كيف تستنزف الحرب على غزة إسرائيل؟
الحرب التي تبدو متعدّدة الجبهات من الجنوب والشمال أمست تستنزف إسرائيل أكثر من أن تقرّبها من الحسم
بعد مرور نحو تسعة أشهر على الحرب التي تشنّها إسرائيل على قطاع غزّة ردّاً على عملية طوفان الأقصى، أصبح أسهل أكثر فأكثر على متابع الشؤون الإسرائيلية أن يصادف تحليلاتٍ تتصف بنقدٍ لاذعٍ للمستويين السياسي والعسكري، وبتأطير واقعي لمآل الحرب بدقّةٍ لا تذعن إلا للوقائع.
ويهم كاتب هذا المقال أن يشير في هذا المجال إلى أنه إلى جانب ذلك تقرّ أغلبية هذه التحليلات بما أعلنه الجيش الإسرائيلي نفسُه أخيراً، على لسان الناطق باسمه، في ما اعتبر بمثابة رسالة موجهة مباشرة إلى المستوى السياسي، أن التصريحات بشأن إخضاع حركة حماس باتت جوفاء.
وإذا شئنا أن نستأنس ببعض هذه التحليلات قد يكون ما كتبه الجنرال احتياط يسرائيل زيف، القائد السابق لـ”فرقة غزّة” وشعبة العمليات في هيئة أركان الجيش الإسرائيلي، أبلغ ما يعبّر عما نقصد، حيث كتب، في مقال في موقع قناة التلفزة الإسرائيلية 12 بتاريخ 20/6/2024، أن وضع إسرائيل العام يصبح أخطر بشكلٍ متصاعد، فإنجازات الحرب (امتنع عن تفصيلها) تضيع شيئاً فشيئاً، والضغط على جنود تشكيلات الاحتياط بات غير محتمل، والاقتصاد في إسرائيل لحِق به ضررٌ كبيرٌ، والوضع الدبلوماسي خطِر جدّاً ويزداد خطورة، وإسرائيل تتحوّل إلى دولة معزولة ومنبوذة، وهناك أزمة ثقة آخذة بالتصاعد داخل المجتمع الإسرائيلي والروح المعنوية الداخلية متدنّية (ويمكن أن يُضاف أن هذا التدنّي هو ما تؤكّده أيضاً استطلاعات الرأي العام التي لا تحظى بنشرٍ على نطاق واسع في وسائل الإعلام الإسرائيلية على خلفية قيامها بمجهود كبير في مجال رفع الروح المعنويّة الداخلية)، وإسرائيل تواجه صعوبةً في التعامل مع مشكلة النازحين من الجنوب والشمال، والأميركيون دخلوا في مرحلة متقدّمة من الانتخابات والانشغال بإسرائيل يمكن أن يشكل عبئاً عليهم، وخصوصاً في ظل عدم وجود نتائج واضحة للحرب.
ثمّة تحليلات تعدُنا بما هو أبعد من حدود ما قدّمه لنا زيف، لعلّ أبرزها وأهمها في الأيام القليلة الفائتة مجموعة تحليلات تفيد بأن الحرب التي تبدو متعدّدة الجبهات من الجنوب والشمال أمست تستنزف إسرائيل أكثر من أن تقرّبها من الحسم. في ظل هذا الوضع، يقول يغيل هنكين، وهو مؤرّخ عسكري مختص بالقتال في مناطق مأهولة والقتال غير المنظّم، من “معهد القدس للإستراتيجيا والأمن”، إنه في الحرب التقليدية يتم على سبيل المثال قتل 50 جنديّاً من جنود العدو كُل يوم، وتتوقع أن هذا سيحتاج وقتاً، لكن لن يبقى لديه جنود، في حين أن حرب الاستنزاف يكون المكوّن الرئيسي فيها نفسيّاً وتهدف إلى استنزاف الطرف القوي حتى كسر معنوياته وإفقاده الرغبة في القتال فعلاً. وفي كُل ما يخص طُرق عمل “حماس”، يقول هنكين إن من الممكن افتراض أن الحركة لا تتوقّع القضاء على إسرائيل مادّياً، إنما تكتفي بتدفيعها ثمناً. واستهجن تصريحات إسرائيلية فحواها أن مقاتلي “حماس” جبناء، مؤكّداً أن طريقتهم في الهروب من المواجهة المباشرة إلى نصب الفخاخ هي طريقة عمل حرب الأنصار، واتهامهم بالجبن غير ذي صلةٍ على الإطلاق.
ووفقاً لصحيفة غلوبس الاقتصادية، لحرب الاستنزاف قواعدها على المستوى الاقتصادي، ففي حرب تقليدية أو حملة عسكرية كما شهدنا في غزّة خلال الأعوام السابقة، هناك نقطة بداية ونقطة نهاية واضحة، وهنا الأمور تختلف. وهو الشيء نفسه بالنسبة إلى الأسواق، وأيضاً المؤسّسات الاقتصادية للدولة التي تواجه صعوبة في بناء التوقّعات والنماذج التي تقدّر حجم الضرر العام. ويمكن القول إن التقديرات الاقتصادية ارتفعت بصورة مستمرّة مرة تلو الأُخرى.
وفي ما يخص الاستنزاف الاقتصادي، تشير الصحيفة إلى مؤشرين: العجز المتراكم حتّى الشهر الماضي (أيار/ مايو)، وصل إلى 137.7 مليار شيكل، وبلغ 7.2% من الناتج في وقتٍ كان الهدف الذي حدّده القانون لنهاية 2024 هو عجز بنسبة 6.6%. ومنذ بداية العام الحالي، تم تسجيل عجز متراكم بنحو 47.6 مليار شيكل، مقارنة بفائض 13 مليار شيكل في الفترة نفسها من العام الماضي.