللاجئين يعتمدون على المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجاتهم اليومية، ما يُبرز الفجوة بين الحقوق المُعترف بها والواقع المُعاش.
ويرى مراقبون أن هذه الأوضاع تتطلب استجابة منسقة من المجتمع الدولي، بحيث يجب أن تتبنى الدول المضيفة سياسات تدعم حقوق اللاجئين، وتعمل على توفير الظروف اللازمة لعيش كريم، مؤكدة أن تجاهل حقوق اللاجئين لن يؤدي إلا إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية وزيادة الفقر والبطالة، ويُعتبر الاستثمار في دعم اللاجئين وتهيئة بيئة ملائمة لهم ضرورة لا غنى عنها لتحقيق السلام والاستقرار في المجتمعات المضيفة.
ويوصي حقوقيون بضرورة تكثيف الدول المانحة ومنظمات المجتمع المدني جهودها لتقديم الدعم اللازم للمخيمات، وتعزيز القدرات المحلية والبرامج التنموية لتمكين اللاجئين من إعادة بناء حياتهم، مع توفير التعليم، والرعاية الصحية، وفرص العمل، ودعم حقوق المرأة والطفل.
بين واقع المعاناة وأمل التغيير
في السياق يروي الطبيب الأردني، سامر طه تجربته مع المخيمات فيقول، اضطررت في مرحلة ما بحكم عملي إلى التواجد فترات كبيرة في المخيمات، وفي ضوء الظروف الصعبة التي يمر بها اللاجئون في المخيمات، يصبح الحديث عن صلاحيتها للعيش موضوعًا يستحق التوقف عنده، كأردني كنت أتعامل يومياً مع المخيمات وأشاهد معاناة اللاجئين، أستطيع أن أقول إن الوضع أكثر تعقيدًا مما قد يبدو على السطح، المخيمات على الرغم من كونها ملاذًا مؤقتًا للكثيرين، تفتقر إلى الكثير من مقومات الحياة الكريمة.
وتابع في تصريحات لـ”جسور بوست”، بداية تعاني المخيمات من قلة الموارد الأساسية، فعندما يتحدث الناس عن “مخيم” قد يتبادر إلى أذهانهم صورة لمكان منظم وجيد الإدارة، لكن الواقع غالبًا ما يكون مختلفًا. في مخيم الزعتري، على سبيل المثال، يواجه سكان المخيم نقصًا في المياه النظيفة، رغم أن توفيرها يُعتبر حقًا أساسيًا، وكثير من العائلات تعتمد على مياه غير آمنة أو محطات مياه قديمة، ما يعرضهم لمخاطر صحية كبيرة، كما أن توفير الغذاء الجيد يعد تحديًا حقيقيًا، فمعظم اللاجئين يعتمدون على المساعدات الغذائية، لكن هذه المساعدات ليست كافية لتلبية احتياجاتهم اليومية، استمرارية هذه المساعدات تتعرض للتهديد بسبب نقص التمويل من المانحين، ما يترك الكثير من الأسر في وضع صعب للغاية.
وأضاف: التعليم هو عنصر آخر يعاني من إهمال كبير في المخيمات، الأطفال، الذين يمثلون نصف سكان المخيمات تقريبًا، يُحرمون من حقهم في التعليم على الرغم من وجود مدارس في بعض المخيمات، لكن البيئة التعليمية غالبًا ما تكون غير ملائمة، فالصفوف مزدحمة، والمناهج الدراسية قد تكون غير متاحة بكثرة.
أما الرعاية الصحية، فليست بأفضل حال عن غيرها، فرغم وجود بعض المراكز الصحية، فإن الخدمات المقدمة غالبًا ما تكون محدودة ويفتقر الكثير من اللاجئين إلى الرعاية الصحية الأولية، ويعاني البعض من أمراض مزمنة لا يمكنهم الحصول على العلاج اللازم لها، فضلاً عن أن انتظار الحصول على الرعاية الصحية قد يستغرق وقتًا طويلاً، ما يزيد من معاناة المرضى.
مؤكدًا، تظهر قضية الأمان في المخيمات، حيث يعيش الكثير من اللاجئين في حالة من القلق والخوف، خاصة النساء والأطفال، وتشير التقارير إلى ارتفاع معدلات العنف في بعض المخيمات، بما في ذلك العنف القائم على النوع الاجتماعي. هذا القلق الدائم يؤثر بشكل كبير على الصحة النفسية للاجئين، الذين يعانون بالفعل من آثار الصراع والتهجير.
لافتًا، في الوقت نفسه إلى تعاون الكثير من المتطوعين والجهات الإنسانية لتحسين الأوضاع، فهناك مبادرات لتحسين التعليم وتوفير الدعم النفسي والاجتماعي، ما يعكس قدرة المجتمع المحلي والدولي على التكيف مع التحديات.
وأضاف: التجارب اليومية التي أراها في المخيمات تُظهر لي أن هؤلاء الناس ليسوا مجرد أرقام أو إحصائيات، بل هم أفراد لديهم أحلام وأماني، لكن الظروف التي يعيشون فيها تعيقهم عن تحقيق ذلك، يجب أن تُبذل جهود أكبر من قبل المجتمع الدولي لضمان حقوقهم، وتوفير ظروف معيشية ملائمة لهم.
وأتم، رغم كل هذه التحديات، يبقى الأمل قائمًا، يجب علينا كأردنيين أن نعمل معًا على تحسين الأوضاع في المخيمات، وأن نكون صوتًا لللاجئين الذين يحتاجون إلى الدعم والمساعدة، التحديات كبيرة، لكن مع العزيمة والإرادة، يمكننا أن نحدث فرقًا حقيقيًا في حياة هؤلاء الناس.
الطاقة المتجددة ملاذ اللاجئين
وقالت هبة سعد، وهي أردنية ابتكرت شركتها نموذجًا ذكيًا لتعزيز كفاءة استهلاك الطاقة بالمخيمات، هناك، يثيرني الفخر بكوني جزءًا من مجتمع يسعى جاهداً لدعم اللاجئين الذين يواجهون ظروفاً صعبة ومعقدة، فمنذ اندلاع الأزمة السورية، استقبل الأردن أكثر من 1.3 مليون لاجئ، الكثير منهم يعيشون في المخيمات التي تعاني من نقص حاد في الموارد والخدمات الأساسية، في ظل هذه الظروف القاسية، أصبحت الحاجة ماسة إلى حلول مبتكرة لتحسين جودة حياة هؤلاء الأفراد، خاصة في ما يتعلق بتوفير الطاقة.
وأضافت أن اللاجئين يعيشون في ظروف تفتقر إلى الأساسيات، ما يجعل تأمين الطاقة اللازمة للاحتياجات اليومية كالإضاءة والتدفئة والطهي أمراً حيوياً، ومع تزايد عدد السكان، يتزايد الطلب على الطاقة، ما يفرض ضرورة استخدام تقنيات ذكية ومبتكرة.
وتابعت في تصريحات لـ”جسور بوست”، من هذا المنطلق، قررت استثمار مهاراتي في الهندسة لتطوير نموذج ذكي يسهم في تعزيز كفاءة استهلاك الطاقة داخل المخيمات بالتعاون مع مجموعة من الخبراء، صممنا نظاماً متكاملاً يعتمد على الطاقة الشمسية، هذا النظام لا يوفر الطاقة النظيفة فحسب، بل يساهم أيضاً في تقليل التكاليف الشهرية التي يتحملها اللاجئون للحصول على الطاقة.
وأضافت كان من المؤثر أن أرى الأمل يضيء عيون اللاجئين عندما يتحدثون عن الفرص الجديدة لتحسين حياتهم.
واسترسلت، يستند نموذجنا إلى استخدام الألواح الشمسية لتوليد الطاقة، مدعومة بأنظمة تخزين ذكية، تم تزويد كل وحدة سكنية في المخيم بجهاز تحكم ذكي يسمح للعائلات بمراقبة استهلاك الطاقة، لم يكن هذا التحسين مجرد تطور فني، بل خطوة نحو تعزيز الوعي البيئي بين اللاجئين، حيث تعلم الكثير منهم كيفية إدارة مواردهم بكفاءة، ما أسهم في تقليل الفاقد، ومع ذلك، واجهتنا العديد من التحديات في بداية المشروع، حيث كان من الضروري الحصول على الموافقات اللازمة من السلطات المحلية، بالإضافة إلى ضرورة إقناع اللاجئين بفوائد النظام الجديد.
في البداية، كان هناك بعض التحفظ، لكن مع مرور الوقت، بدأ الجميع يرون الفوائد الحقيقية، إحدى العائلات التي عانت لسنوات من نقص الطاقة استطاعت الآن طهي الطعام وإضاءة المنزل باستخدام الطاقة الشمسية، ما حسّن من جودة حياتهم بشكل ملحوظ.
واستطردت، خلال رحلتنا، أدركنا أهمية التعاون مع المنظمات غير الحكومية والجهات الفاعلة الدولية، حيث قدمت بعض هذه المنظمات الدعم الفني والمالي، ما ساعدنا على توسيع نطاق المشروع. لكن كان من الضروري دائماً تأمين التمويل المستمر لضمان استدامة النظام، وتحقيق الاستدامة واستخدام الطاقة النظيفة وهو ليس فقط هدفًا للاجئين في المخيمات، بل هو جزء من الجهود العالمية لمواجهة التغير المناخي، وتشير الدراسات إلى أن استخدام الطاقة المتجددة في هذه المخيمات يمكن أن يسهم في تقليل انبعاثات الكربون وتحسين البيئة المحيطة، حيث أؤمن أن التكنولوجيا يمكن أن تكون أداة فعالة للتغيير الإيجابي.
وأوضحت: إن استثمارنا في تحسين كفاءة استهلاك الطاقة يمثل خطوة صغيرة لكنها مهمة نحو تحسين ظروف حياة اللاجئين، ورغم التحديات المستمرة، يبقى الأمل في تحسين ظروفهم مشعًا، ما يحفزني على الاستمرار في تقديم الدعم وإبداع حلول تلبي احتياجاتهم.
وأتمت، أرى أن كل خطوة نحو تحسين الحياة في المخيمات ليست مجرد عمل إنساني، بل هي استثمار في مستقبل أفضل لهؤلاء الأفراد الذين فقدوا الكثير، مؤكدة أن تعزيز كفاءة استهلاك الطاقة لا يسهم فقط في تحسين ظروفهم المعيشية، بل يعزز أيضاً قدرة المجتمعات على النهوض وبناء مستقبل أكثر إشراقًا.